الجزائر

اللغة العربية بريئة من صراعاتكم!



اللغة العربية بريئة من صراعاتكم!
بينما كانت لغة أمي مزيج جميل بين الشاوية والعربية، كانت جدتي لأبي تتكلم عربية فصحى لا تقل في جودتها وغناها عن لغة رائعة ألف ليلة وليلة، وقد اكتشفت أن جدتي تتكلم بلسان عربي فصيح لما قرأت هذه الرائعة من الأدب العالمي، بينما أتاسف لماذا لا تتحدث أمي الشاوية لغتها الأمازيغية، اكتشفت مع زميلاتي القبائليات أن أمي تتحدث أمازيغية أكثر منها عربية.تذكرت هذا وأنا أتابع النقاش الدائر حول التصريحات الأخيرة للروائي كمال داود الذي قال أن اللغة العربية ليست لغة سكان شمال إفريقيا، وأنها لغة رجال الدين والسلطة فقط. لا أدري من أين أتى داود بهذه الفكرة، مع أنه كبر وترعرع بالغرب الجزائري الذي لا يتكلم سكانه إلا لغة عربية فصيحة، لكن لن يقول لنا داود أن الفرنسية هي لغة سكان شمال إفريقيا، لا لشيء إلا لأنه يعبر هو بها، وهذا يحسب له وليس عليه، فبفضل الفرنسية وصل الرجل إلى العالمية وارتقى من جهته بالأدب الجزائري الناطق بلغة الغنيمة المكتسبة عن الفترة الاستعمارية، ليضيف إلى رصيد جميل سبقه إليه كبار من قامة آسيا جبار وكاتب ياسين ومحمد ذيب ومولود فرعون ورشيد ميموني وغيرهم ممن عبروا بفرنسية جميلة أجمل من لغة الكثير من لغة الأدباء الفرنسيين أنفسهم.مشكلة العربية اليوم أنها تولى الدفاع عنها التيار الذي يريد للبلاد أن تعود إلى القرون الوسطى وألا تخرج منها، وجعلوا منها لغة مقدسة مثل قداسة الدين، وعادوا كل من ينتقدها بل هم مستعدون حتى لقتل من يعاديها، لا لشيء إلا لأنها لغة القرآن، ومن كثرة غلوهم سجنوها في حقبة تاريخية فلم تعد تواكب التطورات الحاصلة في العالم علميا وتكنولوجيا وفكريا، وجنوا بذلك عليها رغم أنها كانت طوال قرون لغة العلوم لما نقلت علوم الإغريق إلى أوروبا وطورتها، وكانت العربية لغة العلوم والفكر في أوروبا كلها وليس في الأندلس وحدها.اللغة العربية التي أضافت إليها الأمازيغية الكثير هي اللغة الأم لأغلبية الجزائريين، صحيح أن الفترة الاستعمارية أضافت إلى العامية الكثير من المصطلحات، مثلما اضافت العربية إلى الفرنسية والإسبانية الآلاف من الكلمات، تبقى العربية رغم ثقل الصراعات الإيديولوجية والعنصرية، لغة جميلة وراقية، وقابلة لتكون لغة العلم والفكر، إذا ما تم تحريرها من سطوة الدين فهي ليست لغة الجنة بل لغة الدنيا وقد أثبتت في الماضي القريب أنها لغة علم وفكر وهي ليست في حاجة لإثبات ذلك من جديد، فالمشكل ليس في اللغة فكل اللغات تشبه المتحدثين بها، وهي مرآة لرقيهم وتطورهم، وللأسف يعيش العالم العربي اليوم انتكاسات متوالية أثرت على اللغة، والذين يمتلكون اليوم ناصية العلم والفكر والتطور ليسوا عربا.الجميل اليوم أنه بفضل التكنولوجيا يمكن للجميع أيا كان انتماؤهم أن يكتسبوا كل لغات العالم، ويطلعوا على فكر كل الحضارات، ولا حاجة للتزمت لأية لغة، فكل اللغات قادرة على نقل الفكر الإنساني وإنجازاته بما فيها العربية.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)