الجزائر

انبهروا بمُقوّماتها السياحية و بعضهم اعتقد أنها صحراء: شبكات التواصل الاجتماعي تفتح أعين العرب على الجزائر !



"كنت أعتقد أن الجزائر صحراء"، "لم أتوقع الجزائر بهذا الجمال"، بهذه العبارات علّق في انبهار مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي العرب، على فيديوهات رحالة كويتي صوّر المعالم السياحيةو الطبيعية التي تزخر بها بلادنا.. تعليقات قد تبدو غريبة للجزائريين و ربما مُضحكة، لكنها انعكاس للصورة النمطية التي تُسوّق عن هذا البلد، و هو ما يحتاج، برأي المختصين، إلى استفاقة جدية لإنعاش قطاع السياحة الذي يشهد نقائص بالجملة، موازاة مع اعتماد سياسة ترويج أكثر فعالية.
ياسمين بوالجدري
باستعمال هاتف نقال و عصا سيلفي، استطاع شاب كويتي يُدعى عادل العدواني، أن ينقل صورة مغايرة عن الجزائر للعالم العربي، فقد قام هذا الرحالة الذي يسمي نفسه "ابن فطوطة"، باستغلال القناة الخاصة به على موقع "يوتيوب" لنشر مقاطع تصل مدتها إلى 16 دقيقة تقريبا، و تخصص في كل مرة لمنطقة معينة بالجزائر العاصمة و تلمسان و وهران و قسنطينة و عنابة، ليحقق عدد مشاهدات كبير جدا من طرف العرب و حتى الجزائريين.
«إنها أفضل من أوروبا.. أريد أن أزورها!»
و في أول خرجة له بالجزائر العاصمة التي كانت نقطة الانطلاقة في الرحلة، عبر "البلوغر" الكويتي عن انبهاره الشديد، ليس بجمال المدينة فقط، بل لأنه اكتشف أن الحياة آمنة هناك و بأن السائقين يحترمون إشارات المرور، و استغرب أكثر لأن لا أحد أزعجه أثناء التجول في الشارع، بما أعطي انطباعا واضحا عن الصورة المظلمة التي أخذها العديد من العرب عن الجزائر، رغم أنها خرجت منتصرة على الإرهاب قبل قرابة عقدين من الزمن. و لم يُخف الرحالة دهشته لما يراه من جمال في العمارة و البنيان و من حسن استقبال من طرف "الشعب الودود" كما وصفه، و كان يعلق في كل مرة "أتحدى أن أحدا يدري بأن الجزائر بهذا الجمال"، ثم ينصح العرب بزيارة هذا البلد الذي قال إنه "جنة للسياح".
تعليقات العرب المتابعين للرحالة عادل العدواني على "يوتيوب" و "تويتر" و "فايسبوك"، لم تختلف كثيرا و بعضها كانا صادما، فقد قال أحدهم بأنه اعتقد دائما أن الجزائر صحراء، فيما ذكر آخر أنه كان يظن أنها لا تزال تحارب الإرهاب و بأنها غير آمنة، رغم أنها صُنفّت ضمن الدول الأكثر أمانا في العالم قبل أشهر قليلة فقط، و هي نقطة يبدو أنه لم يتم استغلالها بالشكل المطلوب لجذب السياح الأجانب.
و قد ذهب أحد المستخدمين الكويتيين، بعد مشاهدته للفيديوهات، إلى القول بأن الجزائر يمكنها أن تكون منافسا قويا لأوروبا و تركيا في استقطاب السياح، و عبّر عن إعجابه الشديد بتنوع طبيعتها و بالطابع المعماري الأوروبي الذي يميز بناياتها بالمدن الكبرى، فيما أثنى متابع سعودي على جمال الجزائر و طيبة شعبها التي يقول إنه اكتشفها من فيديوهات "ابن فطوطة"، مضيفا بالقول بأنه صار يرغب بشدة في زيارتها، و هي رغبة اشترك فيها أشخاص من سلطنة عمان و مصر و لبنان و الكويت و حتى من الجارتين تونس و المغرب.
و علّق أحد المتابعين على حساب الرحالة بموقع "تويتر"، "نرجو من الأخ عادل العدواني أن ينسق مع شركة طيران للسفر إلى الجزائر للكويتيين من عائلات و شباب، لكي يزوروا الجزائر أين توجد حضارة و ثقافة بدل السفر إلى أوروبا"، فيما استفسر مستخدم سعودي اسمه عادل أبو الوليد بالقول "ما هي أفضل أوقات الزيارة في الجزائر؟" لتتهاطل عليه ردود الجزائريين الذين أكدوا له أن لكل فصل ما يميزه، و قدموا له تفاصيل عن الأماكن التي تكسوها الثلوج شتاء.
نجوم جزائريون يغردّون عن كل شيء إلا عن سياحة بلدهم!
و الغريب أن بعض الجزائريين قالوا إنهم أنفسهم لم يزورا مناطق وصل إلى إليها الرحالة، و ذكر عدد منهم بأنه يراها لأول مرة، فيما انتقد آخرون في تعليقاتهم على الفيديوهات المنشورة، ضعف الترويج للسياحة ببلادنا، و عدم توفر المقومات و البنى التحتية الكافية التي تساهم في استقطاب الأجانب، خاصة في مجال نقص المرافق الفندقية و غلاء أسعار الغرف، ما أضعف حتى السياحة الداخلية، و في هذا الشأن علّق أحدهم بالقول "أنا جزائري لا استطيع الترحال في بلادي، ففي تركيا أقضي 7 أيام في فندق ذي 5 نجوم بسعر منخفض، أما في الجزائر يلزمني مبلغ كبير لقضاء نفس المدة".
و يرى المتابعون أنه يتوجب انتهاج سياسة ترويج فعالة للسياحة في الجزائر، تُستخدم فيها ما توفره وسائل التواصل الاجتماعي من فضاء مفتوح على العالم، عن طريق استغلال طاقات شبانية لا تقل إبداعا و لا حماسا عن الرحالة الكويتي، الذي أطرى على مبادرته وزير السياحة حسان مرموري في تدوينة له على موقع "فايسبوك قال من خلالها أن "ابن فطوطة" استكشف كنوز الجزائر السياحية.
و على عكس دول عربية أخرى، يُلاحَظ أن مشاهير الجزائر لا يساهمون بالشكل المطلوب في الترويج للسياحة ببلادهم، بحيث يكتفي بعضهم بنشر "هاشتاغ" عن جمال الجزائر من حين إلى آخر، و وضع صور مرافقة له، فيما سُجلت مبادرات محدودة لقت تفاعلا كبيرا من مستعملي الأنترنت حول العالم، على غرار ما قام به لاعب كرة القدم الدولي عدلان قديورة، الذي نشر مقطعا عن صحراء الجزائر يُصحح فيه الصور الخاطئة التي تكونت عن بلادنا، حيث يبدأ المقطع بعبارات باللغة بالانجليزية هي "أخبَروني أنها خطيرة.. أخبَروني أنه لا يوجد ما يأكل هناك.. قالوا لي إن شعبها ليس مضيافا"، ليظهر بعدها اللاعب في مناطق ساحرة وسط سكان المنطقة و ينتهي الفيديو بعبارة "ذهبت إلى الصحراء و وقعت في حبها".
المكوِّن و المستشار في مجال السياحة مراد قزّار
نملك المؤهلات لكن تنقصنا السياسات الناجعة
يرى المكوِّن و المستشار في مجال السياحة، قزار مراد، أن الوضع الذي يعيشه هذا القطاع ببلادنا، سببه فشل سياسة ترقية السياحة بالجزائر المنتهجة منذ سنة 1990، و عدم تكيفها مع تطلعات الأسواق العالمية، ما يستوجب، بحسبه، القيام بدراسة جدية و عميقة يمكن من خلالها حصر جميع النقائص قبل الحديث عن أي حلول.
و قال السيد قزّار إن الأزمة الأمنية لعبت دورا سلبيا في نفور السائح الأجنبي، لكنه ذكر بأنها ليست السبب الوحيد، مقدما مثالا عن فرنسا التي لا تزال الوجهة السياحية الأولى في العالم، رغم أنها شهدت اعتداءات ارهابية سنة 2015، حيث أكد أن الجزائر تواجه عراقيل و عوامل خارجية تزيد من ضعف خياراتها المقدمة فيما يتعلق بالسياسة السياحية.
و أضاف المختص أن نوعية الإيواء تُعدّ بالتأكيد نقطة ضعف لكنها ليست أولوية، بل الأولوية، برأيه، تتمثل في تسهيل التنقلات بصفة عامة، و تأشيرة "الفيزا" على وجه الخصوص، و ذلك بهدف تشجيع المتعاملين الذي يريدون فعلا تطوير الاستقبال السياحي، من خلال وضع سياسة حقيقية للإيواء.
و ذكر السيد قزار أن الاستقبال لم يعد منحصرا اليوم في ابتسامة يوزعها أعوان الفنادق، بل يتمثل في وضع مبادرة تجمع عدة قطاعات و يجب أن تستجيب لتوقعات الزبون على المستوى الدولي، و حاجته إلى أن يحس بأنه متأقلم مع البلد المُستقبِل للاندماج فيه، و كذلك الحصول على أكبر قدر من المعلومات و الشعور بأنه آمن، أما مرافق الاستقبال فتأتي، بحسب الخبير، بعد كل هذه الأمور.
و عن وجهة نظره حول التأخر التي تشهده بلادنا في مجال استغلال التكنولوجيا الحديثة في الترويج لوجهاتها السياحية، علق الخبير قائلا "إذا كانت السياحة ازدهرت في العالم خلال العقود الماضية بفضل السكك الحديدية و النقل الجوي، فإن التجارة الرقمية هي التي أصحبت محرك هذا القطاع في القرن الحادي و العشرين"، و أضاف محدثنا أن ظاهرة شبكات التواصل الاجتماعي و المدونين "البلوغرز"، صارت تلقى اهتمام العديد من دول العالم من أجل اجتذاب السياح إليها، خصوصا أن "البلوغرز" يعتبرون أشخاصا مؤثرين على المستهلك.
و يقول محدثنا إن جميع الدول المتقدمة أدرجت شقا خاصا بالاستغلال الأمثل لشبكات التواصل في التكوين الموجه إلى المشتغلين في القطاع، بينما لا يزال التكوين في الجزائر غير محين و متوقفا، كما يتابع، عند رهانات سنوات التسعينيات، التي من بينها وسائل النقل، مضيفا أن مشاكل الإيواء موجودة فعلا و تتطلب حلولا، لكن يجب الاهتمام أكثر بالتحكم في قاطرة الثورة الرقمية، داعيا إلى الاستفادة من تجارب دول أخرى، بأخذ إيجابيتها و ترك كل ما هو سلبي.
و يرى الخبير أن هناك مشكلة أخرى تكمن في عدم تحديد جهة بعينها تهتم بجانب الترويج و الإشهار للسياحة لترقية صورة الجزائر، أمام العجز المسجل في هذا الجانب، فرغم أن الخطاب الرسمي يؤكد على وجوب استغلال السياحة كبديل اقتصادي، أمام تهاوي أسعار النفط، إلا أن هذه الرغبة لم تتجسد، حسبه، من خلال السياسات المالية و الميزانيات المرصودة لهذا القطاع، الذي لم يتوفر بعد على أبسط الضروريات لدخول سوق المنافسة الدولية و هو الدفع الالكتروني.
و يُؤكد السيد مراد قزار أن عزوف السياح العرب عن الجزائر لا يقتصر على المخاوف الأمنية، بل يتعلق، كما يضيف، بأسباب ثقافية و تاريخية معروفة للجميع، لكنه قال بأن استقطاب هؤلاء السياح ممكن، مثلما فعلت الجارتان تونس و المغرب، و ذلك من خلال إعداد دراسة جدية و عميقة لهذه السوق و تحديد نقاط ضعفنا و قوتنا، خصوصا أن الجزائر تتوفر على مقومات طبيعية قلّما نجدها في باقي دول العالم، قبل أن يعلق "سوف يتحدى الجزائري نفسه و يقدم أحسن الخدمات و أفضل نوعية، في اليوم الذي يحس فيه أن السياحة هي مصدر رزقه الوحيد".
ي. ب


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)