الجزائر

الميركاتو شباك تحت حراسة مشدّدة..



 في مونديال 2010 ارتكب بعض الحكّام حماقات في حقّ منتخبات مشاركة، فخرج جوزيف بلاتير من شرنقته وقال ''لقد قدمت اعتذاري لبعثتي إنجلترا والمكسيك المتضررتين من أخطاء التحكيم، فقال لي الانجليز شكرا، بينما أحنى المكسيكيون رؤوسهم..''، ولم يحن شيخ الفيفا رأسه خجلا مما حدث ويحدث، بل اكتفى بابتسامة صفراء كعادته في مثل هذه المواقف.. وفتح بوابة صغيرة على الفكرة التي ظل يدافع عنها أنصار توظيف التكنولوجيا في الكرة. وقال ''يبدو أننا سنلجأ إلى صور الفيديو مستقبلا لمعالجة حالات الشك''. والمسألة ليست في الفيديو، ولكن في انتقاء من يعتذر لهم، فقد ظُلم في عصره كثيرون، غير أنه استثنى الانجليز خوفا منهم فهم من اخترع الكرة، والمكسيكيين خوفا من أن يتهم بالمفاضلة والتمييز، ويبدو أنه لم يفهم قصد الانجليز عندما قالوا له ''شكرا'' فهم يعنون ''شكرا لك فقد ذبحتنا''. أما المكسيكيون فعندما أحنوا رؤوسهم، كانوا يقصدون أنهم ذبحوا مرتين (..) والسؤال الذي يطرح أمام تصرف انتقائي لكبير الفيفا، هو لماذا لم يعتذر للجميع، ما دام الأمر يتعلق بظلم تعرضت له منتخبات تعبت كثيرا حتى تصل إلى نهائيات المونديال، وكان أولى به أن يعتذر لكل المنتخبات المتضررة من أخطاء التحكيم منذ مونديال الأورغواي، حفاظا على اللعبة الأكثر شعبية في العالم، خاصة إذا تعلق الأمر بإدراج الصورة التلفزيونية في معالجة الأخطاء التي تتطلب ذلك.
وفي هذا الموضوع لي رأي مختلف، قد يتفق وقد يختلف معي القراء الكرام لأنه يقتضي قدرا من التأمل في أبعاده وتبعاته، وأبدأ ذلك بسؤال هل كان الحكم الدولي الفرنسي ميشال فوترو مخطئا عندما نشر كتابا عن تجربته في الملاعب مع الصافرة وما تجلبه من متاعب؟ هل أخطأ عندما أطلق على مؤلفه عنوان ''الحق في الخطأ''؟ لا أعتقد أنه أخطأ لأن الخطأ جزء من اللعبة، ولولا تلك الأخطاء ما تذكّر العالم نهائي مونديال 1966 والهدف الانجليزي الغامض، ولا تذكر الناس هدف مارادونا في مرمي شيلتون في مونديال 1986 بيده التي قال عنها إنها يد الله، ودفع الحكم التونسي علي بن ناصر الفاتورة سبا وشتما، بينما قال الناس إن ''يد'' هنري التي أهّلت فرنسا للمونديال ضد إيرلندا، هي يد الشيطان، وسيذكرها العالم طويلا، لأنها هي التي صبت لعنتها على الديكة.
ولو لم يكن الخطأ طبيعيا في لعبة أساسها التنافس والإبداع والخطأ، ما تم اللجوء إلى حكم ومساعدين، وقديما قيل ''لو أنصف الناس لاستراح القاضي'' بمعنى أن الغش موجود ولا يمكن القضاء عليه بالتكنولوجيا، ولو جيء بها من كوكب آخر. وفي مونديال مانديلا يأتي الشيخ بلاتر ليعتذر للانجليز والمكسيكيين عن أخطاء التحكيم التي حرمت رفاق لومبارد هدفا، ومنحت رفاق ميسي هدفا، وقال إنه صار من الضروري التفكير في الاستعانة بصور الفيديو، ولكن ما نخشاه أنه كلما أقحمت التكنولوجيا في الجلد المنفوخ أفسدته، وأفقدت اللعبة الأكثر شعبية في العالم نكهتها، ومن يدري فقد تتحول بعض المباريات إلى مواجهات ماراطونية، فتمتد إلى أكثر من ساعتين إذا كثرت الشكاوى والنزاعات، ويتحول الحكام إلى متهمين مع وقف التنفيذ..
ربما يكون استخدام صورة الفيديو صالحا في أنواع رياضية غير محددة بالوقت كالتنس والكرة الطائرة، ويتطلب توفر كل الملاعب على تجهيزات تلفزيونية (..) وهو ما يبدو بعيد المنال في بلدان لا تتوفر حتى على.. قنوات تلفزية وطنية. ومع هذا أقول، إذا كان كابيللو يغضب على طريقة يوليوس قيصر لأنه حرم هدفا مشروعا، يدفع إلى إدخال الفيديو لمراجعة الأخطاء فذلك غير مقبول، لأن المئات ممن سبقوه كانوا ضحايا حكام أو مساعدين لهم.. لم يعلنوا حالة الطوارئ ولا نهاية العالم، لأن الخطأ سيبقى، ولو جيء بحكم آلي ''روبوت''من اليابان أو هونغ كونغ قادر على أن يقوم بوظيفة الحكم وأكثر.
إن تطوير الكرة، لا يعني أن تواجه ذلك بمزيد من التكنولوجيا، فإذا لجأت اليوم إلى الفيديو للفصل في الأهداف المشكوك فيها، ستلجأ يوما إلى الجهاز نفسه للبت في عقوبة الطرد وحتى المخالفات وضربات الجزاء وأشياء أخرى..
وإذا كنت من حيث المبدأ ضد التوظيف المستمر للتكنولوجيا في الكرة، فليتجه التطوير التقني إلى وسائل البث والتغطية التلفزيونية كما هو الحال مع تقنية البث ثلاثي الأبعاد، أو إلى تطوير مهارات اللاعبين والمدربين، وتحسين كرة جابولاني (..) وليس إلى البحث في تفاصيل المباراة، لأن الشيطان ينام في تلك التفاصيل.. فلنترك للخطأ مساحته في أي مباراة.
وإذا كان كثير من اللاعبين والمدربين والمسؤولين وحتى الجمهور يعلق أي خسارة على خطأ قاتل لحكم خانته رؤيته أو تركيزه أو عدم قدرة مساعده في اتخاذ قرار صائب، فإن المسألة في كل الأحوال لا تخرج عن حكمة ''رب ضارة نافعة''، ففي حرمان فريق من هدف، يكون الفريق الآخر كسب ''شيئا'' لو تم احتسابه لاختلطت أوراقه.. والعكس صحيح. هي هكذا اللعبة، نقبلها بأخطائها، لأنها لن تكون كاملة ولو اجتمع أنزه الحكام في مباراة واحدة.. ويبقى سؤالي للسيد بلاتر، لماذا كلّما زاد الفساد في قصر زيوريخ خرجت على الناس معلنا استخدام التكنولوجيا لحراسة.. الشباك؟


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)