الجزائر

السوق … ولا الصندوق!!



ثمة ثلاثة صناديق تخيف، صندوق الأموال وصندوق الخضار وصندوق الانتخاب، وتخيلوا الآن كيف تصرف الخلف مع الصندوق الأخير في اليوم الموعود بعد تطبيل انتخابي وزغاريد، وفي مخيلتهم تدور أفكار أن صندوق الخضار نار وهادم اللذات دمار (شامل) وصندوق الانتخاب مجرد صندوق يأتيك منه الجواب إلى أن يكون ثمة تغيير وكل مايمكن أن يحصل ما بعد الانتخاب أن يعفس الجمل مايحرثه!
المميزون
ثمة مفارقة عجيبة في كل موعد انتخابي، تتمثل في الدعوة إلى الذهاب بكثافة لصناديق الاقتراع والقرع والقرعة وكلها مصطلحات انتخابية تصلح للعالم الثالث، والدعوة من جهة أخرى لغلق الأسواق الأسبوعية ومنع الأوزان الثقيلة من الشاحنات وليس من الرجال والنسوان بالتحرك، فالمطلوب منها السكون فاليوم حج للصندوق، وليس لغيره ولايجوز فيه قانونا السير في جماعات وزرافات إلى المركز، أي مركز الانتخاب وليس مركز الشرطة لأنها دار كما تسمى، فهذا سيساعد على عدم تشتيت الفكر باتجاه شيء آخر غير صور المحظوظين المعلقين لسويعات في اللافتات باعتبارهم نخبة هذه الأمة وزيرة ما فبركت السلطة، وقد ينس الناس ولو ليوم أو يومين هموم السوق وألاعيب التجار والخضارين والرفع في الأسعار والمضاربة في البضاعة، فهؤلاء كان لهم باع طويل على مدار جميع السنوات وفي الأشهر الأخيرة بعد أن قاموا برفع سعر السردين والبطاطا باعتبارهما أكلة الفقراء إلى مستويات قياسية وباتت معضلة تؤرق الأسر غير الثرية وتحرج الحكومة نفسها، وهي ترى بأنها بسكوتها تمن على التجار.
وتتمنى عليهم ومنهم أن يكونوا رحماء مع المستهلكين، كما هي معهم بعد أن أقرت لهم بفرمان بأنهم أحرار حتى قبل أن تتخصخص الدولة برمتها وتوصيهم بأنهم طلقاء كل واحد «يبول» حيث يريد! فهذه هي سياسة الدولة بعد أن رفعت يدها عن تسيير شؤون البلاد فلا وقت لديها وهي منشغلة بأمور استراتيجية وتكتيكية ولا تريد أن يحرجها أحد بالسؤال عن أمور تافهة كفتح الفم إلا عند طبيب الأسنان وهذا له ثمن باهظ أيضا، أو السؤال عن كيف أصبح الجياع والرعاع بين عشية وضحاها أصحاب باع وأذرع طويلة كأذرع روسيا الصاروخية!
والمشكلة الآن في أمر هذا الدولة المميز الذي له مسؤولوه ومواطنوه المميزون، أنه ترفع عن كبار الأمور وأبرم طلاقا بائنا مع قاعدتها الشعبية فوجدت نفسه في موضع من يطلب يد الجماعة لكي تضع الحنة في الأصبع علامة على أن المواطن، أي الغاشي انتخب ووهب صوته، وأنه سيكتب عندها بالتالي أنه مواطن صالح عندها لأنه بيض وجهها بالماء الصافي والصابون، وما قيل بزاف وهذا هو المطلوب منه تحديدا لمواجهة الخارج.
ويفرض إجراء عملية استهلاكية لبضاعة فاسدة ومغشوشة تنصف السلع المقلدة التي يمطرنا بها التجار من الصين خاصة، ولايأتون منها بالشيء الحصين والمتين مع أنها من كبار المنتجين للأجود أيضا!
الصمت أصدق إنباء
عشية الانتخابات (والإنتخابات) صدر تصريح للناطق والساكت باسم التجار، لو كنت صخشيا، في مكان سيدي السعيد زعيم بقايا العمال في القطاع العمومي المخصوص لوليت هاربا من دار الشعب مقر الاتحاد على وزن حلاب وجزار الشعب، بعد أن صارت تلك الدار لفئة صغيرة منها، وكم فئة صغيرة غلبت فئة كبيرة في الصندوق بعد أن اختارت أسلوب أضعف الإيمان في التغيير ما بعد اللسان، وقررت اختيار الصمت، فالصمت على ما يبدو أصبح كالسيف أصدق إنباء من الكتب.. على حد قول ذلك الشاعر في حدة الحد بين الجد واللعب!
فالرجل ومنذ أن تم انتخابه بواسطة الصندوق على الطريقة المميزة في المسابقات التربوية والتوظيفية، وهو ينهال علينا ضربا بتعليقاته التبريرية.. هذه الفئة التي شاركت في إضراب الثمانية أيام عام ثقبت جدتي أذنها في الأيام الأخيرة لنهاية الاستعمار، يقول إنه كالمسؤولين المميزين «خاطيهم» إن فعلوا أو تواطأوا بالصمت، أو كانوا مثل شاهد ما شافش حاجة وهذا بمنطق مميز قد لا يفهمه أحد إلا هم! لكنه أعلن في ختام كلامه المسك أنه سيقوم بعملية إنزال بمليون و800 ألف تاجر إلى الصناديق الانتخابية، وليس إلى صناديق الخضر والفواكه والبطاطا فهو يعلم بأنه في هذا اليوم لا بيع ولا شراء (ذمم) وأمور البطن فيه في المقام الثاني على طريقة ذلك الشاعر أيضا الذي تحدث عن الرأي قبل شجاعة الشجعان!
أي بمنطق العصر رأيك في الصندوق، وليس الرأي الذي نسمعه عادة في شوارع وهران وهو يصدح من أبواق السيارات والمتاجر، وهذا الخبر السعيد يكون بالطبع قد أثلج صدور أيا كان النظام بعد أن اعترف أحدهم على الأقل وبشجاعة كاملة بأن جنانه قد طاب.. ومازال دور قابض الثمار (على وزن قابض الأرواح) لكي يبدأ القطف بعد أن أينعت وإن لم يفعل ذلك تفسد الغلة ومعها الملة!
ويضع الصناديق مجتمعة، أما الذين تابعوا أخبار ذلك الانزال (البري) الموعود، فقد لاحظوا ضعفا شديدا فيه، مع أن التجار قدموا للصندوق الانتخابي قائمة لا بأس بها من ممثليهم ممن يحسبوا كل شيء على طريقة قابض التذاكر كل راكب وراكبة مجرد دراهم ودينارا، بمن فيهم نواب (ونائبات) المستقبل ولا تفهموها مصيبات وإن ثبت بأنه قد يكون على المستوى الشخصي عيشة خير من عياش على الأقل في تربية الدجاج!
وهذا الأخير أصبح مرادفا لكل عرس انتخابي ولو كان من نوع زواج المسيار كما وافقت عليه وزارة الظلام في هذه الأيام بعد أن التهمت اللجان المحلية وحدها ما لا يقل عن 500 مليار سنتيم من الدجاج خلال شهر من عملها وعلمها، وهو ما ينذر بكارثة دجاجية مطلع هذا الصيف، وفي رمضان بعد أن يخرج علينا بولنوار قائلا إن «الحمان» هو الذي رفع سعره إلى مستويات قياسية فلم يتحمل الحر و«نفق» ومات» خنقا (بالغاز) بعد أن غرق في البحر، وأفهموا كما تشاوون هذا المنطق.
وهذه البيئة العامة التي تترجم حياة الكثيرين من المجتمع غير المفيد بعد أن يتيهوا طوال العام في تقسيم «الشهرية» على أمور الأكل، هي التي تبعث في النهاية هؤلاء على العزوف عن الذهاب إلى السوق بعد أن تخرج فيه كل مرة وقت بضاعة نادرة توريكم العين الحمراء، ويشتغل الخلق بالحديث عنها كما يشتغلون بالحديث عن الكرة، لأن السياسة خاطيهم أيضا! ومع ذلك فإن ذهابهم إليها كرها بفعل ضغط ربات البيوت والطباخات أكثر بكثير من ذهابهم إلى الصناديق الانتخابية.
رغم أن الدعوات الرسمية من الجنان التي طابت ولم يحن قطفها، تدعو إلى الذهاب جماعات وزرافات وكواكب على الأقل بعد أن تم رفع حالة الطوارئ عن المسيرات، وتأكد أن شرطة خليفة علي تونسي كما مدحها في آخر مرة، تقدم درسا ونموذجا (عربيا بالطبع) للنجاح في تسييرها، مع أن سعيد سعدي، الدكتور الذي طلق السياسة لم يسر إلا بضعة أمتار أمام داره الأرسيدي السابقة قبل أن تضع الشرطة حوله أسوارا.
فما الذي جعل الخلق يلتزم الصمت وهو يدعى إلى الصندوق! ثمة عدة فرضيات سوقية منها أنه يقود خلال سنوات حكم حالة الطوارئ التي رفعت للاستهلام الخارجي قبيل أن تصمم من جديد على ميادين أخرى أن يمشي وحيدا… ما اعلى بالي بحد!
أو أنه يعتقد بأن صوته أكبر من جسمه، وهذا خطأ فادح لأن تعلمه من بعض التجار ممن يصيحون بشدة لحد الإزعاج مع أن أجسادهم صغيرة!
ومع ذلك كنا نتمنى لو أن إنزال التجار حدث وفعل بولنوار ما يفعل الآخرون في مؤسسات رسمية في اليوم الموالي للانتخابات والانتحابات الشفافة والديمقراطية ارنا الجنة في اصبعك لكي تثبت بأنك انتخبت.
وإن لم تفعل ذلك، فإنك مطرود من الجنة إلى يوم يتوفى النظام كما يتوفى الشيطان (ينزع عنك الطاولة)!!




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)