الجزائر

الكسب الحلال والحثّ على تحصيله



الكسب الحلال والحثّ على تحصيله
إنّ المتتبع لشريعة الإسلام في القرآن والسُّنَّة يرى اعتبار المال الصّالح قوام الحياة، والحثّ على تحصيله وحسن تدبيره وتثميره، بل لقد أجمع الأنبياء والرسل قاطبة على مقاصد خمس: حفظ الدِّين والمال والنّفس والعقل والعرض.
من المسلمات المعلومة بالضرورة، أنّ المال زينة الحياة الدنيا، وأنّه مطلوب محبوب، وأنّ الإسلام لا يمنع طلبه عن طريق طيبه وحلّه، بل إنّه يحرّض على كسبه وحسن التصرف لتقضى به الحقوق وتؤدى الواجبات وتصان الحرمات. وأنّ المال في الحقيقة لا يطلب لذاته في هذه الدنيا، وإنّما يطلب عادة لما يضمنه من مصالح ولما يحقّقه من منافع، إنّه في حدّ ذاته وسيلة لا غاية، والوسيلة عادة تحمد أو تعاب بمقدار ما يترتّب عليها من نتائج حسنة وآثار سيّئة، فالمال كالسلاح، إن كان في يد مجرم قتل به الأبرياء، وإن كان في يد مجاهد مناضل دافع به عن دينه ونفسه وأهله ووطنه، وقد قال تعالى عن المال وما يسوقه من خير أو شرّ: ''فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى''، وقال تعالى: ''كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّءاهُ اسْتَغْنَى''.
ولنا في مسالك النّاس وتعامُلَهم مع المال والكسب في الحياة طرفان ووسط، أمّا الطرف الأوّل فهم المتكاسلون المتماوتون الّذين يعيشون على إحسان النّاس وصدقاتهم، الّذين يعيشون عالة على النّاس، وهُم مع ذلك يلتمِسُون لأنفسهم من نصوص الدِّين ما يُبَرِّر منهجهم ومسلكهم فيقولو: إن الله إذا أعطى الدنيا لأحد حرمه من الآخرة، وأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ''اللّهمّ أحيني مسكيناً''...
والطرف الآخر: طائفة الأثرياء المترفين الّذين ضعف عند بعضهم الخلق والدّين، واستخفوا بقواعد الإيمان ومبادئ الإسلام، يأكلون كما تأكُل الأنعام ويشربون شرب الهيم، يجرون وراء المال جري الوحوش في البرية، دون أن يؤدّوا واجباً لدينهم أو مجتمعهم، يتعاملون في الشّرف على أصول من المعدة، لا من الروح، وإذا عظموا الدينار والدرهم فإنّما عظموا النِّفاق والطمع والكذب! الذين يحبّون المال حبًّا جمًّا، حتّى يعميهم عن دينهم وأخلاقهم، لا يُبالون من أين اكتسبوه، أمن حلال أم حرام، ولا فيما أنفقوه أفيما يرضي الله أو فيما يسخطه.
كلا الطرفين ذميم وليسوا على سواء الطريق، وخير الأمور الوسط، والوسط ما قاله رسول الهدى صلّى الله عليه وسلّم: ''نِعْمَ المال الصّالح للرّجل الصّالح''. ما أسعد المسلم، حين تعتدل أمامه مسالك الحياة، فيعمل ويتصبَّب عرقه، فيُزكِّيه ذلك العرق ويطهّره من فضلات الكسل وجمود النّفس، ويكسب الكسب الحلال الطيّب، وتستقيم يده، وهي تنفق من هذا الكسب الكريم، ويدخر لنفسه، ما يحتاج إليه في غده. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: ''إنّك أن تذر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالة يتكفّفون النّاس''، وقال عليه الصّلاة والسّلام: ''كفى بالمرء إثماً أن يُضَيِّع مَن يقوت''.
× إنّ الإسلام، يريد من أهله أن يكونوا أغنياء أقوياء، لا مهازيل ضعفاء، أغنياء بمالهم وإيمانهم.. ''مال في يد المرء لا في قلبه''. أغنياء بمالهم ليكون سياجاً للدِّين، ومدداً لتسليحه وحمايته، فقد قال تعالى في قيمة المال لإحراز النّصر ورفع الشأن: ''ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ..''. فإنّ الأمم تنتصر بعد توفيق الله بالمال والبنين، ويوم يكون مالها أداة ترف، ومصدر استعلاء وطغيان، ويوم يكون به الأغنياء رواد لهو ولعب. فالويل والخسران لأمة أورثها مالها هذه الحال.
المال غادٍ ورائح، ومقبلٌ ومدبرٌ، وما هو إلاّ وسيلة للإنفاق والبذل، ووسيلة لنُصرة هذا الدِّين ورفع كلمة الله، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''أفضل الصّدقة ما كان عن ظهر غنى''. فرحم الله عبداً كسب فتطهَّر واقتصد فاعتدل، وذكر ربَّه ولم ينس نصيبَه من الدنيا ''وَابْتَغْ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَة وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا''. ويا خيبة مَن طغى ماله عليه، وأضاع دينه وكرامته! وكان مِن الَّذين قال الله فيهم: ''وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً''.
*إمام مسجد الأمير عبد القادر اسطاوالي




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)