الجزائر

الشاعر السوري أمطانيوس نفاع



* email
* facebook
* twitter
* linkedin
شاعر عربي، ينافسنا في حب الجزائر، ويتفوق حين يتخطى بحبه مراحل عميقة من الشعور، وترجم صدق أحاسيسه وطيبها إلى روائع شعرية، تحمل عبارتها أقدس معاني الاحترام والتقدير لوطنه الثاني "الجزائر"، مظهرا تمسكه بنهج أسلافه الذين خدموا بأقلامهم الأمة العربية، وسعوا للم شملها ومناصرة قضاياها المصيرية في الأوقات الصعبة، فكانت كل كلمة تصدر منهم، بمثابة رصاصة حارقة خارقة تصيب الهدف بدقة عالية.
ولد الشاعر أمطانيوس نفاع عام 1939 بقرية الفيحاء، التابعة لمحافظة طرطوس، بالجمهورية العربية السورية، أحب الأدب منذ حداثة سنه، وغرق في بحوره متلاطمة الأمواج، فدرس لفحول الشعراء، وقال الشعر الممزق منذ المرحلة الابتدائية وكان على شكل أغان، ثم نمقه في المرحلة الإعدادية بما يشبه الشعر الموزون، وفي المرحلة الثانوية، صار الشعر يعرف طريقه إلى الوزن والقوافي، وقد خاض الشعر في جميع بحوره، وخير البحور التي طاب له الخوض في مياهها والاستحمام على رمالها هو البحر الوافر، لذلك سمي ديوانه الأول له ب«باقات وافرة"، لأنه ضم شتى أنواع القصائد وكان معظمها على البحر الوافر، كما كتب الشاعر في الصداقة والحنين والغزل والرثاء والشعر الوطني والثوري، وخير ما وجده دواء وتسلية لعواطفه؛ الغزل.
قدم ضمن البعثة التعليمية السورية الأولى سنة 1963م، للتدريس في الجزائر، واستقر به القدر في مدينة وهران، التي بقي فيها إلى غاية عام 1970 م، كتب ونشر خلال هذه الفترة في عدة صحف ومجلات جزائرية مثل "المجاهد"، "الشعب" و«الثورة". اهتمت معظم كتاباته بقضايا الأمة العربية في تلك الفترة، كما كان للثورة التحريرية الجزائرية أثرها العميق في نفس الشاعر، إذ هزت مشاعره منذ أحداثها الأولى، وقال فيها أروع ما جادت به قريحته، في صورة سبق فيها الشعراء العرب الذين أعلنوا تأييدهم لها بأقلامهم، بعدما تعذر عليهم الالتحاق بالجبال.
نوهت الكتب في هذا الباب، لمئات الشعراء العرب الذين قالوا في الجزائر وثورتها التحريرية، نذكر حسن فتح الباب من جمهورية مصر العربية في مؤلف له بعنوان "ثورة الجزائر في إبداع شعراء مصر"، في حين اهتم الدكتور عثمان سعدي بالموضوع نفسه، عندما كان سفيرا للجزائر في سوريا والعراق، حيث جمع أسماء مئات الشعراء من بلدان عربية، وأصدر عمله في كتاب ضخم مقسم إلى مجلدات، خص كل بلد بمجلد يهتم بشعرائه (العراق والسودان وسوريا)، دون أن نغفل ما قدمه شاعر الثورة الجزائرية سليمان العيسي، في ديوان أهداه للجزائر بمناسبة عيد الاستقلال والشباب الواحد والثلاثين، وحافظ على استمرار علاقته بوطن الشهداء إلى غاية رحيله في 9 أوت 2013 م، وهو القائل في إحدى لقاءاته مع وسائل الإعلام؛ "عندما اندلعت ثورة الجزائر الكبرى، كنا نتابعها يوما بيوم، ومعركة بمعركة، واعتبرنا أنفسنا من الثوار، وإن لم نشارك في الثورة، أو نكون في جبال الأوراس، كنا نحلم، لكن لم يتح لنا ذلك، فوجدنا أحسن خدمة يمكن تقديمها، أن نطلع الإخوة العرب على ما يقوله إخواننا في الجزائر، دفاعا عن الأرض والقضية والحرية".
يتبع الشاعر امطانيوس نفاع النهج الذي رسمه، فحول الشعراء العرب لثورة نوفمبر حتى بعد الاستقلال، في قصيدة بصمها بوهران في مارس 1964، يحيي فيها وطن الشهداء، فيقول:
‘'جزائرنا أبث لك التحية
وألف تحية من راحتيا
جزائرنا وهبتُك ما وُهبنا
بربي لنْ أضن بمقلتيا
سماؤك عطرتها ألف روح
ومليون فقد ذهبوا ضحيا.."
يعرف الشاعر نفاع ببراعة نظمه الغزلية، إلا أنه في بعض حالاته يجيز لنفسه ما لا يجيزه لغيره من رواد الغزل، بذكره للجزائر، كيف لا، وهو ينظم لبلد ملك القلب والفؤاد، في عيونه، وطن، وحب، وعشق، ووفاء ..،وتتجلى صورة الجزائر أكثر في خيال شاعرنا،من خلال قصيدة
ضمنها إهداء، يقول فيه:
‘'من دمشق الصمود إلى جزائر الخلود،
من سورية شرق البحار إلى الجزائر موطن الثوار ..
من قاسيون إلى الأوراس،
من عاشق إلى عشيقته
علامك تزرعين بي الظنون
أنا المفتون شوقا لن يهونا
فعذرا يا منايا من غرام
غرامك عاد في صدري جنونا
دخلت القلب قسرا دون أُذن
ملكت به المشاعر والعيونا ..."
لقد تزامن وجود الشاعر نفاع في الجزائر مع مرحلة هامة في تاريخ بلد خرج من حرب ضروس، دارت رحاها ضد أقوى جيوش المعمورة، مدعوم من الحلف الأطلسي، وقد خلف وراءه دمارا شاملا، أتى على الأخضر واليابس، شرد الأسر وأتلف مصادر عيشها، وأحرق الجبال والحقول والمزارع، وحتى البشر، فارتأى القائمون على تسيير شؤون الدولة في تلك الفترة الحساسة، إلى وضع أولويات النهوض بالبلد في مختلف القطاعات، ومن بين هذه الأولويات، الاهتمام بقطاع التربية والتعليم وتكوين الأجيال التي سترفع التحدي مرة أخرى، ولشاعرنا فيما نحدثكم دور هام، لم يقتصر على التعليم فحسب، بل ساهم بقلمه في إثراء الساحة الثقافية، وكان من الذين صنعوا التميز لفترة وصفت ب«الذهبية"، كان فيها العرب وطنا واحدا وإن تباينت جغرافيتهم.
مما لا شك فيه، أن الشاعر كان قريبا جدا من كل الجزائريين، وأحيانا يكون بداخلهم كمرآة عاكسة لطبيعة حياتهم، وهو الذي يشير في أكثر من مناسبة إلى مجالسة كبار الأدباء والمثقفين الجزائريين، نذكر على سبيل الحصر، الشاعر شريف حماني رحمه الله، ابن مدينة وهران، كاتب كلمات أغنية "الشهيد أحمد زبانة" رحمه الله، إذ يشيد بمواقفه الوطنية، ويعتز ويفتخر بصداقة جمعته به، في قصيدة أهداها إياه بحفل أقيم في 12 أكتوبر 1964 م بوهران، فيقول:
«شريف! بحبك انتشر السلام
وغرد في منازلنا الحمام
بلابلنا لكم غنت نشيدا
ومن أنغامها غاب الظلام
إذا كلمته أعطاك درسا
وفي الدرس الغذاء بل الطعام
يحدثك الحديث وفي هدوء
وقورا قد بدى فيه احتشام
إذا ما جئته للصمت بحر
...وعند النطقِ سيف لا يلام"
جالس نفاع عامة الناس، وتحدث إليهم بما لا يشعره بالغربة في موطن يخصه بإهداء عند كل إصدار له، ويشير إليه بعبارة "إلى مهجري"، كما لا يخفي حنينه وشوقه لزيارته بعد 49 سنة من مغادرته، حيث يسألنا في أحوال الديار المجاهدة والأرض الطيبة والشعب الكريم عند كل حديث يجمعنا به، ويبدي افتخاره بالرصيد التاريخي العميق والمشترك بين الشعبين.
بذكرنا لمواقف ميزت شاعرنا في حياته الأدبية والعادية، تحضرنا عدة كتابات صدرت في هذا الباب، منها كتاب الدكتور عادل نويهض "أعلام الجزائر"، شمل أسماء بعض علماء وأدباء جزائريين قصدوا الشام، منهم الشاب الظريف، والد الشاب الظريف، الطاهر الجزائري، أبو محمد الزواوي، محمد الأشيري ...، كما قدم الدكتور عمار هلال رحمه الله بحثا مطولا حول الهجرة إلى الشام، أصدره في كتاب سماه "الهجرة الجزائرية نحو بلاد الشام"، وأصدر الدكتور كمال بوشامة السفير الجزائري الأسبق بسوريا، مؤلفا سماه "جزائريو الشام".


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)