الجزائر

الدكتور أحمد خالد بابكر أمين مجمع الفقه الإسلامي ل”البلاد” : "الثورة لا تعني انفراد الإسلاميين بالسلطة!…"



الدكتور أحمد خالد بابكر أمين مجمع الفقه الإسلامي ل”البلاد” :
حاوره: كريم حجوج
ناشد الدكتور أحمد خالد بابكر أمين مجمع الفقه الإسلامي كل التيارات الإسلامية معاودة مراجعة أغلب مواقفها حيال المعطيات الواردة إلى الساحة العربية والإسلامية في أعقاب المستجدات التي خلفها مسار الربيع العربي في مجموعة من الدول، وقال في حوار أجرته معه جريدة “البلاد" إن السعي للانفراد بالسلطة وعدم إشراك باقي الفعاليات من شأنه أن يعيد الأوضاع إلى سابق عهدها، “بل إن الأمر يشكل تهديدا لمشروع التغيير الذي ينشده المواطن العربي والمسلم". ودافع هذا العالم السوداني كثيرا على عقوبة حكم الإعدام حيث اعتبرها قاعدة جوهرية للمبادئ العامة لحقوق الإنسان. وتعقيبا على الإساءة البالغة التي استهدفت الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق الفيلم الجديد الذي تم تنزيله منذ حوالي أسبوعين، قال إن ذلك يعد مؤشرا حقيقيا على ضعف ووهن كبيرين صارا ينخران موقف بعض النخب الغربية حيال حضارة الإسلام، وشدد على المسلمين بضرورة توخي الحذر في التعامل مع هذه القضية.
البلاد: هل لنا أن نعرف خلاصة القرارات الجديدة التي خلصت إليها الندوة العشرون لمجمع الفقه الإسلامي، وفيما تختلف عن الندوات السابقة؟
الدكتور احمد خالد بابكر: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وبعد، التوصيات الجديدة التي خرجنا بها خلال 4 أيام من المناقشات والدراسات انقسمت في مجملها إلى نوعين: مجموعة كانت تصب في الجانب النظري المحض، وتنحى منحى علميا أكاديميا على خلفية الطابع العلمي الذي يميزها مثل مواضيع الوراثة، الجينوم والقرائن وكيفية الاستفادة منها في بعض الجوانب المهمة من حياتنا مثل سلك القضاء والعدالة، حيث أجمع العلماء والدارسون على التنبيه إلى أهمية هذه المواضيع وضرورة استغلالها وتكييفها مع مصالح الناس وأعرافهم وتقاليدهم، وكما نعرف أن الدين ليس عائقا أمام هذه الأعراف، بل ينظمها فقط ويضع لها ضوابط. وقسم آخر من هذه التوصيات فرضه التطور الجاري في مجتمعاتنا المتفاعلة مع باقي المجتمعات الأخرى التي نختلف عنها من حيث المرجعيات الدينية والعقيدية والفكرية، حيث كان هم المجمع منذ تأسيسه هو البحث عن السبل التي تسمح لنا بالتكيف مع هذه المجتمعات بشكل يسمح لنا نحن المسلمين ألا نقف موقف التصادم مع هذه الحضارات، خاصة إذا كان الأمر لا يتعارض مع موقف شريعتنا الإسلامية وديننا الحنيف.
عاد مجمع الفقه الإسلامي ليطرح مجددا قضية عقوبة الإعدام التي تثير جدلا واسعا في البلدان الإسلامية، بشكل أرغم بعض حكومات بعض الدول الإسلامية على إلغائها نزولا عند الضغوط التي تمارسها منظمات حقوق الإنسان، فما هو تعقيبكم على هذه المسألة؟
هذا أمر صحيح. وكما جاء في سؤالكم فإن هذه الأنظمة الإسلامية التي راحت تلغي عقوبة حكم الإعدام من نصوصها التشريعية والقانونية كان بدافع أن هذه العقوبة تعتبر نقيضا لمبادئ حقوق الإنسان ومتعارضة مع حق الإنسان في الحياة. لكن علينا ألا ننسى أن في ديننا الحنيف وفي شريعتنا هناك مبدأ راسخ هو ما يسميه القرآن الكريم القصاص “ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب"… والقصاص هو عبارة عن المعاملة بالمثل، حيث إن هذا السلوك يعد سلوكا فطريا قضت به الحياة والخليقة منذ الأزل، بل حتى قبل أن يأتي الإسلام وينزل الوحي. لذا فإن مجمع الفقه الإسلامي يدعو جميع الأنظمة الإسلامية إلى عدم التزحزح عن هذا الحكم الذي نحسبه حكما يراعي الحقوق الأساسية للإنسان، ويحمي حياتهم من خطر القتل والإزهاق وهو أيضا يحمي حقوق المجموعات وليس العكس كما يدعي بعض الغربيين. ثم إن القصاص ورد في نص قرآني قطعي وثابت، لذا لا يجوز لنا كمسلمين أن نتجاوزه أو نتخطاه بأي حال من الأحوال.
انعقاد مؤتمركم تزامن مع حادثة الإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وما أثاره هذا الحادث من ردود أفعال عديدة وصلت إلى حد قتل السفير الأمريكي بليبيا. فما رأيكم في هذا التطاول وكيف تنصحون المسلمين بالتعامل مع هذه القضية؟
أعتقد أن هذا الحادثة لا تنفصل عن إفرازات الصراع العالمي الدائر في الوقت الحالي والمبني أساسا على خلاف حضاري عميق، ومبني أيضا على اختلاف المصالح في أحيان أخرى، ولكن الأدوات المستعملة في هذا الصراع تتجاوز في كثير من الأحيان الحدود المعقولة عندما يمعن أصحابها في الاستفزاز، وهو الأمر غير المقبول تماما، خاصة إذا أدى الأمر إلى مرحلة التقاتل والتحارب، وأن التطاول المتكرر على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إنما يدخل في هذا السياق ويكشف مدى الوهن والضعف الذي صار عليه موقف مجموعة كبيرة من النخب في المجتمع الغربي التي لم تجد من أدوات أخرى تستعملها في صراعها مع حضارة الإسلام والمسلمين سوى اللجوء إلى مثل هذه التصرفات والاستفزازات القبيحة التي تلفظها كل القيم الأخلاقية والإنسانية، وهو نمط من الهمجية التي تصور انحطاط المستوى الفكري لهذه النخب ومن دار في فلكها. ولكن رغم ذلك، فإنني أدعو جميع المسلمين إلى الحيطة وعدم الانجرار وراء مثل هذه الاستفزازات، بل أوصيهم بالصبر على هذا المكروه تأسيا بسيد الخلق الذي تعرض لشتى أنواع الأذى وكان صلى الله عليه وسلم يقابل ذلك بسكينة تذيب قلوب أعدى أعدائه، وكان موقف مجمع الفقه الإسلامي يصب في هذا الاتجاه.
^ سمحت ثورات الربيع العربي ببروز كبير للتيار الإسلامي وتنفيسا واضحا استفادت منه التيارات الإسلامية بمختلف مشاربها، بل إن منها من وصل إلى سدة الحكم، كما هو الحال في مصر، لكن أيضا سمح هذا الوضع بعودة تلك الجماعات الإسلامية المتطرفة والمتشددة إلى الساحة، مما جعل البعض يقول إن الربيع العربي كان عبارة عن فخ من شأنه أن يورط الإسلاميين أكثر. فما تعقيبكم على هذه المسألة؟
أعتقد أن ما خلفته ثورات الربيع العربي يعد مخاضا حقيقيا لا بد منه في مرحلة الانتقال من وضعية إلى نقيضها، وبالتالي فإني أرى في مظاهر التطرف الديني المنتشرة في بعض البلدان العربية هذه التي عاشت بعض الثورات أمرا طبيعيا جدا، رغم تحفظي الشديد على بعض سلوكياتها التي تكون في كثير من الأحيان عبارة عن ردود فعل تفسر ربما تضايق عموم أفراد الشعب العربي من إجراءات القمع والتشديد التي ظلت مسلطة عليهم مند عقود من الزمن، لكن مع ذلك فإن يقيني كبير في أن أغلب التيارات الإسلامية ستضطر للعودة إلى الوسطية والاعتدال في أقرب وقت ممكن، وسيكون ذلك عن قناعة وتجريب بعدما يتأكد أصحاب هذا التوجه من حقيقة تصادمهم مع المجتمع وأبناء شعبهم. ثم عليك أن ألا تنسى التضحيات الجسيمة التي قدمها الإسلاميون في سابق العهد خلال مواجهتهم للأنظمة السابقة، وبالتالي فهم الآن يعتقدون أن الانتصار على تلك الأنظمة يعد ملكا لهم وحدهم دون غيرهم، وفي الحقيقة أن ما حدث في بعض البلدان العربية لا يعد ملكا لأحد، خاصة إذا سلمنا أن منطق تغيير الأشياء يقتضي المحافظة على كرامة الناس وحريتهم وهذه حقوق عامة يشترك فيها الناس جميعا ولا يجوز لأي أحد أن ينفرد بها لوحده دون البقية، وإلا فإننا سنكون مضطرين إلى العودة إلى مرحلة القتال والتصادم وما كنا نعيشه في الفترات السابقة. ولا بد على الإسلاميين الساعين للوصول إلى السلطة أن ينتبهوا الى شيء مهم وضروري وهو أن مهمتهم الأساسية لا تكمن فقط في الانفراد بالسلطة، بل إن رسالتهم الأساسية إنما تتمثل في قيادة الشعوب إلى الخير والى حياة الكرامة اعتمادا على كل الفعاليات دون تغيير ودون تمييز، عملا بقوله تعالى “إنك خير من استأجرت القوي الأمين".


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)