الجزائر

المسرح العربي والعالم .. قضايا وإشكاليات تتطلب مراجعة عاجلة



المسرح العربي والعالم .. قضايا وإشكاليات تتطلب مراجعة عاجلة
من القضايا المثيرة للجدل في المسرح العربي، تلك التي تقارن بينه وبين المسرح في العالم؟ كأن يقال: ما هو الأثر الذي تركته التجربة المسرحية العربية في العالم؟والحقيقة أن الإجابة عن مثل هذا السؤال الصعب تحتاج إلى تأن ومراجعة حقيقية لإنجازات المسرح العربي، في الوقت الذي لا يمكن فصله تماماً عن المدرسة الغربية من حيث الشكل العام للمسرح نظرية وتطبيقاً ومدارس فنية عالمية معروفة.مثل هذا السؤال يحيل إلى جملة من الأسئلة الملتبسة، من نوع: كيف قدم المسرح العربي نفسه، وهو يتأرجح بين مفاهيم وتجارب عدة، بين المسرح التاريخي ومسرحة التراث، مروراً بمسرحة الواقع العربي في همومه الكبرى السياسية والاجتماعية والتحررية والفكرية والحضارية بوجه عام؟ورغم أن الإجابات عن مثل هذه الأسئلة تبدو جلية لجهة تفوق المسرح الغربي صاحب التجربة الرصينة في هذا الشكل الحضاري المتقدم من الفنون، إلا أن طرحها لا ضرر منه، طالما كانت الحلقات الحوارية التي ستعقد لأجلها ستكشف عن بعض الإنجازات التي حققها المسرح العربي منذ نشأته إلى يومنا هذا.والسؤال من جهة ثانية، يبدو ذكياً لجهة معرفة أين نقف، فهو بالضرورة سؤال كاشف، وهو يسلط الضوء على إخفاقات ونجاحات المسرح العربي، كما أنه يبعث رسالة ذات مغزى تؤمن بضرورة المسرح في التثقيف والتوعية والدور الحضاري المنشود.ومن متابعاتنا للمسرح في الشارقة، وتحديداً مهرجان الأيام لعام 2014، تم طرح هذا الموضوع في الملتقى الفكري المصاحب له تحت سؤال (مسرحنا.. والعالم؟) بمشاركة نخبة من الفنانين والكتاب ونقاد المسرح الإماراتيين والعرب الذين طرحوا آراءهم في الملتقى، ضمن تقديم عام تقدمت به إدارة المهرجان يحاول تلمس التجربة في أفق العالمية، وكيف يمكن تعيين هذا الحضور، إن وجد، سواء من خلال الدراسات والأبحاث العلمية في المعاهد والجامعات في المنابر الآسيوية، الأوروبية والغربية، وإلى أي حدّ يبدو ضرورياً أن يكون للمسرح العربي حضوره في غير خريطته المحلية؟ وهل لدى هذا المسرح سواء في مضامينه أو حلوله الجمالية ما يمكن أن يكون مهماً بالنسبة لجمهور المسرح أو المهتمين في غير الوطن العربي؟الأسئلة المطروحة من وجهة نظر محايدة، تُعدّ أساسية، لأنها تتضمّن نوعاً من الاشتباك المسرحي – إن جاز التعبير- وهو اشتباك ثقافي، من داخل اللعبة الفنية التي يتقنها المسرح في كل دولة على حدة، غير أن ما هو مهم أيضاً، ذلك السؤال الذي يربط بين مسرحين أحدهما عربي والثاني عالمي. أثار السؤال استغراب بعض النقاد، وربما يكون في ذلك بعض الوجاهة، لأن مثل ذلك السؤال يشير إلى بعد إبستمولوجي وآخر تقني، الأول يُعنى بالنتاج العلمي المعرفي ضمن نظرية نقدية تحليلية في ماهية ودلالات المسرح، بوصفه نتاجاً ثقافياً وحضارياً، والثاني يتعلق بتحليله من حيث المضمون والشكل، ومقدار أو كمّ الخروق التي أحرزها الفن المسرحي العربي، لجهة الإضافة، سواء في مدرسة الإخراج، أو إعداد الممثل أو ابتكار طرائق جديدة في الفهم المسرحي.مثل هذه العملية الشائكة، وبالعودة إلى الملتقى الذي نستعيد بعض أفكاره اليوم، جعل الناقد المعروف صبري حافظ يشاكل في العنوان، معتبراً أن المسرح، هو في الأخير جنس أدبي فني، وأن حضوره في الذاكرة يتطلب أمرين، أولهما أن يضيف المسرح جديداً على صعيد الإضافة الدرامية وفي التوجهات والمنطلقات.والنتيجة التي يمكن استخلاصها من سؤال كهذا، أنه من الظلم أن نطالب المسرح العربي الحديث الذي بدأ قبل قرن ونصف من الزمان، محاكياً للمسرح الغربي ومترجماً نصوصه وأنساقه الدرامية، بأن يقدم للمسرح الغربي الجديد على صعيد توجهاته الدرامية.الحديث عن إمكانية وجود موقع للقضايا العربية في المسرح الغربي، هو حديث مقبول وإيجابي، بدلاً من طرح سؤال حضور المسرح العربي في الثقافة الغربية، هذه القضايا حضرت لا سيّما بعد احتلال العراق في 2003، وجملة العروض المسرحية التي قدمتها في لندن فرق غربية أخيراً، مشغولة بموضوعات وقضايا عربية.الإضاءة على مفاهيم ذات صلة بمفهوم العالمية، مع وجود هجرات لكفاءات الفنية والمسرحية من دول الوطن العربي وآسيا وأمريكا اللاتينية إلى دول أوروبية عدة، وانتقاد مفهوم عالمية المسرح الذي هو في الحقيقة مفهوم يعبر عن المركزية الأوروبية، هو من الأمور التي يجب أن يعيها الفنان المسرحي العربي.يسجّل لمثل هذا الحراك المسرحي العربي، انطلاقاً من أفق السؤال الإشكالي ذاته عن (مسرحنا والعالم) أن يجمع المسرحيين على جملة من التوصيات أو المقترحات ومنها مثلاً: أن الانفتاح على العالم مسرحياً يتطلب الاتفاق على لغة عالمية في العروض المسرحية العربية، وأن ندرك بأننا لا نقدم مسرحنا للجمهور فقط، والتخفيف من الإحساس بالعروبة والوطنية، واعتبار أن المسرح لغة وفناً إنسانياً، هو الذي يمكّننا من الخروج من العزلة لكي نطل على العالم من نافذة المسرح. أضاء سؤال مسرحنا والعالم، على أسئلة أخرى، وهو من إيجابيات مثل هذه الملتقيات كتلك التي أطلقها المسرحي الإماراتي محسن سليمان مثل: أين تكمن عالمية المسرح؟ في اللغة أم في الأنماط أو الأساليب الفنية والجمالية؟الفضاءات الفنية التي تجسّدها الشارقة، فضلاً عن مبادراتها وملتقياتها النقدية المتخصصة تؤهلها للعب دور تنويري وناشط يخدم الحراك المسرحي العربي، ويفتح نافذة جدل وحوار بينه وبين العالم.Share 0Tweet 0Share 0Share 0




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)