الجزائر


امتحنت الثورتان المصرية والتونسية امتحانا قاسيا هذا الأسبوع، باشتعال فتنة طائفية جديدة في مصر ومرور الإسلاميين إلى "الفعل" في تونس.وحتى وإن لم تكن المشكلتان جديدتين في البلدين، إلا أن ظهورهما بحدة يطرح مشكلة "عودة المكبوت" الديني في مجتمعين تسود فيهما مظاهر التمدن والحداثة أكثر من غيرهما من المجتمعات العربية، ما يؤشر إلى أن الثورات يمكن أن تنجب ما لم يتوقعه المنظرون، أي، تستدعي إلى المسرح، الواقع المغفل بتياراته النائمة أو المنوّمة.
ففي الحالة التونسية يبدو التيار الديني على أتم الاستعداد لشم الياسمين وتقبل الهدية التي منّت بها ثورة لم تأخذه في الحسبان، ويثبت أنه لم يضمر في بلد خضع إلى تمدين قسري قام به الراحل بورقيبة وواصله سلفه المطاح به، وعملت الدولة العلمانية طيلة عقود على قمع المظاهر الدينية وعدم التمكين للإسلام السياسي الذي كان جوابا على فشل أنظمة ما بعد الاستقلال في العالم العربي. وبمجرد رفع سدادة القمع صعد المارد الإسلامي الذي لم ينتظر الانتخابات وراح يستعجل القضاء على مظاهر الانفتاح والتمدن في تونس.
في مصر يبدو الأمر أكثر تعقيدا في مجتمع تدرب طويلا على العيش المشترك والتعدد وصنع فيه المسلمون والمسيحيون والعلمانيون الثورة بيد واحدة. وحتى وإن كان للإسلام السياسي سطوته في هذا البلد عبر تنظيم الإخوان الذي تحول إلى أممية إسلامية لها فروعها وأتباعها في بلدان عديدة، إلا أن إسلاميي مصر يبدون أكثر تمرسا وتقبلا للآخر وإيمانا بالدولة الحديثة، ما يجعل من نظرية التحريك واردة في هذا البلد الاستراتيجي المحاط بدول عربية تخشى العدوى الديموقراطية وكيان إسرائيلي يخشى نهوض مصر وغرب لا يريد رؤية هذا البلد مستقلا في قراره و يجد، دون مشقة، من ينفخ في جمر الطوائف ويحيي قصص المسيحية المعذبة في الشرق.
هذه العقبات التي توضع أمام "نماذج" التغيير في العالم العربي، تؤكد أن طريق الحرية ما زال شاقا، وأن النخب الحالمة (في هذه البلدان التي أصبح العيش فيها لا يطاق!) قد تجد نفسها محاصرة بين ديكتاتوريات قاتلة ومجتمعات متخلفة لا تمتلك من المرجعيات سوى الدين والعنف.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)