الجزائر

المعارضة الليبية تجري مراجعة محتشمة لموقفها من الجزائر



عاد المجلس الانتقالي، من خلال الناطق باسمه عبد الحفيظ غوقة، إلى الحديث عن الأدلة التي يملكها والتي تدين الجزائر بدعم القذافي، غير أن الحديث عن أدلة يعود إلى أشهر خلت دون أن يتم تقديم أي مستند يثبت هذه الادعاءات، ويبدو أن المجلس الانتقالي تورط ولا يستطيع أن يخطو خطوة إلى الوراء .تصريحات غوقة التي نشرتها جريدة الشروق أمس، توحي بأنها جاءت لمجرد التبرؤ من شبهة التواطؤ مع اللوبي المغربي الذي اتهمه صراحة أويحيى بالوقوف وراء هذه الحملة، والأهم من هذا أن موقف الجزائر تعززت مصداقيته بعد تأكيد الولايات المتحدة وبريطانيا براءة الجزائر من هذه الاتهامات، وفضلا عن ذلك فقد قامت الجزائر بعدة خطوات في الأيام الأخيرة من أجل الرد على هذه الاتهامات منها تجميد الأموال الليبية تنفيذا للقرارات الدولية، فضلا عن تكذيب الأخبار التي روجتها المعارضة الليبية عن لجوء عائشة القذافي إلى الجزائر.
تشبث المجلس الانتقالي بهذه الاتهامات جاء مصحوبا بتعبير عن الرغبة في بناء علاقة قوية مع الجزائر، وهو ما يعني أن المعارضة الليبية بدأت تفكر جديا في تصحيح هذا الخطأ الذي قد يسجل على جهة ما في المستقبل، والأدلة التي تحدث عنها غوقة كانت قد ردت عليها الجزائر أكثر من مرة، فقد كذبت تكذيبا قاطعا هذه التصريحات وقالت إنها عشوائية وتفتقد إلى الدقة، وإننا ننفي أي تواطؤ مع القذافي ضد ثورة الشعب الليبي، أو إرسال مقاتلين للدفاع عنه، أو نقل مرتزقة أفارقة إلى ليبيا للقتال إلى جانب القوات الموالية له.
وفي وقت سابق قال مصدر دبلوماسي جزائري إن ''ما بثته قنوات تلفزيونية من جوازات سفر جزائرية، قيل إنها تعود لمرتزقة جاؤوا من الجزائر للقتال مع القذافي، تعود لعمال جزائريين كانوا يعملون في ليبيا، وأنها محاولة مبيتة ودنيئة وغير بريئة من بعض الأطراف لتوريط الجزائر''، مشيرا إلى أن " الجزائر سبق أن نفت تسخير أي من طائراتها العسكرية لنقل مرتزقة من إفريقيا لصالح القذافي".
وفسر المسؤول موقف الجزائر بالقول: ''نحن ملزمون بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهذه أبرز مبادئ الدبلوماسية الجزائرية، وهذه الاتهامات غير مؤسسة، ولا أساس لها من الصحة، والجزائر تتابع الوضع في ليبيا بانشغال كبير، ولا يمكنها أبدا أن تتورط في أي قضية تخص الشأن الليبي''. وذكر بالموقف المعلن من قبل وزير الخارجية مراد مدلسي الذي قال ''إن الجزائر تتمنى وقف إراقة الدماء أولا، وأن يكون هناك انتقال سلمي للسلطة عبر حوار وطني يجمع كل الأطراف الليبية، والعمل على الوصول إلى مصالحة وطنية في ليبيا".
اتهامات المجلس الانتقالي للجزائر بعد أن خاب أمل بعض أعضاء المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا الذين توقعوا أن تتخذ الجزائر موقفا آخر بالوقوف إلى جانبهم، وهذا يتناقض مع المبادئ التي تحكم الدبلوماسية الجزائرية وعلى رأسها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وخاصة المجاورة، ولم يختلف الموقف من الأحداث الجارية في ليبيا عن الموقف من ثورة الشعب في تونس ومصر، وفي الحالتين التونسية والليبية يبدو الأمر أكثر تعقيدا بحكم الجوار المباشر وبحكم رغبة كل طرفة في استمالة الجزائر إلى صفه، وموقف آخر غير الحياد لم يكن ليمر دون ترك آثار عميقة على العلاقة مع هاتين الدولتين على المدى البعيد كيفما كانت نتيجة هذه الانتفاضات الشعبية.
التفصيل الآخر الذي يبدو مهما في الحالة الليبية هو أن الأمر تطور بسرعة من احتجاجات شعبية سلمية إلى تمرد مسلح بعد أن سيطر المتظاهرون على قواعد عسكرية واستولوا على مخازن للسلاح، ومع انضمام قطاعات من الجيش إلى المتظاهرين أخذت الأمور منحى آخر يتجه نحو حرب أهلية مدمرة قد يطول أمدها، وهذا الوضع يفتح الباب واسعا أمام التدخل الأجنبي الذي لن يخدم استقرار ليبيا ولا استقرار محيطها، وعندما تأتي الاتهامات من المتحمسين للتدخل الأجنبي تحديدا يصبح الأمر مفهوما وواضحا.
الإشارة التي يطلقها المجلس الانتقالي لا تبدي مطمئنة على الإطلاق، فالتسرع في اتهام الجزائر قد يضر بالعلاقة مع بلد جار كبير، وهو ما لا يخدم ليبيا حتى إذا سقط نظام القذافي، ولن يخدم أيضا الجزائر ولا المنطقة بصفة عامة، وعدم الانتباه إلى هذا الأمر يشير إلى أن الذين يريدون الإطاحة بالنظام في طرابلس لم يشكلوا بعد رؤية واضحة للواقع المحيط بهم وهو ما سيسهل توظيفهم لخدمة أهداف بعض القوى الإقليمية والدولية، والتحركات التي تأتي من شرق ليبيا تحديدا تؤكد اليوم أن البلد أصبح بالفعل تحت تأثير قوى خارجية بدأت تتحرك من الآن من أجل إخضاعه وهو أمر مرفوض من الناحية الأخلاقية والسياسية باعتبار أن الشعب الليبي في هذه المرحلة يحتاج إلى من يساعده لاستعادة الأمن والاستقرار والحفاظ على وحدة البلاد وليس إلى من يمارس عليه النفوذ بدعوى الدور الإقليمي.
الإصرار على اتهام الجزائر وفي نفس الوقت التأكيد على أهمية العلاقة معها قد يكون مؤشرا على رسائل يكون المجلس الانتقالي قد تلقاها من القوى الإقليمية والدولية من أجل مراجعة موقفه، وهو ما يعني أن الاستعداد للمرحلة القادمة قد بدأ فعلا.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)