الجزائر

المصلح الاجتماعي في الجزائر.. غائب إلى أجل غير مسمى



المصلح الاجتماعي في الجزائر.. غائب إلى أجل غير مسمى
“ضربها في لحظة غضب فأدخلته السجن”، “اختلفت مع أهله فطلبت الطلاق”، “سوء تفاهم أدى إلى تفكيك الأسرة”.. أكثر القضايا تداولا في أروقة المحاكم، بعدما تعطلت آليات الصلح التقليدية، وغابت ثقافة المصلح الاجتماعي في بيئة أصبحت في حاجة ماسة لوجود مؤسسات اجتماعية تحل النزاعات بمعية الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين.
انتقلت مناوشات وخلافات عائلية الصغيرة إلى أروقة المحاكم الجزائرية، وراح القضاة يفصلون في أمور فصلت فيها العادات والأعراف من قبل، ليصبح اللجوء إلى العدالة أول وآخر حل يلجأ إليه الأفراد لحل نزاعاتهم العائلية والأسرية، رغم أنها في الكثير من الأحيان لا تحتاج إلى ذلك. وحسب الاستطلاع الذي قامت به “الفجر” فإن الأطراف المتنازعين ندموا على نقل مشاكلهم الى أروقة المحاكم واصفين ذلك ب”تسرع في ساعة الغضب”.
المحكمة تفرض نفسها بعد تعطل “آلية الحَكمين” في المجتمع
استغنى الكثير من الأزواج عن آلية الحكمين في الفصل في النزاعات الأسرية بين مختلف الأطراف، قبل اللجوء إلى أي إجراء قانوني ينقل أفراد العائلة إلى أروقة المحاكم، والتي أقرها ديننا الحنيف وأكدتها النصوص القانونية، ليلجأوا مباشرة إلى قوة العدالة من أجل إنصافهم.
في هذا السياق، يقول المحامي عمار خبابة، إن المجتمع الجزائري كان يتصدى للمشاكل بمتانة العلاقات الاجتماعية عند مواجهة مثل هذه المواقف، إلا أنه تخلى في الوقت الحالي عن العادات والتقاليد القديمة التي كانت تفوض آلية الجماعة من الأهل والمقربين للفصل في هذه النزاعات، وهو ما جعل خلافات صغيرة وبسيطة تناقش في أروقة المحاكم.
وهو ما يتضح جليا من خلال عرض بعض الحالات المماثلة، على غرار قضية نجوى، 28 سنة، ماكثة بالبيت، واجهت عدة مشاكل في أول زواجها، خاصة خلال فترة حملها، وهو الأمر الذي جعلها تترك بيت الزوجية، وأمام هذا الوضع لجأ زوجها إلى العدالة من أجل تسوية الوضعية بدلا من الاستعانة بالأهل لإرجاعها إلى المنزل.
وعلى الرغم من أن مطلب الزوج هو عودة الزوجة إلى بيته، إلا أنه - على حد تعبير المعنية - فإن القضية أخذت أكثر من حجمها وتحولت إلى مشكل عائلي كبير ومشاحنات بين الطرفين، مشيرة إلى أن فترة الخلاف انعكست سلبا على الطفلة التي حرمت من حضن والدها، وصعب عليها التأقلم مع عائلة والدها بعد تسوية المشكل التي استغرقت ثمانية أشهر.
هي عينة عن الكثير من القضايا التي درست بالمحكمة في الوقت الذي كان من الممكن أن تسوى بمساعدة مختصين اجتماعيين وخبراء في العلاقات الأسرية، الذين أصبح المجتمع بحاجة ماسة إلى دورهم الفعال في حل النزاعات وترشيد الممارسات العائلية، ووضعها في إطارها العادي.
الأستاذ عمار خبابة: “لابد من مؤسسات اجتماعية تحل النزاعات العائلية بالتنسيق مع المجالس القضائية”
أكد الأستاذ عمار خبابة على ضرورة إيجاد مؤسسات اجتماعية للتخفيف من وطأة الضغط على محاكم شؤون الأسرة، بعد الضغط الكبير الذي وقع عليها جراء عجز الأشخاص عن تسويتها وديا، مضيفا أنه من الضروري دراسة إمكانية تدعيم العدالة بمثل هذه المؤسسات الاجتماعية، تأخذ على عاتقها مهمة التكفل بحل النزاعات الأسرية البسيطة بالاعتماد على مختصين في علم النفس والاجتماع، شريطة أن تعمل بالتنسيق مع القضاء. كما ركز على أن تكون مثل هذه المراكز إجبارية لأنه، حسبما هو سائد، يرفض الجزائريون البحث عن علاج نفسي أواجتماعي، أي أن الملفات تحال مباشرة إليها بعد إيداعها لدى المحكمة والاستنجاد بالقانون، حتى تكون هذه المؤسسات أول من يتعاطى مع هذه القضايا.
كما أضاف نفس المتحدث أن المجتمع في حاجة ماسة لمؤسسات اجتماعية تفصل في النزاعات دون اللجوء إلى المحكمة، نظرا لكون هذه الأخيرة التي تفصل من منطلق “حقوق وواجبات” يقرها القانون الوضعي، داعيا إلى عدم ترك التأهيل النفسي والاجتماعي حكرا على الأشخاص والقضايا التي فصلت فيها العدالة، والتي تأتي غالبا بعد الجريمة والعقاب.
كما اقترح اللجوء إلى الوسيط الاجتماعي، أو رفع عدد قضاة شؤون الأسرة حتى يتمكنوا من طرح إمكانية الصلح لعدة مرات وإعطائها بعدها الأساسي، لأن النص القانوني يؤكد على ذلك، غير أن ضيق الوقت والزيادة المحسوسة في عدد القضايا المماثلة، جعلت مساعي الصلح أثناء الجلسة تتقلص من أجل استيعاب كل القضايا المطروحة والفصل فيها، مؤكدا أنه في الكثير من الحالات يقوم المحامون بهذا الدور من أجل تجنيب الطرفين الدخول في صراعات قانونية غير مجدية.
الأخصائية الاجتماعية تيجاني ثريا: “المصلح الاجتماعي مغيب في الجزائر”
من جهتها أرجعت الأخصائية الاجتماعية، تيجاني ثريا، الانتشار المخيف للقضايا العائلية في جلسات المحاكم، إلى غياب المصلح الاجتماعي الذي من شأنه التدخل في مثل هذه القضايا قبل أن تتفاقم، كما اعتبرت أن أكبر مشكل يعاني منه المجتمع الجزائري هو غياب مراكز اجتماعية متخصصة في التوجيه العائلي، وإدارة الخلافات العائلية بأسلوب حضاري وبأساليب اجتماعية ونفسية بحتة، وهو ما غيب مهمة المصلح الاجتماعي وجعلها غريبة عن المجتمع الجزائري، وهو ما زاد من حدة النزاعات العائلية وأوصلها إلى عتبة القضاء.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)