الجزائر

الطفل الجزائري بين "طيور الجنة".. و"نونو" الغياب



الطفل الجزائري بين
ثقافة الطفل في الجزائر تحملنا بالضرورة للحديث عن الوسائل المتوفرة لتثقيفه، وبما أن الكتاب ليس الأكثر إسهاما في ذلك نظراً لواقع ثقافة الكبار المتردية، فإن المتوفر لا يتعدى ما يقدم على الفضائيات في ثقافة يُجمع الكثيرون أنها يمكن أن تضر أكثر ممّا تنفع  وما يقابلها من عقم محلي متجذّر في ظل غياب سياسة واضحة تسعى إلى المساهمة في التنشئة السليمة للطفل الجزائري من خلال الكتاب أولا وباقي الوسائل التثقيفية الأخرى لتجنيبه خطر التعرض لـ "الاستيلاب الثقافي". الطفل الجزائري في السبعينيات والثمانينيات كان محظوظا وهو يجد بين يديه مجلات ترفيهية وتربوية على غرار مجلة "امقيدش" التي تحمل اسم شخصية شعبية أسطورية معروفة وكذا مجلة "طارق"، "ابتسم" ، مجلة "الشبل" ، مجلة "جريدتي"، إلا أنها لم تستمر طويلا لعدة أسباب من بينها التكلفة المرتفعة، وسوء التوزيع  وغياب دعم أي هيئة رسمية لها كوزارة الثقافة وهو الواقع الذي لم يغير كثيرا في الوقت الحالي لأن الرهان على الاستمرار يبقى مرهونا بإمكانات المؤسسة وهو الحال مع مجلة "نونو" التي عادت مجددا إلى الظهور بعد غياب طويل. حورية.صنادية شنوني رئيسة تحرير مجلة "نونو""الإنتاج للطفل في الجزائر أكبر مغامرة"اعتبرت نادية شنوني، رئيسة تحرير مجلة "نونو"، أن تبني الإنتاج للطفل يعد مخاطرة كبيرة بالنظر إلى جملة العراقيل التي يمكن التعرض لها، وهو ما دفعها في نهاية التسعينيات إلى التوقف عن إصدار مجلتي "زين"و"أنا" بسبب غياب الدعم المادي من قبل وزارة الثقافة أو أي هيئة أخرى، وهو ما يطرح حسبها جملة من التساؤلات حول حظوظ الطفل الجزائري في التنشئة الثقافية في ظل غياب وسائل تثقيفية يمكنها تلبية حاجته في هذا الجانب مع غياب أي دور رسمي فعال.وفي هذا السياق، أشارت المتحدثة إلى مشكل التوزيع في الجزائر وغياب الإشهار الذي يطرح في المقابل إشكالية التمويل وضمان الاستمرار في الصدور، إلى جانب مشكل غياب الترخيص الذي يستوجب أن يقدم من قبل وزارة التربية لتوزيع هذا النوع من المجلات على تلاميذ المدارس المعنيين الأوائل بمثل هذه الإصدارات. وتضيف شنوني أن الكتابة للطفل في الجزائر تعرف نقصا فادحا وهو ما انعكس بالضرورة على الإنتاج الذي يمكن توجيهه للطفل، لذا فقد حاول القائمون على مجلة "نونو" حسبها العمل على التنويع من حيث المضمون من خلال التطرق إلى القصة والاكتشافات العلمية وآخر الاختراعات تماشيا مع التطور التكنولوجي الحاصل، دون إغفال الجانب التاريخي والتراثي من خلال التعريف بتاريخ الجزائر وأهم شخصياتها.من جهة أخرى، تحدثت شنوني عن فرصة الانتشار الممنوحة لعدد من المجلات العربية رغم ارتفاع أسعارها، وهو ما يضيّق الخناق على الإنتاج الوطني والدفع بالضرورة بالمجلات المحلية إلى الاختفاء على غرار الكثير من العناوين التي وجدت صعوبة في تحمّل مسؤولية التواجد على الساحة الثقافية بمجهودها الخاص. وأضافت المتحدثة أن المشكل الحقيقي يكمن في إدراك الدولة لأهمية مثل هذه الوسائل التثقيفية في التنشئة الصحيحة للطفل، وبالتالي الاقتناع بضرورة المساهمة في تأمين استمرارية مثل هذه المجلات وغيرها من الوسائل التثقيفية المتوفرة. الكاتب المسرحي مراد سنوسي"نعاني غياب مبادرة حقيقية للطفل"أشار الكاتب والمسرحي مراد سنوسي إلى أن الجزائر لم تراوح إلى الآن مرحلة الكيف بتقديم أعمال قليلة لا يمكن اعتبارها كافية للحديث عن إنتاج موجه للطفل الجزائري، وهو ما يدفع بالضرورة بهذا الطفل إلى البحث عن وسائل ترفيهية وحتى تثقيفية من خلال برامج عربية أو أجنبية.ويعتبر سنوسي أن المشكل حاليا يكمن في غياب سياسة واضحة في كيفية التكفل بالطفل، الذي من المفترض أنه اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وذلك من خلال العمل على تأمين إنتاج محلي يبقي الطفل الجزائري مرتبطا بثقافته، وإن كانت مثل هذه المبادرات في رأيه أكبر من إمكانيات أفراد بعينهم لحاجتها إلى قرار رسمي.ويضيف المتحدث أن الطفل لا يهمه جنسية المنتوج الذي يقدم له بقدر ما يهمه الحصول على حقه في الترفيه والثقافة، وهو ما تأكد حسبه في أعماله المسرحية التي لقيت صدى كبيرا بين الأطفال. وبالتالي، فهو يؤكد أن الطفل معرض لتلقي كل ما يتوفر بين يديه وهو ما يستوجب الحذر في كيفية التعامل معه خاصة مع الارتباط الكبير الذي يبديه بما ينتج عربيا.أما عن الحصة التي يشرف عليها والتي تحمل عنوان "أستوديو الأطفال" فقد أكد أنها محاولة بسيطة للاقتراب من عالم الطفل ولو بأضعف الإيمان وذلك من خلال تعريف الطفل بكيفية القيام بالعمل المسرحي إلى جانب الرسم والأشغال اليدوية في مبادرة لا يعتبرها كافية في ظل النقص الفادح في برامج الأطفال وكذا في ظل ابتعادنا إلى الآن عن عالم الطفل الذي يفتقر إلى ما يمكن أن يخدمه ويساهم في تنشئته بطريقة صحيحة.الكاتب عمار يزلي"الطفل الجزائري يواجه خطر الاستيلاب الثقافي"اعتبر الكاتب عمار يزلي أن التراجع الذي تعرفه ثقافة الطفل مرتبط بالتراجع العام في ثقافة الكبار بالنظر إلى ما مرت به الجزائر مؤخرا، وهو ما أثر حسبه على ما يقدم للطفل. وأضاف المتحدث أنه عايش شخصيا التراجع عن مبادرة كانت موجهة للطفل في مشاريع تخص أدب الطفل وكذا الاهتمام بالنشر وتنظيم مهرجانات.وأضاف المتحدث أن الطفل الجزائري يعيش حالة ميلاد جديدة على وقع الوسائل السمعية الحديثة وكذا الأنترنت، وهو ما يمكن أن يؤثر ذهنيا على الطفل إذا لم يواكب ذلك تطورا موازيا على مستوى المنتوج الورقي. لذا، فهو يرى أن ما يقدم على الوسائل السمعية البصرية لا يشكّل ثقافة دائمة بقدر ما هي ثقافة استهلاكية. ورغم أهمية الصورة - يضيف المتحدث - إلا أن الأمر يستوجب توفير ثقافة دائمة من خلال القراءة التي تسمح بترسيخ أي فكرة يحصل عليها الطفل من خلال الاهتمام بالأدب وفتح المجال أمام المجلات.    ويرى الكاتب عمار يزلي أن توجه الطفل إلى الاستهلاك غير المقنـن لما يقدم على الفضائيات يمكن أن يعرّضه إلى حدوث نوع من الشرخ بين ثقافته والثقافة المستوردة، وهو ما يؤدي إلى ما يسمى بـ"الاستيلاب الثقافي". وبالتالي، فانه من الواجب  -حسبه - التفكير في إنتاج محلي بمواصفات عالمية من خلال دراسة نفسية الطفل الجزائري والتعامل معه كمنتج أولا وليس مجرد مستهلك. وهو ما يمكن توفيره حاليا في ظل نوع من التحرك لبلورة مبادرة لإعادة الاهتمام بثقافة الطفل.المخرجة نادية شرابي "البرامج العربية تعويض عن تقصيرنا في الإنتاج" وجدت نادية شرابي مخرجة حصة "ساهلة ماهلة" التلفزيونية أنه لا ضرر من وجود برامج عربية يكون الطفل الجزائري من أهم متتبعيها وهذا بالنظر حسبها إلى النقص الكبير فيما ينتج محليا. وعليه، فهي ترى أنه من الإيجابي أن تكون للطفل الجزائري فرصة متابعة ما تبثه عدد من القنوات العربية من برامج تؤكد أنها تتميز بالمهنية الكبيرة في الإنتاج، وهو ما يعني أنه لا يمكن التهرب من حقيقة وجودها، والأصح هو أن نلوم أنفسنا في عدم القدرة على مجاراتها، وهو ما مكّنها من النجاح في جذب الطفل الجزائري لتوفرها على عنصر المتعة والفائدة والتواجد المستمر.وتقول المخرجة إن الحديث عن قلة البرامج المقدمة للطفل على التلفزيون الجزائري يحولنا إلى ضرورة لفت الانتباه إلى فكرة إعطاء فرصة أكبر لظهور برامج أخرى تدعم ما تقدمه الحصص الحالية على غرار "ساهلة ماهلة"، وإن كانت ترى أن السبب الثانوي في هذا النقص يعود إلى صعوبة الإنتاج للطفل سواء من حيث المضمون الذي يستوجب في كل مرة الاستعانة بأخصائيين اجتماعيين ونفسيين لحساسية فكرة التعامل مع هذه الفئة التي نتوجه إليها وكذا ارتباط تصويرها بعطل التلاميذ على قلّتها وهو ما يحول دون التصرف بحرية في الإنتاج.وتعتقد المخرجة نادية شرابي أن برنامج "ساهلة ماهلة" يبتعد عن التكرار من حيث الفكرة والمضمون بإعطاء المبادرة للطفل في اكتشاف ما يريده من خلال تنظيم رحلات استكشافية يكون هو الفاعل فيها في دور الصحفي، وبالتالي فهي تعتمد على التسلية والفائدة في انتظار بروز حصص أخرى يمكنها منافسة ما يقدم عربيا.وأمام كل هذه الآراء، ندرك جيداً أن آلاف الأطفال منتبهون الآن إلى ما تقدّمه فضائيات عربية أو أجنبية.. حتى إن كانت لهجة الأغاني سورية "يا ماما". علم النفس :"الطفل الجزائري بعيد عن واقعه المعيش" من جانبها، أكدت فاطمة الزهراء زميرلي، المختصة في علم النفس، أن البرامج والرسوم المتحركة التي يتعرض لها الطفل الجزائري حاليا تبتعد في مجملها عن القاعدة السليمة في ما يجب أن يقدم للأطفال، حيث تحدثت المختصة عن عدد من الرسوم المتحركة التي يمكن أن تكون سببا في تراجع نموه السلوكي وهو ما يمكن أن يتسبب في حدوث تأخر في النطق والحركة، وهو ما يستوجب حسبها ضرورة التكفل الصحيح من قبل الأسرة التي يجب عليها مراقبة ما يتابعه أبناؤها.وتضيف المختصة أن البرامج العربية وحتى الأجنبية التي يتابعها الطفل الجزائري بعيدة عن واقعنا، وبالتالي فإنه يجد نفسه مجبرا على معايشة عالم غريب عن واقعه وهو يستدعي العمل على العودة بأبنائنا إلى واقعنا المعيش والابتعاد بهم عن الخيال الذي يميز ما تقدمه هذه القنوات المرفهة في غالبها وهو ما يمكن أن يضر بشخصية الطفل مستقبلا. وإن كانت ترى أن ما يقدم على عدد من القنوات على غرار "طيور الجنة" ليس بالأمر الخطير بالنظر إلى ما تقدمه من تربية وفائدة، إلا أن ذلك لا يمنع من أنها إنتاج بعيد عن الثقافة الجزائرية.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)