الجزائر

المستعمرون الجُدد


إن مثل فرنسا في تعاملها مع الجزائر كمثل رجل تم إخراجه من الباب لأنه لم يحترم آداب الدخول فأراد أن يدخل من النافذة. مصداق ذلك المعمّرون الجُدد الذين يسعون سعيا حثيثا في كل الاتجاهات ولدى كل الهيئات لاسترجاع ما يُسمونه أملاكهم في الجزائر، ناسين.. أو بالأحرى مُتناسين بأن أجدادهم اغتصبوا هذه العقارات والممتلكات عُنوة ودون وجه حق من مُلاكها الأصليين، وأصحابها الحقيقيين الذين استشهد السواد الأعظم منهم وهم يدافعون عنها إيمانا منهم، بأن الأرض مثل العرض لا يمكن التفريط في أي شبر منها ولو كان ذلك على حساب أرواحهم ودمائهم. والغريب في هذه القضية الخطيرة التي أصبحت أحد مواضيع الشد والجذب بين الجزائر وفرنسا تحت مُسمى أملاك الفرنسيين بالجزائر، أنها بدأت تأخذ منعرجا خطيرا، في ضوء عدم تورع الأقدام السوداء في طرق كل الأبواب من أجل استرجاع ما يمكن استرجاعه، بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة، حيث تفيد الأرقام بأن قرابة 18 ألف ملك عقاري متوزع عبر مختلف أنحاء الوطن لا يزال مسجلا باسم المعمّرين، وهو الأمر الذي حفّز ''أصحاب نظرية الاستعمار الجديد''، على اللجوء إلى العدالة لرفع دعاوى ضد الدولة الجزائرية في عُقر محاكمها ومجالسها القضائية التي تصدر أحكاما باسم الشعب الجزائري، باعتبار أنه تم تسجيل 90 دعوى قضائية من هذا النوع خلال سنة 2011، تضاف إلى أكثـر من 800 قضية مسجلة أخرى خلال الخمس سنوات الماضية.    تُرى هل العيب في هؤلاء المعمّرين الذين يطالبون باسترجاع ما يعتبرونه أملاكا خالصة لآبائهم وأجدادهم، أم العيب كل العيب في سلطاتنا وولاة أمورنا الذين لم يتمكنوا رغم مرور خمسين سنة عن تحقيق الاستقلال من ردع محتل الأمس، وطي هذا الملف بصفة نهائية من خلال تسجيل هذه الممتلكات المتمثلة في عقارات وشقق وأراض فلاحية باسم الدولة الجزائرية. المؤكد أن اللوم هنا ليس على الطامعين في أراضينا وثرواتنا، ذلك أن عقلية فرنسا لن تتغير اليوم تجاه الجزائر ولا حتى غدا، و''الفلايلي ما ينساش هز اكتافه''، كما يقول المثل الشعبي. إنما العتاب الأكبر، واللوم الأشد على من تهاونوا في صون إرث الشهداء، حتى تسنى لبعض المعمّرين من كسب دعاواهم القضائية واسترجاع بعض الممتلكات رغم أن أبسط قواعد المنطق والقانون تفيد بأن ما بُني على باطل فهو باطل. إن هذه المستجدات تسجل في الوقت الذي يرفض فيه مسؤولو فرنسا مجرد الاعتراف بالجرائم البشعة التي ارتكبتها في حق شعب قتلت أبناءه، ويتّمت أطفاله، وسلبت ممتلكاته على مدار 132 سنة كاملة، متعللة بعدم جدوى اجترار أخطاء الماضي والتوجه إلى المستقبل، وبدل ذلك يسعى أبناؤها بمساعدة جمعيات الفرنسيين المهجرين من الجزائر إلى استرجاع ممتلكات الجزائريين.. صحيح إن لم تستح فاصنع ما شئت.   derkimed@yahoo.fr
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)