الجزائر

''الخبر'' تزور عائلات البحارة الغرقى والمفقودين في تنس ألفا صياد يشتغلون وفق قاعدة ''إما أن تصطاد وإما أن تموت جوعا''


رئيس خلية الأزمة: سيتم استقدام أجهزة غطس على مئات الأمتار للبحث عن الباخرة الشهادات التي قدمتها جل عائلات البحارة الغرقى والمفقودين ممن زارتهم الخبر بتنس في ولاية الشلف، تفيد بأن هؤلاء الضحايا كانوا مرغمين على الخروج للصيد نزولا عند قاعدة إما أن تصطاد وإما أن تموت جوعا . هؤلاء خرجوا في رحلة لصيد الجمبري  على متن باخرة الخليل .. رحلة لم يعودوا منها لأحضان ذويهم، بعد عملية بحث شارفت على أسبوعها الثاني.  خرج البحارة الثمانية على متن باخرة الخليل من ديارهم يوم الخميس 29 ديسمبر الفارط، وكانت الوجهة التي اختارها عبد القادر بومدين، رئيس الباخرة، رفقة شقيقيه علي ومروان، ممن لايزالون في عداد المفقودين رفقة عبد القادر علواش، إلى جانب الضحايا الأربعة الذين انتشلت جثثهم، فريد بن عوالي، أحمد يحياوي، محي الدين رشيد ومحفوظ بوغرارة، هي منطقة كالوبران بعرض مياه سيدي عبد الرحمان بتنس. ومما يرويه بن عوالي جيلالي، الشقيق الأكبر (52 سنة) لبن عوالي امعمر، أول ضحية عثر عليها في بوهارون بتيبازة، أن طاقم الباخرة بعناصره الثمانية كلهم صيادون يشتغلون لدى أحد الخواص المسمى فريد، وهو مالك لباخرتين (الخليل) وأخرى متوقفة عن النشاط، فامعمر كان يشتغل في كل الظروف، حتى أن توتره زاد عن حده خلال الأشهر الأخيرة، بسبب تذبذب مردود هذه المهنة، فمرة يعمل ومرة يتوقف ، وفي حدود الساعة الخامسة مساء من يوم الخميس، خرج معمر من بيته غاضبا، وهو يحدث زوجته، قائلا لها إنه سيتوقف عن هذا العمل نهائيا .  ترك الفقيد وراءه ثلاثة أولاد، الأكبر يدرس بالطور الثانوي فيما تدرس البنت الصغرى بالطور الابتدائي، فعلى العموم كان المدخول غير كاف لمعيشته، حيث كلما تمر 15 يوما يتم محاسبة البحارة، بمراعاة المردود المتحصل عليه من السمك، حيث إن مالك الباخرة يأخذ  55 بالمائة من حصة الصيد، فيما تقسم الـ45 بالمائة المتبقية على الصيادين، طبعا بعد أن ينزع منها المالك تكاليف البنزين ومصاريف أخرى، ويراعى في العملية مستوى درجة كل بحار، أما العطلة فظل الفقيد محروما منها، إلا في حالة هيجان البحر . ابقوا على خير .. آخر ما قاله أحد البحارة كانت آخر كلمة نطق بها امعمر في الهاتف النقال وهو يحدث أولاده وزوجته من البحر، في حدود الساعة الثامنة والنصف ليلا، هي ابقوا على خير ، بعد أن طمأنهم أن البحر هادئ وجيد وهو الذي اعتاد أن يقول لهم تصبحون على خير . وعلى خلاف المعلومات التي أوردتها بعض الصحف عن حالة البحر غير المستقرة خلال تلك الليلة وكذا افتقاد الباخرة لمختلف الوسائل، يؤكد جيلالي شقيق الفقيد بن عوالي امعمر، رفقة بومدين جيلالي، الشقيق الأكبر للإخوة الثلاثة المفقودين، أن البحر كان هادئا على اعتبار وجود مكالمات تمت في حدود الساعة منتصف الليل، بين البحارة وبعض أصدقائهم وأقاربهم تفيد بأن البحر هادئ، بينها المكالمة التي قام بها رئيس الباخرة مع برج المراقبة في حدود الساعة الخامسة صباحا و29 دقيقة، وهي آخر مكالمة تمت. ويلتقي الجميع في قناعة واحدة مفادها بأن رئيس الباخرة كان يحوز كامل المعلومات الخاصة بأحوال الطقس، قبل إبحار الباخرة التي وإن كانت تفتقد لفاكس لتلقي نشرة أحوال الطقس، فإنها مزودة بجهاز (جي. بي. أس) والبوصلة والجهاز المؤشر لعمق المياه، إلى جانب جهاز الاتصال اللاسلكي والرادار. وكانت آخر مكالمة قام بها رئيس طاقم الباخرة، عبد القادر بومدين، مع مركز المراقبة للقوات البحرية، في حدود الساعة الخامسة و29 دقيقة صباحا، مفادها راني حاصل، حيث لصقت ألواح الشباك في الطين بعمق البحر ثم انقطعت المكالمة، مع أن مركز المراقبة أمره بقطع الكوابل التي تشد وتسند الشبكة لتفادي الخطر، وهما لوحتان حديديتان تزن الواحدة منهما نحو4  قناطير. ثلاثة أشقاء تركوا وراءهم 16 طفلا دون معيل عندما قابلنا بومدين جيلالي، الشقيق الأكبر للإخوة الثلاثة المفقودين، أمام باب منزله الواقع بالعمارة المحاذية لمنزل بن عوالي امعمر، رفض التحدث إلينا، حيث كان غاضبا مما أسماه أكاذيب بعض الصحف التي نشرت معلومات خاطئة عن الضحايا والعائلات وعن قضية الباخرة بشكل عام، لكننا أقنعناه بالمسافة الفاصلة بين القيل والقال والتنقل من العاصمة إلى مدينة تنس لاستقاء المعلومة من مصدرها، فرحب بنا في بيته، وقدم نفسه على أنه هو أول رجل تقدم إلى القوات البحرية بتنس في حدود الساعة السادسة مساء من يوم الجمعة، وصرح لرائد في القوات البحرية بعدم رجوع باخرة الخليل .  ولكن بومدين جيلالي استقبلنا بصبره وهو يواجه وضعا مأساويا موروثا عن فقدانه لثلاثة من إخوته، وهم عبد القادر رئيس الباخرة، وعلي مساعده ومروان أصغرهم سنا، كلهم متزوجون، تركوا وراءهم 16 طفلا زيادة على زوجاتهم. العائلات الثلاثة فقيرة ووضعها الاجتماعي هش للغاية، على اعتبار أن الإخوة الثلاثة رفقة جيلالي، لم يكن لديهم عمل آخر إلا صيد السمك، فإما أن يخرجوا للصيد وإلا فإنهم سيواجهون الجوع رفقة عائلاتهم، خاصة أنه لا أحد من أبناء هؤلاء يشتغل ولا حتى زوجاتهم، بل قل إن مستقبلهم بات في حكم المجهول، رغم تطمينات والي الشلف الذي تفقّد جل العائلات بالتنس وقدم تعازيه لها، ووعدهم بمنح مناصب شغل لأبنائهم خلال الأيام المقبلة، ولو أن الإعانة المالية التي وعد بها الوالي لا تتجاوز 20 ألف دينار لزوجة الضحية، فيما استفاد بعض الأبناء من مناصب شغل في إطار برامج تشغيل الشباب، والبقية لا تزال تنتظر فرصتها.  وفي الواقع، فإن الوضع الاجتماعي للصيادين في الجزائر بشكل عام، يطرح أكثر من تساؤل، انطلاقا من الروايات التي قدمها لنا عدد من صيادي السمك والسردين بمؤسسة تسيير الموانئ والملاجئ للصيد البحري بتنس، حيث تلتقي كل رواياتهم في خانة واحدة هي مواجهتهم لمشكل قلة السمك خلال السنوات الأخيرة، فضلا عن كون الصياد الذي لا يخرج للصيد يفقد قوت يومه.  أما من جانب المنح العائلية، فيقولون إنها لا تمنح لهم إلا بعد مرور ثلاثة أشهر، بعد أن يقوم الصياد بملء استمارة تثبت مزاولته لشغل لدى صاحب الباخرة، وهي مرتبطة بمردود الصيد، حيث يحرم الصياد من المنح إذا لم يكن الصيد وفيرا، فضلا عن تفاصيل أخرى يقولون إنها تتعلق بالتقاعد، على اعتبار أن ما يتقاضونه من منح ومعاشات يعد ضئيلا جدا قياسا بما يتحصل عليه باقي العمال في قطاعات أخرى. وما يمكن استنتاجه، هو عدم وجود حماية وتغطية اجتماعية لهؤلاء الصيادين، على نحو ما هو عليه الأمر بالنسبة لباقي العمال في قطاعات النشاط الاقتصادي، ما جعلهم يواجهون وضعا أشبه بالإقطاع لدى ملاك قوارب وبواخر الصيد.  مثل هذا الوضع الاجتماعي الهش، مازال يواجهه الإخوة يحياوي محمد ويحياوي امعمر، شقيقا يحياوي أحمد الذي انتشلت جثته بعرض مياه سطاوالي بالجزائر، وهو الأصغر سنا بين إخوته (42 عاما)، كان يقيم عند والدته زليخة فاطمة بحي الأغنياء بالقرب من البحر بتنس، ترك وراءه طفلين والثالث لا يزال في بطن أمه، في شهره السادس.  يقول امعمر ومحمد إن الفقيد أحمد كان يشكو يوميا ظروف هذا العمل، لأنه غير مستقر، فشهر يعمل وآخر لا، بل كلنا نشتكي من هذه المهنة التي لا تستطيع أن تصنع منها مستقبلا، فضلا عن توقف الصيادين عن الصيد خلال المرحلة البيولوجية التي تبدأ من شهر ماي إلى 31 أوت من كل سنة. هذه العائلة ورثت الصيد أبا عن جد، بدليل أن الأبناء الأربعة، بينهم الفقيد، كلهم رياس بحر، على اعتبار أن والدهم كانت له باخرة صيد اسمها الوردة البيضاء . ولا يزال محمد يشتغل كرئيس باخرة سيدي حسان بتنس، وامتهن الصيد منذ 1976، فيما لايزال امعمر يشتغل كرئيس باخرة الشدة في الله ، وعرف المهنة منذ 1981، بينما قضى الفقيد أحمد 25 عاما في الصيد. ولكن والدتهم، زليخة فاطمة (76 عاما)، ظلت في حيرة من أمرها وهي جالسة قبالتنا، تقول إني أطالب السلطات العليا بالعثور على الباخرة في أقرب وقت، حتى نتأكد من الأدلة التي تثبت أنها غرقت، فأنا لم أر باخرة تغرق ولم يظهر منها أي أثر ، خاصة أن امعمر يؤكد تحدثه مع أخيه الفقيد في حدود الساعة الحادية عشرة ليلا من يوم الخميس 29 ديسمبر سألته عن اتجاه الرياح، فقال لي إن البحر هادئ، ونحن مازلنا رفقة باخرتي بوعمامة والغزوات بكالوبران، وقال لي عندما تهب الريح الغربية سأخبرك، وهي آخر كلمة . أين هي باخرة الخليل ؟ هذا السؤال أصبح يملأ الآفاق كالوسواس على جيلالي بومدين، الشقيق الأكبر للإخوة (عبد القادر، علي ومروان) الذين لم يظهر بشأنهم بعد أي أثر، حيث رغم عملية التفتيش التي سخّرت لها كل الوسائل، لم يتم العثور بعد على حطام الباخرة. لقد تم إحضار باخرة من آخر طراز من الجزائر، إلا أنها لم تعثر إلا على جناح طائرة وسلحفتي بحر عملاقتين، بل وقامت باخرة أخرى بتمشيط المكان ولم تعثر على الباخرة . كما شاركت في عملية التفتيش سفن حربية مدعمة بسفن أخرى لحرس السواحل وحتى صيادين محترفين ولم يتم العثور على الباخرة . وبناء على كل هذه المعطيات، يرجّح جيلالي فرضية اختطاف باخرة الخليل، بعد أن تم تجريد البحارة من هواتفهم النقالة، خاصة أن البحر كان هادئا عند منتصف الليل، فضلا عن حالتها السليمة، بدليل أن محركها كان محل مراجعة لمدة شهرين وأصبح عمليا منذ أسبوعين .  هذا الطرح يدعمه بحارة آخرون بميناء الصيـد لتنـس، ممن يقولـون لابد أن هناك شيئا حدث في البحر، قطعنا مسافة 13000 متر في عرض مياه البحر ولم نعثر لا على زيت المحرك ولا على بقع البنزين ولا بذلة النجدة، ولا الصناديق البلاستيكية الخاصة بالسمك . أجهزة متطورة للبحث عن حطام الباخرة وإلى غاية الساعة لاتزال عملية البحث عن الباخرة متواصلة، بعد أن تم العثور على أربع جثث بكل من بوهارون، اسطاوالي، عين طاية والحراش، فيما لايزال أربعة مفقودين، ثلاثة من عائلة واحدة والآخر هو عبد القادر علواش. ويشير رئيس خلية الأزمة وهو مدير غرفة الصيد البحري للشلف، حسين عبدات، إلى أن وزارة النقل بصدد جمع كل المعلومات بخصوص فقدان الباخرة لتحديد مكان تواجدها، ويرجّح فرضية غرق الباخرة، على اعتبار أن عملية البحث والتفتيش عنها بدأت متأخرة بـ24 ساعة، خاصة أن هناك تيارات بحرية غربية هبت في البحر، وتكون تسببت في توجيه جثث البحارة وأغراض أخرى نحو اتجاهات أخرى، فضلا عن كون المكان الذي كانت به يتراوح عمقه بين 350 و400 متر. وجندت خلية الأزمة الحماية المدنية والصيادين والقوات البحرية، كما شاركت في عملية البحث الباخرة العلمية التابعة لوزارة الصيد، إلى جانب طائرة مروحية وطائرة خاصة بالتفتيش، كما تمت الاستعانة بسفن الصيد البحري للولايات المجاورة، مثل مستغانم، تيبازة، الجزائر، بومرداس وتيزي وزو، للبحث عن الباخرة، ولكن لم يتم العثور عليها. وألمح المتحدث نفسه إلى أن وزارة الدفاع ترتب، خلال الساعات المقبلة، لاستقدام أجهزة غطس على مئات الأمتار من عمق البحر للبحث عن حطام الباخرة. وقدّر المتحدث عدد الصيادين في المحطة البحرية لتنس بنحو2000 صياد، كلهم يواجهون وضعا اجتماعيا هشا، ويرتقب أن يتم تعويضهم بمنحة خلال الفترة البيولوجية الممتدة من شهر ماي إلى 31 أوت، حسب ما أقره قانون المالية لسنة .2012  وعلى العموم، فإن والي الشلف، خاطب عائلات الضحايا وقال لهم حرفيا إن الدولة مصممة على إيجاد الباخرة ومعرفة أسباب اختفائها من خلال فتح تحقيق، ووزارة الدفاع مصممة على ذلك، والقرار آت من السلطات العليا للبلاد .
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)