الجزائر

الخير شوّار، ”يشوَّرْ” جهة ”الفجر الثقافي” كاتب القصة مبدع سيء الحظّ



الخير شوّار، ”يشوَّرْ” جهة ”الفجر الثقافي”              كاتب القصة مبدع سيء الحظّ
ليس من السهل أن تحاور في عجالة من أمرك، أحد أهم الأسماء الروائية الشابة في الجزائر، خاصة إذا كان هذا الروائي الذي يمتهن الحقل الإعلامي الثقافي بشغف. هو الخير شوار، الذي أثبت لنفسه قبل أن يثبت للقارئ بأنه قادر على أن يغوص بنا في عالم التراث الشعبي العربي العريق بأسلوب عصري أعتزّ بقرويّتي، التي نقلت ”حكاية بني لسان” من بئر حدادة إلى نيويورك ورونق إبداعي لا مثيل له، من خلال مجموعة من الإصدارات التي تزينت بها مخيلتنا آخرها عمله القصصي”حكايا بني لسان”. وللحديث عن هذا العمل وعن تجربته بشكل عام حاولت ”الفجر الثقافي” أن تغوص في أعماق هذا المبدع الشاب وتعود إلى القارئ بهذا الحوار..   القارئ لعملك الأخير، يتبادر إلى ذهنه هذا السؤال.. متى يتخلص الخير شوار من بدويته في الكتابة - إن صحّ التعبير - والتي تطغى على جل أعماله السابقة؟  ما ترينه بداوة، أنا أراه ”قروية” وشتان بين البداوة والقروية.. البداوة هي خشونة ومعاداة للحضارة، أما القروية التي أعتز بها هي الاعتزاز بقيم القرية الصغيرة التي جئت منها ولا أخجل من الانتماء إليها. لقد نشأت على تلك القيم، وإذا رأيت أني لم أتخلص منها فذاك وسام على صدري. ولعلمك فقد كتبت ”حكاية بني لسان” في القرية، عندما كنت أزاوج بين فلاحة الأرض والاشتغال على الكتابة، ولما أتيحت لي فرصة النشر وأنا في الجزائر العاصمة؛ لم أتردد في إبراز تلك التجربة التي هي جزء مني وستبقى كذلك. وأنت التي تعرفين قريتي ربما قرأتها بشكل فني، فهي ”عين المعقال” في رواية ”حروف الضباب”.     قلت إن تجربة ”بني لسان” هي إرهاصات تجربتك الروائية ”حروف الضباب”. لماذا لم تواصل تلك التجربة في جزء ثان للعمل الروائي بدل إخراجها في أقصوصة صغيرة بحجم يد؟  ”حكاية بني لسان” كما سبق أن قلت، كتبتها على هامش ”حروف الضباب”، وأثناء عملية الكتابة اجتاحتني فكرتها بشكل مفاجئ، وربما هي الوجه الآخر لـ”حروف الضباب” ذلك النص الذي بدا ”نوستالجيا” وأردته أن يكون نشيد حب عن المكان والثقافة الشعبية التي تلقيتها من أمي وأنا صغير، قبل أن أكتشف عالم التلفزيون بالأبيض والأسود. كانت ”حروف الضباب” تسير في ذلك الاتجاه، وربما كان لابد من تلك التجربة التي تستند على ثقافة تراثية شفوية إلى جانب آخر أكثر اقتراب من ”الواقعية النقدية” واللغة الساخرة وجاءت الحكاية بتلقائية. وأصدقك القول إن أغلب ممن قرأ ”بني لسان” رآها رواية وليست قصة قصيرة، ومنهم الروائي الطاهر وطار الذي قال بلغته الحازمة منذ سنتين تقريبا ”هذا النص فيه كل عناصر الرواية” نصحني بتفصيلها لاحقا حتى تكون كذلك، وعلى العموم فإن النص هو مشروع رواية تنتظر وقد أكتبها يوما.. من يدري؟     قلت سابقا، إنك استفدت من حكايا ”ألف ليلة وليلة”. كيف استثمرت هذا الموروث الأدبي الضارب في الحكاية ؟  كان ”ألف ليلة وليلة” أول كتاب أقرأه خارج المقررات المدرسية، كان ذلك في نهاية مرحلة الإعدادي وبداية الثانوي، اكتشفته بالصدفة عندما جاء به شقيقي الأكبر في طبعة لبنانية جميلة، كان نصا مدهشا، ومازالت أذكر الكثير من تفاصيل تلك الحكايا، ويبدو واضحا تأثري بتلك العوالم التي لا تختلف كثيرا عن الحكايا الشعبية التي عرفتها وأنا في سنوات عمري الأولى.     كيف تعرّف الرواية في الوقت الحالي؟  منذ مدة طويلة، لم أعد أفكر في تعريف الرواية، كما قرأته في الكتب النقدية سابقا. فقط مازالت مقتنعا أن الرواية من أعجب الفنون إن لم تكن أعجبها على الإطلاق، وما يسميها البعض ”ديوان العصر” هي عالم قائم بذاته، فإذا كانت الكرة الأرضية تمثل عالما، فإن نصا من 200 صفحة هو بالمقابل عالم عجيب. ولئن كان هذا الفن هو ديمقراطي بامتياز فليس كل ما يكتب في هذا الباب رواية ولو برز ذلك في صدر العلاف، ومن هنا تكمن الدهشة في التجارب الحقيقية ويكمن الإعجاز الذي يستعصى على التفسير.     يقول ميلان كونديرا إن مميزات الرواية المعاصرة تكمن في قدرتها على الولوج من نوافذ الكلام العادي إلى طرح بعض القضايا الكبيرة، وهي بذلك ترسم صورة لحياة معاصرة بكل فضاءاتها.. ماذا تقول أنت باعتبارك أحد رواد الرواية المعاصرة في الجزائر بنفس تراثي وشعبي محض؟  هنا يكمن الفرق بين الفن واللافن، والفن عموما ينطلق من الذات البسيطة ليعيد تشكيلة خارطة العالم. أجمل شيء يثير الإعجاب هو أن ينظر أحد إلى محيطه من خلال ثقبة مفتاح باب بيته (إن كان له بيت طبعا). فإذا استطاع ترجمة ما رآه في ظرف زمن محدد إلى كلمات فسيكتب حتما رواية جميلة.     هناك من يقول إن سبب غياب اسمك عن القائمة النهائية للبوكر للرواية في طبعتها لهذه السنة، هو اللغة الشعبية التي تكتب بها عملك الإبداعي بشكل عام؟  إذا كانت اللغة الشعبية تهمة، فأنا أعتز بها، وإذا أرادني التملص من ذاتي من أجل الفوز بهذه الجائزة أو تلك فأنا لا أريدها. الكتابة قاعدة والجائزة استثناء، ومنشورات الاختلاف اقترح مسؤولوها مشكورين العمل للجائزة وأنا أعتز بتلك الثقة، ولم أسأل بعدها ماذا حصل، لقد كانت تجربة ومرت.   كيف تنظر إلى الحركة النقدية في الجزائر، وهل ساهمت في فرز وتقييم ما يطرح في الساحة الآن من أعمال؟  قبل أن نتكلم عن النقد، لا بد أن نتكلم عن مشكلة توزيع الكتاب وترويجه بالشكل الذي لا يليق به. الكثير من التجارب الممتازة طبعت ومرت بسلام دون أن يسمع بها أحد تقريبا، حتى مؤلفوها اكتشفوا صدفة في بعض المعارض، والأمثلة على ذلك لا تحصى. وعلى سبيل المثال، قرأت بالصدفة رواية للكاتب محمد نويبات بعنوان ”زوبعة في الرأس”، صدرت منذ أكثر من سنتين في إطار تظاهرة الجزائر عاصمة للثقافة العربية دون أن تنال حظها، الأمر يتعلق برواية جميلة لو صدرت في سياق آخر لعدت حدثا ثقافيا. للأسف فإن الكثير من المطبوعات عندنا هي ”في حكم المخطوط” على حد تعبير صديقنا بوكبة.. فعن أي نقد نتحدث؟     بعيدا عن النقد، قريبا من المنتقد، ماذا يعني لك أن تكون قاصا؟  أن تكون قاصا، فأنت سيء الحظ، فالقصة القصيرة رغم صعوبة كتابتها، فلا تكاد تجد اهتماما والناشرون لا يبحثون إلا عن الرواية ”اللي تمشي في السوق”، والقصاصون من شدة يأسهم يجعلونها ممرا سريعا للرواية، وربما لهذا السبب نجد مواهب حقيقية في كتابة القصة القصيرة وما أن يصدر لأحدهم عمله الروائي الأول حتى ينسى ذلك الفن الجميل الذي انطلق منه، وكأنه أصبح حكرا على ”الفئات الدنيا” بتعبير أهل الرياضة.     علمنا أن عملك الأخير ”حكاية بني لسان” صدر أيضا باللغة الإنجليزية. حدثنا عن هذه التجربة؟  بالفعل، لقد صدرت ”حكاية بني لسان” باللغة الانجليزية في نيويورك السنة الماضية، بترجمة أنجزتها المستشرقة آنا سوانك، وصدرت عن مؤسسة ”فنون الشرق” التي تعنى بالتجارب الجديدة والملفتة للآداب الشرقية. لقد كانت تجربة جميلة جدا، وأنت تنقل قريتك الصغيرة إلى اللغة الإنجليزية.     نحن نحتفي بك مع ”حكاية بني لسان”.. كيف تنظر إلى هذا العمل وهل أنت راض عنه؟  عندما كتبت ”حكاية بني لسان” كنت أظن أن الأمر يتعلق بتسلية عابرة، لكن النص ترجم إلى الانجليزية، وقد يتحول لاحقا إلى المسرح مثلما اقترح عليّ البعض، ورآها بعض المختصين نصا احتفاليا بامتياز، كما قد أعود إليه لاحقا ليتحول إلى عمل روائي بإضفاء بعض التفاصيل للأحداث والشخصيات التي تبدو مكتملة. إنه نص محظوظ وهو يدافع عن نفسه بهذا الشكل بعد سنين من كتابته الأولى.      زرت مؤخراً بيروت، هل وجدت المدينة كما كنت تتخيلها، وهل حفزت فيك روح السفر إلى عوامل أخرى تكون أكثر دهشة؟  عند زيارتي لبيروت، كنت أعيد قراءة الأمكنة كما تابعتها في الحرب الأهلية. كنت أعرفها مكانا مكانا قبل الزيارة، ومن الطرائف أن إحدى الزميلات سألتني أين أقيم؟ فقلت لها: أنا في عين التينة ببيروت الغربية، وأجابت: لماذا تستعمل تلك المصطلحات الحربية، فلم تعد هناك بيروت شرقية وبيروت غربية. كانت رحلة ممتعة جبت فيها كل لبنان من طرابلس بالشمال إلى صور بالجنوب في أيام معدودات. لم أجد بيروت كما تصورتها، لكن للأمانة وجدتها جميلة جدا.     رغم تواجدك في العاصمة لما يناهز العشرية من الزمن، إلا أننا نلاحظ بأنك لم تنخرط في أي تكتل ثقافي على غرار اتحاد الكتاب أو جمعيات ثقافية أخرى. ما السر وراء هذا الغياب أو الامتناع؟  أفتخر بأن لي علاقات ممتازة مع مختلف الجمعيات، فلم أكن منخرطا في رابطة كتّاب الاختلاف وكنت منسق تحرير مجلتها ”الاختلاف”، ولم أنخرط في جمعية الجاحظية وأشرفت على سلسلة كتب فيها، وأحتفظ بعلاقات احترام مع مختلف أطراف اتحاد الكتّاب الجزائريين ولا يؤثر ذلك على رأيي في الاتحاد الذي أراه ميؤوسا منه دون الانتقاص من هذا الشخص أو ذاك.      أنت مطلع بشكل كبير على تجربة الملاحق الثقافية سواء في الجزائر أو في البلدان العربية الأخرى، مع العلم أنك تشرف على إحداها لأكثر من أربع سنوات. كيف ترى تجربة الجرائد الجزائرية في بعث الملاحق مقارنة بالملاحق العربية الأخرى؟  إذا دخنا في منطق المقارنات، سنظلم بالطبع الملاحق الجزائرية التي ولدت في ظروف معادية للثقافة؛ كما سنظلم الملاحق العربية الأخرى، بغض النظر عن مستوى الملاحق الثقافية في الجزائر، فإن وجودها واستمرارها مع هذه الظروف هو ضرب من المعجزات.    للأسف فإن الكثير من المطبوعات عندنا هي في حكم المخطوط.    أحتفظ بعلاقات احترام مع مختلف أطراف اتحاد الكتّاب الجزائريين، ولا يؤثر ذلك على رأيي في الاتحاد الذي أراه ميؤوسا منه دون الانتقاص من هذا الشخص أو ذاك.     حياة سرتاح


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)