الجزائر

" الصلات الفكرية بين تلمسان والمغرب الأقصى "


من أبرز خصائص الفكر الإنساني أنه لا يؤمن بالحواجز السياسية ولا يعرف الحدود الجغرافية التي من شأنها منع الاتصال بين رجاله والمنتمين إلى حقوله المعرفية المختلفة. فالتلاقح الفكري بين الأمم ظاهرة معروفة، خصوصا إذا حلت محل الحواجز السياسية والطبيعية عوامل التقارب كوحدة الدين واللغة، كما هو حال العالم الإسلامي بجناحيه الشرقي والغربي في عصوره الوسطى. ذلك ما انطبق على المغربين الأوسط الأقصى اللذين تميز تاريخهما الفكري بهذا التلاقح، وربطتهما روابط مختلفة تجلت بوضوح في الصلات الثقافية المتينة بينهما، والتي كانت من العوامل الأساسية في تمكين وحدتهما خصوصا، ووحدة الغرب الإسلامي عموما. ومما ميز صلات المغربين الثقافية، ذلك الاتصال الوثيق بين المراكز الثقافية ومدارسها المختلفة الروابط كانت محكمة الاتصال بين مدرسة تلمسان قاعدة المغرب الأوسط ومدارس سبتة وفاس ومراكش وأغمات المغرب الأقصى. وقد توثقت تلك الصلات عن طريق انتقال أعلام من تلمسان إلى المغرب الأقصى بنية الاستقرار والاستيطان إيمانا منهم بوحدة المنطقة وألاّ فرق بين الإقامة في هذه المدينة أو تلك والأمثلة على ذلك كثيرة. كما توثقت تلك الصلات عن طريق استكمال عدد من الطلبة لدراستهم بواسطة رحلات علمية متبادلة بين تلك المراكز والمدارس. وإذا تعذرت الرحلة كانت تحل محلها الإجازات العلمية عن طريق المراسلة بين الأستاذ والطالب، هذا إلى جانب الرحلات الحجازية التي كان لزاما على أي مثقف من المغرب الأقصى أن يعبر فيها حواضر المغرب الأوسط وفي مقدّمتها تلمسان فيقع الاحتكاك، بالعطاء إذا كان الراحل عالما وبالأخذ إذا كان طالب علم. لقد نالت تلمسان مكانة استراتيجية في ظل الحكمين المرابطي والموحدي، فقد اعتنيا بتحصينها حتى صارت من أمنع معاقل المغرب وأحصن أمصاره، وبلغت أوج عظمتها في عهد بني زيان.