الجزائر

الفنانة التشكيلية الأمريكية «خوانيتا غوشيون» تعود إلى الجزائر : لوحات المئوية في ذكرى استرجاع الاستقلال.. و«شيزوفرينيا» الذاكرة



لما كانت الإدارة الاستعمارية تحتفل بمئوية «اللاإنسانية» (1930)، وتبشّر بنبوؤات «مستوردة من ماضي الاستعباد» على أرض الأمير عبد القادر وفاطمة لالة نسومر، حلت الفنانة التشكيلية الأمريكية خوانيتا غوشيون (19041999) بجنوبي التيطري، تبنت حياة الأهالي، مثلها مثل فنانين آخرين، على غرار «إيتيان دينيه» و«إدوارد فرشافليت»، ورسخت جانبا مهما من تاريخ المنطقة، المناهض لحمى «الاستيطان» والرافض للوصاية الأجنبية والمتمسك بحقه في الدفاع عن موروثه الثقافي والاجتماعي. تاريخ كتبته في أكثر من 174 لوحة تشكيلية، جمعت بين الواقعية والتكعيبية، وقعتها على طول أربع سنوات من إقامتها جنوبي التيطري، بين أبناء قبيلة أولاد نايل، قبل أن تصدر الإدارة الاستعمارية أمرا بطردها من الجزائر، ومنعها من العودة إليها مجددا. حملت «خوانيتا» يومها رضيعها «المبروك»، الذي صار اليوم كهلا، ولوحاتها، التي ظلت محل اهتمام النقاد والمهتمين وزوار «غاليري» الفنانة في واشنطن، التي أشاد بها أكثر من فنان يكفي أن نذكر منهم الفنان العالمي بابلو بيكاسو وماتت تحمل في قلبها وجع العودة إلى الجزائر، رؤية الأرض التي احتضنت سنوات شبابها وعرض لوحاتها فيها. رحلت وتركت لوحات تقدر قيمتها الإجمالية، بما لا يقل عن عشرات ملايين الدولارات، وحاول ابنها تبليغ الأمانة وإيصال اللوحات إلى مكانها الحقيقي.. الجزائر. بعد رحلة تيه دامت أكثر من خمس سنوات، وصلت، أخيرا، اللوحات إلى المتحف الوطني للفنون الجميلة بالجزائر العاصمة، تزامنا مع مناسبة عزيزة هي خمسينية استرجاع استقلال البلد. اجتمعت الصدف لتمنح لوحات «خوانيتا» قيمة وأهمية وراهنية، وتهبها حقا ومشروعية في الخروج إلى العلن، ومقابلة الجمهور وسرد ما في جعبتها من حكايات وشهادات عن جزائر بدايات القرن الماضي. للوحة التشكيلية عموما حياة لا تختلف عن الحياة الإنسانية، فهي تولد من رحم الفكرة وينفخ فيها من روح الإبداع، لتصير تجسيدا وترسم طريقا لها وسط الحشد الهائل من تركات الفن ومخلفات أجيال المبدعين المتعاقبة. لوحات «خوانيتا» ما تزال في طور البداية، ما تزال في طفولتها المشبعة بالأحلام، تبحث عمن يتبناها، عن جمهور يتلقاها، عن جمهورها الفعلي في الجزائر المفروض أن يرافقها في عودتها، أن يتعاطى معها، بالنقد سلبا أو إيجابا، والأهم من كل ذلك أن يطلع عما جاء فيها.
في خمسينية استرجاع الاستقلال، نتوجه برسالة إلى إدارة المتحف الوطني للفنون الجميلة، أكبر متحف للفنون الجميلة في القارة السمراء، الذي جمع شتات الفنانين الجزائريين وغير الجزائريين، وبقي صامدا وشاهدا على عراقة من مروا من أسماء قديمة وحديثة، بأن يفتح أبواب خزائنه، في ذكرى استعادة الأرض والذاكرة، ويلبي وصية الفنانة «خوانيتا غوشيون» التي كانت أول أمريكية تعتنق قضية الأهالي العادلة، وتحملت مشاق حياة غير آمنة أربع سنوات كاملة، ويعرض لوحاتها ال174 التي ساهمت في كتابة جزء من تاريخ الجزائر المعاصر، ويضعها بين يدي المختصين والجمهور.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)