الجزائر

"المنتج السينمائي.. والمنتج المنفذ الجزائري"




الحديث عن السينما الجزائرية ذي شجون على الرغم من كل المعاناة والنجاحات والانتكاسات، وإذا ما نظرنا إلى ما أنتج من أفلام جيدة جعلتها تتميز عن نظيرتها العربية والإفريقية، فإنه كان ازدهارا ظرفيا، فبسقوط القطب الاشتراكي، سقط دور السينما كأداة للترويج الإيديولوجي، ودخلت في مرحلة موت إكلينيكي حقيقي، إذا ما استثنينا صناعة بعض الأفلام من حين لآخر، ولعل أغلبها “اعتنق” قضية حرب التحرير الجزائرية، وهنا نقف على أن مصيرها الترويجي مازال قائما على الرغم من معالجتها لقضية تاريخية..أما عن الأفلام التي خرجت عن القاعدة وأثارت جدلا كبيرا مثل فيلم “الوهراني”، عبر محاولتها الجريئة في التقرب من موضوع حساس كموضوع الثورة، هذا الجدل يعود سببه الجوهري إلى أن هذه الأفلام أنتجت بالمال العام، كالعادة، وبذلك فقد تجاوزت إرادة الممول الذي يرسم لها سياسة محددة لا يمكن تجاوزها، وللممول أو المنتج الحق المطلق في رسم سياسة ما ينتجه. ولعلنا نلاحظ جيدا ولاء الأفلام ذات الإنتاج الفرنسي أو الإنتاج المشترك، لرغبات السياسة الفرنسية من خلال إجبارهم على تمرير الكثير من الإشارات التي تمجد محاسن الظاهرة الاستعمارية أو الثقافة الفرنسية وغيرها من الإشارات التي تمتد أحيانا إلى المس الخارق بالقيم الجزائرية الصرفة تاريخا وهوية. وأؤكد أن كل الأفلام التي تدخل ضمن هذه الخانة الإنتاجية قد احتوت على مثل هذه الإشارات دون استثناء، والقارئ السينمائي الحاذق يقف على ذلك دون عناء.. عموما سيظل المشهد السينمائي الجزائري يتخبط في هذه المتاهات مادامت السينما تُصنع اعتمادا على المال العام، ولا يمكن تجاوز هذه الحال وهذا المشهد إلا من خلال سن قوانين سمعية بصرية تسمح بوجود منتجين حقيقيين بعيدا عن الدولة، حينها على السينمائي البحث عن المنتج الذي يوفر له إمكانية صناعة فيلمه بعيدا عن أية رقابة تصادر حرية المعالجة السينمائية موضوعا وجماليا، وإذا ما بقيت الدولة هي المنتج الوحيد كما هو الحال الآن فلن تقوم للسينما قائمة وستظل مجرد وسيلة ترويجية للسياسات المعتمدة.السينما صناعة قائمة بذاتها لها مدنها الإنتاجية، توفر العمل لكل الناس من الحمال إلى البناء إلى المهندس المعماري وإلى كل أصحاب المهن والحرف، وليس للمختصين فقط، فمن رغب في الاستثمار في فضائها، عليه أن ينتج أعمالا سينمائية بماله الخاص وأن يصنع نوعية الأفلام التي يريد حتى “الوستيرن” منها، وأن يتجرأ ويمرر وجهة نظره وانتقاده لكل ما يلتصق بالحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية مثلما يحلو له، وحده القرار الحاسم بتحرير الفضاء السمعي البصري واعتماده كصناعة قائمة بذاتها، كفيل بتغيير المشهد السينمائي وتحرير المبادرة الإبداعية وتطوير كل الوظائف والتخصصات السينمائية التي نفتقر إليها كثيرا ونلجأ لتغطية هذا العجز إلى المختص الأجنبي.لابد أن نعرف أنه لا يوجد منتج حقيقي في الجزائر باستثناء القطاع العام، وظاهرة المنتج المنفذ تكرّس أكثر ديمومة للمشهد السينمائي الجزائري البائس لأنهم لا يتصرفون كمنتجين حقيقيين يستثمرون أموالهم الخاصة في العملية الإنتاجية ويحافظون على سمعة مؤسساتهم، بل يسعون فقط خلف استهلاك المال العام المخصص لذلك ولا يعنيهم جودة ما يقدمون على الإطلاق. تحرير الفضاء السمعي البصري سيؤثر إيجابا لا محالة على المشهد السينمائي الجزائري... *يكتبها هذا الأسبوع: مخرج سينمائي




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)