الجزائر

الزواج السياحي يتفشى في الصيف



هناك من يتّخذ من موسم الاصطياف فرصة للتفسح والتجول، وآخرون يرونه مناسبة للربح، وأيّ ربح؟ ليست تجارة ولا عملا، ولكن استغلالا غريبا ورهيبا لبعض الفتيات القاصرات في أغلب الأحيان، واللائي حكم عليهنّ جمالهنّ أن يتحوّلن إلى سلعة تباع وتشترى، ومن طرف الأولياء الذين يقايضونهنّ، بما يملكه السائح من أوراق "أورو" حيث يزوجوهنّ لبعض السيّاح، أو شبه، إما جزائريين، أو حتى أوروبيين، يقضون فترة الصيف ثمّ يمضون.
مصطفى مهدي
الفقر، والحاجة الماسّة إلى الأموال، وربما أشياء أخرى مثل الديون التي تعاني منه بعض العائلات، كلّ ذلك من بين الأسباب التي تجعل بعض الأولياء يزوّجون بناتهم إلى بعض المهاجرين الجزائريين، الذين يقدمون في الصيف فقط لإمضاء العطل، أو حتى من الأوروبيين، الذين يُفضلون تمضية أوقات ممتعة مع بعض الفتيات الجميلات، ولو كان ذلك عبر الزواج، وقد يدينون بدين غير الإسلام، ولا يعتبرون عقد الزواج إلاّ ورقة يمضون عليها في بداية الصيف، ثمّ يمزقونها في نهايته، دون أدنى مسؤولية، هذه الظاهرة التي تنتشر في المناطق الفقيرة، وحتى في العاصمة، وبعض الضواحي التي تشهد مطلع كلّ صيف حوادث زواج مُشابهة، ولو أننا لا نستطيع سرد كلّ العينات التي حصلنا عليها، إلاّ أننا تركنا بعضها تحكي عمّا عاشته من تجربة قاسية.
للزواج السياحي سماسرته
"ر" شاب في العشرين من العمر، له أخت صغرى في السادسة عشر، أراد والده أن يزوّجها من رجل في الأربعين، ثري، وقادم من دولة خليجية، وهو الأمر الذي أثار طمع الوالد، يقول "ر": "في الحي الذي أسكن به (يتحفظ عن ذكر المعلومات الخاصّة به، وبحيه، المتواجد على مستوى بلدية الجزائر العاصمة)، هناك سمسار مثل هذه العلاقات، له اتصالات مع السيّاح، وما إن يلاحظ فتاة جميلة في الحي، حتى يتّجه إلى والديها، خاصّة إن كانا فقيرين، ويغريهما بالأموال التي يمكن أن يدفعها السائح، مقابل زواج لا مستقبل له، حيث يعلم الجميع أنّ السائح سيغادر الوطن ما إن ينتهي الصيف، أو قبل ذلك، ويبقى بعدها مصير الفتاة معلقا، وهكذا فعلوا مع أختي، بداية شهر جوان، فقررت أن أرحل ليلة الزواج، فكرت بداية في قتلها أو قتل الزوج، ولكني استغفرت وصرت أبيت في المحل الذي أعمل فيه".
زواج متعة
أمّا زهية، 19 سنة، التي تسكن بأعالي بوزريعة، وتعمل في إحدى الشركات السياحية، فقد رآها أحد المهاجرين الجزائريين الذين يأتون في فصل الصيف لتقضية العطلة، فأعجبته، فتقدم من أسرتها وطلب يدها، ولكنه لوَّح بأنه لن يمكث طيلة السنة، وأنه سيغادر مع انقضاء الصيف، ولكن ذلك لم يحل دون زواجهما، خاصّة وأنه أغرى الأم بالأموال التي سيدفعُها، وهنا لم تجد الفتاة بدًّا من أن تمنع هذا الزواج، ولم يبق أمامها إلاّ أن اشترطت عليه أن يطلقها مع نهاية الصيف، حتى لا يتركها معلقة، وكأنه زواج متعة محدد بأجل معين، فصار موقفا يضحك ويبكي في نفس الوقت.
طريق انحراف الفتاة
الدكتور النفساني كسايس محمد، الناشط ببلدية بوزريعة أفادنا في الموضوع يقول: "في الحقيقة كثيرات هنّ اللائي يأتينني، وهنّ منهارات نفسيا، فاكتشف أنهن ضحايا مثل هذا الزواج، إمّا في صغرهنّ، أو حتى بعد ذلك، فهذا الزواج ينطوي على مشكلات نفسية واجتماعية كبيرة، وهي تكمن في الصراع النفسي، والضغط العصبي الرهيب الذي يقع على الفتاة بعد فشل هذا الزواج، أو بعد انتهاء تلك الصفقة التجارية بالفشل، ففي كلّ الأحوال تُصبح تلك الزوجة مُطّلقة أو معلقة، وفي كلّ الأحوال تضيع فرصتها في العيش بطريقة عادية، فهي لن تتزوج بشكل طبيعي بعد فشل هذا الزواج، ومن ناحية أخرى ستتزوج ممن يتقدم لخطبها مستقبلا، مهما كانت ظروفه وقد يكون هذه المرّة كبيرا في السن، ومُعدما أيضا، وقد تظل من دون زواج، وفي هذه الحال ستتعرض لكثير من المصاعب والمشكلات التي سبَّبها لها زواجُها الأول، وغالبا ما يكون هذا الفشل بابا لانحراف تلك الفتاة التي تزوجت من أجل المال، فقد تمارس الرذيلة أيضا من أجل المال، حيث ستصبح جسدا بلا روح، والمُؤكد أن مخاطر هذا الزواج يعود بالأساس على الفتاة التي تتحول إلى زوجة بلا رجل، وبلا عائل يتكفل بها بعد سفر الزوج إلى بلده، وتدفع الثمن طوال عمرها وتدخل في أزمات لا حدود لها، وخصوصا في حال اكتشاف حدوث الحمل بعد سفر الزوج وتفشل في أن تنسب هذا الطفل لوالده، وقد أكدت الكثير من الدراسات أن الفتاة بعد هذه التجربة الأليمة تكون فريسة سهلة وعرضة للانحراف، وتنتهي حياتها في مرحلة مبكرة من سنها، كما أنّ هذا الزواج زاد من نسبة المعلقات صغيرات السن اللاتي لا هن متزوجات ولا هن مطلقات، وهي ظاهرة خطيرة للغاية، كما قدمنا، إلاّ أننا يجب أن نشير أنّ الظاهرة تعرف انتشارا في بلدان مجاورة أكثر من بلدنا، ذلك أنّ قضايا الشرف عندنا لا تزال مقدسة، أو لنقل أنّنا لسنا فقراء مثل بعض البلدان التي تبيح هذه الممارسات، فالفقر والجوع أوّل مسبب للظاهرة".
الظاهرة مرفوضة شرعا
الشيخ أحمد عيسي، إمام مسجد الحرمين ببوزريعة، سألناه عن الظاهرة، وعن موقف الدّين منها، فأجاب: "هذا النوع من الزواج مخالفٌ للشرع، لأنّ ولي الأمر يقوم ببيع ابنته فيما يشبه الصفقة، ويُزوّجها لرجل مسن مع علمه أنّ هذا الزواج مؤقت وزواج متعة وينقصه الاستقرار والاستمرار، كما أنّ ولي الأمر يعرف أن هذا الزوج متزوج ولديه أولاد وربما أحفاد، وقد يعرف أيضا أنه ليس على خلق والرسول الكريم صلي الله عليه وسلم يقول "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه" والمؤكد أن إجبار الفتاة على الزواج من هذا المسن، بل حتى لو وافقت الفتاة على هذا الزواج ولم يمنعها الأب فإن هذا يُعدّ نوعا من الفسق وهو مخالف للشرع بل ومحرم شرعا، وفيه استغلال غير إنساني للفتاة التي تُجبر على الزواج، من أهم الضوابط التي حددها الإسلام لصحة الزواج أن يكون هناك توافق بين الزوج والزوجة، ولابد من القبول والإشهار، وهذا الزواج زواج مؤقت، ومن أهم الشروط الجوهرية التي لابد أن تعلن صراحة هي موافقة الفتاة على الزواج، فلا يصح لوليِّ أمرها أن يقوم بتزويجها من دون رغبتها فهذا يبطل الزواج، وبالتالي فإجبار القاصرات، خاصّة، على الزواج من مسنين أثرياء باطل ولو توارى خلف مراسم الزواج الشرعي من عقد وشهود وولي، كما أنّ هذا الزواج ليس زواجا بهدف الاستقرار وبناء الأسرة التي هي نواة المجتمع في الإسلام، وإنما نجد مسنا يمتلك المال، ويتزوج من فتاة فقيرة تصغره بعشرات السنين بمساعدة ولي أمرها، وكأنّ الفتاة هنا تحولت لسلعة تباع وتشترى، أو شاب ثري يتزوج من سيدة أو فتاة لأيام عدة وهو بالطبع زواج فاشل لا يستمر وتتعقد المشكلة عندما تنجب الفتاة من هذا المسن الذي غالبا ما يهجرها وربما ينتقل للعيش في بلد آخر، وهو مرفوض شرعا، والإسلام لا يقبل هذا النوع من الزواج وهذه الممارسات البعيدة عن تعاليم الإسلام، كما أنه ظلم فادح للفتاة وامتهان لكرامتها وأنوثتها والاعتداء على حريتها في الاختيار ويتم حرمانها من التمتع بحياتها وتحميلها مسؤولية أكبر من سنها، ولا يمكن أن نغفل المخاطر الصحية الجسيمة التي تتعرض لها الفتاة الصغيرة بسبب هذا الزواج.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)