الجزائر

الرجل الرباني ذو سعة العلم وغزارة المعرفة والكرامات



اختار المؤرخ محمد غرتيل، الحديث عن سيرة العالم الشيخ بلجيلالي محمد المدعو "براشد"، الذي وافته المنية في 23 فيفري 2009، ومازال أثره الطيب يفوح بيننا، إذ يعتبر واحدا من أبرز رجال الجزائر الذين عاشوا دعاة لله، لسانا من ألسنة التوحيد، وبحرا من بحور الفقه، وجبلا من جبال العلم.يقول الأستاذ والمؤرخ غرتيل، إن الجزائر فقدت أحد الرموز والرجالات الذين نذروا حياتهم لله والإسلام، وللعلم والدعوة إلى الله، سماحة العلامة الشيخ "براشد" إمام المسجد الكبير بغليزان، مشيرا إلى أن هذا المنصب، جعل الشيخ الجليل على صلة وثيقة بالناس، لم تجعله يعيش في صومعة منعزلة، أو في برج عاجي، بل خالط الناس، وكان بيته مفتوحا، وقلبه مفتوحا، ومقصورته مفتوحة لكل المسلمين، لكل ذي حاجة مادية أو علمية أو معنوية. كان الرجل يتحرك من أجل قضايا أبناء بلدته، ومآسيهم، ولا يدع أي فرصة إلا وينصح فيها، إما بالمشافهة أو بالخطابة.
العالم الجليل والرجل الرباني
أوضح المؤرخ أن الشيخ تميز بسعة العلم، وغزارة المعرفة، فقد أوتي التبحر في علوم الشريعة، في علم الفقه والتوحيد والحديث والتفسير، وعلوم اللغة العربية. ولم يكن للعلم وحده، بل كان رجلا ربانيا، كان علامة بالعلم، وكان علامة بالفعل، حافظا من حفَّاظ الكتاب والسنة. وقد أوتي الرجل من مكارم الأخلاق، ومن خصائل الخير، ومن الفضائل الجمة، كان مهذبا، فما سفّه رأي أحد، ولا جرح مشاعر أحد، كان مهذّبا فعلا، وكان زاهدا في الدنيا، وكان متواضعا في غاية من التواضع، وكان كريما مائدته ممدودة لكل الناس. كان فيه الكثير من خصال الخير، وكان رفيقا فيما يأتي، وفيما يدع، في علاقته بولاة الأمور، وفي علاقته بمخالفيه".
ويضيف محدث "المساء"، أن الشيخ بلجيلالي محمد، رحمه الله تعالى، ولد في عام 1924، حفظ القرآن الكريم على يد والده صغيرا، وكان يتقن حفظه، ثم بعد ذلك، انتقل إلى زاوية الشيخ بن عبدالله شايب الذراع، بجوار مدينة الرحوية في ولاية تيارت، فدرس عليه مختصر الشيخ العلامة خليل بشرح الدردير وحاشية الدسوقي، وكان بارعا فيه براعة لا يضاهيه فيها أحد من أقرانه وأترابه، وأذن الله شيخه بعد أن منحه إجازة علمية بالتدريس، انتقل بعد ذلك إلى زاوية الشيخ بلحول، ليدرس على الشيخ سي قدور بلعروسي علوم اللغة العربية والبلاغة والأصول والمنطق والتفسير، وقدمه في دروس الفقه، ليكون معيدا للطلبة بالزاوية ومدونا له لمتن المختصر، وبعد أن تحصل على المرغوب، أجازه الشيخ في كل ما درسه عليه، انتقل إلى زاوية الشيخ سي بوزيان حديد الله بسيدي خطاب، فدرس فيها القرآن الكريم والفقه وكان من تلامذته الشيخ سي عبدالقادر بن بوزيان حديد الله، رحمه الله تعالى، وكان الشيخ يثني على أخلاق هذا الشيخ وصفاته الحميدة، ثم بعد ذلك، انتقل إلى مدينة غليزان بزاوية شيخه الشيخ سي بن عبدالله شايب الذراع، ليجعلها منارة علم في الفقه المالكي، فدرس فيها مختصر خليل، مع شرح يفهمه جميع الناس، فجلبت هذه الطريقة المثالية، قليلة النظير، وجوه الطلبة إليه، فاشتهر في غليزان، وكان المفتي الوحيد في غليزان إلى سنة 1963، وبعد كبر الشيخ سي احميدة، الذي كان إماما ورعا وعلى درجة عالية من الأخلاق، استخلفه الشيخ براشد، ليعين فيه بعد ذلك إماما رسميا سنة 1963، وسطع نجمه في غليزان، ليضيف إلى براعته في الفقه براعة أخرى في الخطابة، وهبه الله تعالى أسلوبا خطابيا مميزا مع رباطة الجأش، التي كانت سجية فيه دون تكلف أو تعسف، مع حسن اختيار المواضيع التي يطرحها ليعالج المشاكل المختلفة، التي تدور في واقعه على مختلف مجالاتها الدينية والاجتماعية والسياسية والتربوية، فكان، رحمه الله تعالى، صداعا بالحق لا يخاف فيه لومة لائم، ولم يترك التعليم مدة حياته.
مجالس العلم والشجاعة في قول الحق والكرامة
تحدث المؤرخ أيضا، عن الكرامات التي وقعت مع الشيخ قائلا "كان يعقد مجلسا علميا ما بين المغرب والعشاء، ليشرح فيه مسائل الفقه الإسلامي، مع تدريسه لطلبة العلم صباحا، والذين أصبحوا أئمة وفقهاء، من بينهم الحاج أحمد عواد (إمام متقاعد بمدينة جديوية، مازال على قيد الحياة متعه الله بالصحة والعافية). ويمضي الشيخ في الدعوة إلى الله خطيبا ومعلما وناصحا شجاعا لا يخشى الخطوب، لتأتي العشرية السوداء، ويبقى ثابتا ثبات الجبال الرواسي، فلم يتغير عن مبادئه ولم يحد عن طريقه، بل بالغ في التبيين والتوضيح لدين الله تعالى، الذي أنزله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، اتخذها مبغضوه وشانؤوه وسيلة للنيل منه، وحصلت له كرامة قبل الاعتداء عليه بيوم أو يومين، كلمه الشيخ الصالح بعطوش إمام بمدينة وهران، لتكون المحادثة عن قرب الاعتداء عليه، إلا أن الله تعالى وكل له من يدافع عنه، لحبه للصالحين والدعاء لهم يوميا، فكان الاعتداء السافل عليه داخل المسجد في 25 جويلية 1994، بعد أدائه صلاة العصر، بثلاث رصاصات، أصابته إحداها في فكه، والأخرى في ذراعه، والثالثة بمحاذاة كتفه، وهو يردد سورة الإخلاص ونقل على إثرها إلى المستشفى، صابرا محتسبا وشفاه آلله تعالى، وعاد إلى المسجد خطيبا ومدرسا، إلى أن وافته المنية في فيفري 2009، رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)