الجزائر

القضية الفلسطينية.. تساؤلات و تيهان و النتيجة غرق في الخيال للابتعاد عن الواقع عرض فيلم الزنديق للمخرج ميشال خليفي بقاعة ابن زيدون خلال افتتاح فعاليات مهرجان السينما



تابع جمهور قاعة ابن زيدون نهاية الاسبوع عرض الفيلم الخيالي المطول "زنديق" للمخرج الفلسطيني ميشال خليفي ، و ذلك لدى افتتاح الطبعة الثانية لمهرجان الجزائر الدولي للسينما المكرس للفيلم الملتزم .
زنديق الذي جاء بالعديد من التفاصيل و طرح الكثير من التساؤلات حول القضية الفلسطينية من خلال شخصية ميم المخرج الذي يعود إلى بلده بعد سنوات طويلة قضاها في المهجر الأوروبي ، ليس للبحث عن فيلم قديم يقتفي فيه آثار تاريخ بلاده، بل لكي يفتش، باستخدام كاميرا الفيديو الرقمية الصغيرة، في الذاكرة الفلسطينية التي ترتبط بجيل النكبة، جيل 1948، بحثا في تاريخ تلك الكارثة التي ألقت ولاتزال تلقي، بظلالها القاسية على الواقع الفلسطيني بأسره، في محاولة للفهم: لماذا حدث ما حدث، وكيف كان ذلك ممكنا، ومن المسؤول، وما الطريق إلى الخلاص.. وهل هناك خلاص أصلا!
و على مدار 85 دقيقة يدور الفيلم كله في ليلة واحدة، يبحث خلالها البطل عن مأوى ، فيتجه أولا إلى كنف منزل أسرته، لكنه يتلقى خبرا مفاده أن ابن شقيقه قتل رجلا، ويتعين عليه بالتالي، أن يهرب لكي لا يصبح هدفا للثأر من جانب أسرة القتيل، وهو ما يحدث بالفعل، فسرعان ما تحضر مجموعة من المسلحين يحاصرون منزل الأسرة بينما يتمكن "ميم" من الفرار بسيارته، ويظل يبحث بعد ذلك، عن مكان يأويه، في فندق من فنادق المدينة، ولكن كل جهوده ومحاولاته تبوء بالفشل، فهم يتشككون فيه، كونه الغريب القادم من الخارج، الذي لا يعرفون ماذا يحمل معه من مشاكل لمدينة تعيش في حالة رعب من داخلها ومن خارجها، من واقع تنتشر فيه عمليات العنف والجريمة والثأر، واحتلال يخيم على أطرافها، ويتحكم في طرقها، وأمان غائب، ووسائل اساسية للحياة جفت أو أصحبت شبه منعدمة (انقطاع الماء تماما).
و يصطدم المخرج ميم في الفيلم بتجارب تعكس نوعا من "التيه" والاغتراب، وتكثف تمزق الشخصية الرئيسية وحيرتها وشعورها الثقيل بالذنب حينا، وبالرغبة في العثور على وضوح في الرؤية حينا آخر، خاصة وأن هذه الشخصية هي المعادل السينمائي لمؤلف الفيلم ومخرجه، هي التي تجعل هذا الفيلم أحد أشجع الأفلام التي صنعها سينمائي فلسطيني تعبيرا عن فكرة نقد الذات، دون أن تغفل أبدا، عن التعرض للاحتلال ولو بطريقة غير مباشرة، تبتعد عن القوالب النمطية المعتادة: إنه فيلم حداثي من الطراز الأول يعتمد على الوجود المباشر للمؤلف- المخرج، وعلى الذاكرة، ووحدة الأسلوب، والتساؤلات الذهنية. إنه فيلم الحساب الشخصي، والتعبير عن فوضى الضمير الذاتي: فوضى العلاقات المبعثرة، والانتماء الذي من الصحيح أنه لم ينقطع ابدا، إلا أنه يدفع صاحبه اليوم، بعد كل تلك الغربة في الخارج، إلى تلك الرغبة التي تبدو مستحيلة، في اختصار عشرات السنين من الذاكرة، في لحظة يقوم بتسجيلها بكاميرا تبدو كما لو كانت لعبة يلهو بها، وهو ما يكثف أكثر فأكثر، اغترابه وعبثية محاولته.!
و حسب المتتبعين فإن نسيج هذا الفيلم يقع في المساحة الرمادية بين العقل والعاطفة، وبين الذاتي والموضوعي، وبين الواقعي والخيالي: الخيالي المستمد من الواقعي، والذاكرة التي لا تريد أن تعود، والإلحاح في البحث عن مكان للاحتماء في واقع غريب رغم أنه قريب ، و يظهر ذلك في اللقطة الأخيرة، أين نرى جسدا يغرق في الماء: هل هي الفتاة تعود إلى أعماق البحيرة من حيث أتت، أم أنه جسد صاحبنا الذي يفضل في النهاية الغرق في الخيال للابتعاد عن الواقع، كما لو كان يبحث عن التواؤم مع الصدق والبراءة، يتطهر بالماء، ويحقق خلاصه بالغرق مع الصورة الجميلة للبراءة!


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)