الجزائر

المقايضة والتجارة الموجهة...مفتاح الرّفاه الإفريقي



رخص لاستيراد 28 منتجا وتصدير 21 منتجا عبر المناطق الحدودية الجنوبيةانضمام الجزائر إلى مبادرة التجارة الموجهة مع إفريقيا، خطوة تضاف إلى المسار الاقتصادي ذي التوجّه الإفريقي الذي تبنّته البلاد منذ تولى رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون سدّة الحكم، ووفّر ما يدعم تجارة المقايضة عبر الولايات الحدودية الجنوبية، باعتبار هذه التجارة امتداد في العمق التاريخي الموثق للعلاقات الجزائرية بأصولها الإفريقية، وإسهاما فاعلا في تنمية العلاقات التجارية بين الجزائر ودول الجوار، وعامل استراتيجي في توحيد الرؤى السياسية. كما تعتبر تتمّة لسابقاتها من المبادرات على غرار انضمام الجزائر إلى منطقة التجارة الحرة الإفريقية، واستحداث معارض دائمة بدول الجوار، إضافة إلى فتح فروع بنكية عمومية بها، من أجل دعم وتحفيز المتعاملين الاقتصاديين، وتسهيل توجههم نحو الأسواق الإفريقية.
استهل الخبير في الاقتصاديات الحكومية، فريد كورتل، الحديث عن "التجارة بالمقايضة" بالعودة إلى فجر التاريخ والحياة الاقتصادية القديمة التي رافقت المجتمعات عند نشأتها، حيث كانت "المقايضة" أساس المعاملات التجارية، والسبيل الوحيد لتلبية حاجيات الأفراد. مشيرا إلى أن المقايضة تمتد في عمق التاريخ كنمط أولي للتجارة، داخلية كانت أو خارجية، لتتطوّر إلى أسلوب أوسع في التعامل بين المناطق والقبائل والمجتمعات الصغيرة، يتمثل في تصدير السلع والحاجيات التي تتطلّبها الحياة ليومية، واستقبال سلع بديلة عن تلك المصدّرة.
وتعتبر التجارة بالمقايضة يقول كورتل - أحد أوجه التجارة الخارجية، حيث تكتسي أهمية بالغة في الاقتصاديات المحلية والعالمية، كونها مؤشرا مهما للقدرة التنافسية والإنتاجية بالسوق الدولية، خاصة ما تعلّق بالدول التي تتقاسم نفس الإقليم، كما تعتبر مصدر من مصادر الحصول على مكاسب للنهوض بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية على المناطق الحدودية.
ولا يمكن أن نغفل - يؤكد كورتل - عن أن التجارة تعد من أبرز المؤشرات المرجعية لتقييم أداء الاقتصاديات قديما وحديثا، فعلى الرغم من التطوّر السريع الذي تعرفه مجالات الحياة اليومية، خاصة في الشقّ المتعلق بالتجارة الدولية، إلا أن ذلك لم يتمكن من فرض التخلي عن تجارة المقايضة التي بقيت محافظة على مكانتها القوية في تلبية حاجيات الأسواق بين الولايات الحدودية. وتعتبر الجزائر واحدة من الدول التي بقيت وفية لاستراتيجياتها التجارية الداعمة لنشاط المقايضة، من خلال حرصها الدائم على إنعاشها وتأطير القوانين التي تحميها وتنظمها، إلى جانب حرصها على توفير البنى الهيكلية والقاعدية لتسهيل ممارستها.
عناية خاصة من رئيس الجمهورية
إن اهتمام رئيس الجمهورية شخصيا بتجارة المقايضة عبر الولايات الحدودية، نحو الدول الإفريقية المجاورة، لم يكن وليد صدفة - يؤكد فريد كورتل - بل تكمن وراءه الأهمية التي يتبوأها هذا النوع من التجارة التي تكتسي طابعا مميزا مع تنامي حاجيات السوق المحلية على مستوى الولايات الجنوبية، حيث يسمح نشاط المقايضة بممارسة النشاط الاقتصادي وفق الشروط القانونية المعمول بها، وإيجاد أساليب فعّالة لترقية الصادرات، خاصة ما تعلّق بما يسمى "السلع الهامشية والسلع شبه المصنعة للدول المجاورة"، مما سيحدث حماسا إنتاجيا لقاطني المناطق الحدودية، وبالتالي، ضمان العيش الكريم، والحد من الهجرة غير الشرعية والنزوح بقصد البحث عن فرص الشغل والرزق.
ومن جهة أخرى يواصل كورتل - فإن حركة السلع عبر المناطق الجمركية الحدودية ستخفّف من الضغط على الموانئ والمعابر الرئيسية. وفي شقّ متصل، يعتبر الخبير الاقتصادي تجارة المقايضة أو "تجارة الحدود"، وسيلة فعالة لتطوير علاقات حسن الجوار، وتوحيد الثقافات الإفريقية، وتوطيد المصالح الاقتصادية، مما سيسمح بتوحيد الرؤى السياسية ذات الاهتمام المشترك.
تجارة حدودية مقنّنة..
وتابع كورتل قائلا، أن وزارة التجارة وترقية الصادرات، عكفت على إخضاع هذا النوع من التجارة إلى الرقابة القانونية، والمتابعة من خلال مديريات التجارة للولايات الحدودية، منذ صدور أول قرار في 14 فيفري 1988، المنظم لتجارة المقايضة مع دولة النيجر التي تجمعها بالجزائر حركة نشطة للتجارة بالمقايضة. ليتمّ تعديل وتكملة هذا الأخير، بالقرار المشترك بين وزارة التجارة ووزارة المالية لسنة 1994، الذي يحدّد شروط وكيفيات ممارسة تجارة المقايضة الحدودية، وكذا قائمة البضائع موضوع التبادل بين هذه الدول .. تعديلات أخرى تمّ إدراجها على هذا القرار من خلال كل من القرارين الصادرين في 12 أفريل 1999 و08 مارس 2001، لتدارك النقائص التي تضمنتها القرارات السابقة بفعل المعطيات الجديدة للمشهد الاقتصادي، إضافة إلى القرار الصادر في 02 جويلية 2020 وقرارين في 13 و28 ديسمبر 2021، ليبلغ إجمالي القرارات الوزارية المشتركة فيما يتعلّق بتنظيم التجارة بالمقايضة، 07 قرارات وزارية مشتركة، متكاملة فيما بينها من ناحية الأصل والتعديل والتتميم لتدارك النقائص المسجّلة خلال كل مرحلة، خاصة ما تعلق بتوسيع الحدود الجغرافية لممارسة تجارة المقايضة بعد أن كانت مقتصرة على دولة النيجر فقط، لتشمل دولتي مالي وموريتانيا وغيرهما من الدول الإفريقية المجاورة. حيث حرص المشرّع الجزائري من خلال وزارة التجارة وترقية الصادرات على تحيين القوانين المؤطرة لتجارة المقايضة وتنميتها، باعتبارها رافدا من روافد التجارة الخارجية.
أما بالنسبة للولايات المعنية بتجارة المقايضة، فقد أوضح المتحدث أنها تشمل المتعاملين الاقتصاديين من الولايات الحدودية التي ذكرها المشرع الجزائري من خلال القرار الوزاري المشترك بين وزارة التجارة ووزارة المالية المؤرخ في 28 ديسمبر 2021، الصادر بالجريدة الرسمية رقم 04 المؤرخة في 15 جانفي 2022، حيث حدّد في مادته الثانية الولايات الحدودية المعنية بتجارة المقايضة حصريا دون سواها، وهي أدرار، ايليزي، تمنراست، تندوف، تميمون، برج باجي مختار، بني عباس، إن صالح وإن قزام، وحدّد منع ممارسة تجارة المقايضة بين المتعاملين الاقتصاديين لغير الولايات المذكورة المرخص لها بمقتضى قرار وزاري. وتترجم مساعي السلطات العمومية من خلال كل القطاعات ذات الصلة بنشاط المقايضة يقول محدثنا - حرص الدولة الجزائرية على تنمية المناطق الحدودية، وجعلها أقطابا مشعة للتبادل التجاري بين دول الجوار، وبوابة ذات حركية تجارية نشطة نحو العمق الإفريقي.
طابع استثنائي يدعّم ساكنة الحدود..
وشدّد الخبير كورتل على ضرورة التذكير بالطابع الاستثنائي الذي تكتسيه تجارة المقايضة على مستوى المناطق الحدودية، طبقا للقرار الوزاري المشترك الأخير الذي ينظم ويحدّد شروط ممارسة هذا النشاط، كونها تستهدف تسهيل تموين ساكنة الجنوب وتوفير حاجياتهم من المواد الضرورية.
ومن ضمن البضائع موضوع التبادل بين المناطق الحدودية الجزائرية والدول المجاورة لها، المرخص لها من طرف وزارة التجارة وترقيه الصادرات والبالغ عددها 28 مادة استهلاكية، ذكر المتحدث عدة مواد بينها الشاي الأخضر، الحناء، الفول السوداني، الذرة البيضاء، الزبدة، الأرز، الأناناس، البقول الجافة، المانغا، السكر، الموز، جوز الهند والخضر الطازجة. وقال إنه في إمكان المتعاملين الاقتصاديين بالولايات الحدودية المرخص لها، مزاولة تجارة المقايضة، وتصدير 21 منتجا إلى دول الجوار، على غرار التمور باستثناء "دقلة نور"، المنتجات البلاستيكية، الأغطية الرمادية، الملح المنزلي، ورق الدخان، منتجات الصناعات التقليدية.
وقال محدثنا، إن قائمة منتجات يتمّ تحيينها دوريا من طرف مصالح وزارتي التجارة والمالية من خلال 07 قرارات وزارية مشتركة، تمّت المصادقة عليها لحدّ الآن، تعمل على تحديد قائمة السلع والمنتجات التي تخضع لتجارة المقايضة، حسب متطلبات السوق المحلية ومتطلبات ساكنة الجنوب من المنتجات والسلع، وهو ما تعكف مصالح وزارة التجارة على جرده بصفة دورية للاستجابة للطلب، وسدّ العجز المحلي من هذه المنتجات.
وبلغة الأرقام، أفاد فريد كورتل أن عدد المتعاملين عن طريق تجارة المقايضة بالولايات الحدودية الجنوبية في تزايد مستمر، حيث بلغ - حسب الإحصائيات الرسمية لوزارة التجارة، في عام 2021 - 108 متعاملين مسجلين رسميا بمديرية التجارة بولاية تمنراست، مقابل 24 متعاملا فقط، سجلوا عام 2019، ما يعني أن الزيادة تعادل 5 أضعاف.
وسجّلت ولاية أدرار 74 متعاملا رسميا سنة 2021، مقابل 22 متعاملا عام 2019. و11 متعاملا رسميا بولاية ايليزي. وقد فسّر كورتل هذا العدد المتزايد للمتعاملين الاقتصاديين الناشطين بصفة رسمية في مجال تجارة المقايضة، بجملة التحفيزات التي تقدمها وزارة التجارة تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية بفتح الأبواب على مصاريعها نحو العمق الإفريقي.
مبادرة التجارة الموجّهة..لا قيود جمركية..
إلى جانب تطوير تجارة المقايضة، يرى كورتل أن انضمام الجزائر إلى مبادرة التجارة الموجهة مع إفريقيا في إطار التجسيد الفعلي والميداني لاتفاقية منطقة التبادل الحر الإفريقي "زليكاف"، حدثا يستوجب التوقف عنده، نظرا للإضافة التي سيقدمها للاقتصاد الوطني، حيث سيسمح للمتعاملين الاقتصاديين الجزائريين، بالقيام بمبادلات تجارية مع الدول المنظمة للمبادرة دون قيود جمركية، ما يمنح المنتجات الجزائرية مساحة تنافسية أوسع على المستوى القاري.
وعن الدول المعنية بمبادرة التجارة الموجهة مع إفريقيا، قال كورتل إن الأمر يتعلق بسبعة دول افريقية هي تونس، مصر، كينيا، الكامرون، غانا، روندا وجزر موريس، ويتوقّع الخبير أن تتوسّع قائمة الدول لتصل إلى 38 دولة، مشكلة فرصة لتنويع الصادرات الجزائرية خارج المحروقات، والرفع من قيمة المبادلات التجارية نحو إفريقيا، خاصة في ظلّ تكثيف المعارض والتظاهرات الاقتصادية التي تنظم بمختلف البلدان الإفريقية في الآونة الأخيرة، ما يشجّع على دخول المنتجات الإفريقية دون قيود جمركية. وهو ما يعتبره المتحدث خطوة تحقيق الهدف الأسمى لرئيس الجمهورية برفع الصادرات خارج المحروقات لتبلغ عتبة 30 مليار دولار في غضون عام 2030.
في هذا الإطار، ذكر كورتل أن الجزائر بصدد تحقيق خطوات مهمة نحو العمق الإفريقي، ودخول الأسواق الإفريقية من خلال المعابر الحدودية ومنطقة التبادل الحر الإفريقية والولايات الحدودية، والمعارض الدائمة بكل من موريتانيا والسنغال، وهي مبادرة ناجعة تبنتها وزارة التجارة وترقية الصادرات، من المنتظر أن تتوسّع إلى كل من الكاميرون، كوت ديفوار والنيجر، وستدعم وتكمّل مهامها وأهدافها، ويضيف المتحدث بأن المبادرة التي جسّدتها الجزائر من خلال فتح فروع بنكية عمومية جزائرية بكل من موريتانيا والسنغال، ترمي إلى النهوض بالتجارة الخارجية بالدرجة الأولى، وتطوير الصادرات من أجل الرفع من مؤشرات الاقتصاد الكلية، وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية. خاصة وأن سبعة قطاعات حيوية أصبحت جاهزة لاقتحام مجال التصدير بقوة، ضمن مبادرة التجارة الموجهة مع دول إفريقيا ومنطقة التجارة الحرة الإفريقية بصفة عامة، وهي قطاعات البناء، الصناعات الصيدلانية، الكهرومنزلية، الميكانيكية والتحويلية. حيث تسير الجزائر نحو اكتساح الأسواق الإفريقية، مستثمرة بذلك كل الفرص المتاحة للترويج لمنتجاتها التي أصبحت تنافس نظيراتها عالميا من حيث الجودة والتميّز.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)