الجزائر

الجمهورية الجديدة لن تحمي أحدا بحصانته أو نفوذه


أكد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أمس، أن الغاية من تعديل الدستور «بناء جمهورية جديدة متأصّلة لا مجال فيها للحكم الفردي»، وشدّد على إبعاد عناصر الهوّية الوطنية «المفصول فيها نهائيا» عن الجدل والنقاش السياسي. وأفاد أن اختيار الفاتح نوفمبر للاستفتاء، دلالة على وحدة الشعب الجزائري.فصل رئيس الجمهورية، في عرض السبب والمبتغى من وراء إقرار مراجعة عميقة للدستور، وجعله أولوية قصوى في برنامجه الذي نال ثقة الشعب الجزائري في انتخابات 12 ديسمبر.
وقال الرئيس تبون، في رسالة قرأها المستشار برئاسة الجمهورية بوعلام بوعلام في الملتقى الدولي حول «الدستور في خدمة المواطن»، «إن مشروع تعديل الدستور، جاء وفاء لالتزامي باستكمال مطالب وطموحات الشعب التي عبّر عنها في الحراك المبارك الأصيل».
وأضاف قائلا: « فالوعود التي تعهدت بها في الحملة الانتخابية هي التزامات صادقة شرعت في تجسيدها في الميدان وفق رؤى استراتيجية واضحة ورزنامة محدّدة تستدعي من الجميع التحّلي بالواقعية وعدم الانغماس في الجزئيات والشكليات».
فما يهم بالنسبة لرئيس الجمهورية، هو الأمور الجوهرية ذات العلاقة بالأسس الدائمة للدولة، لذلك يعتبر تعديل الدستور «خطوة أساسية نحو الجمهورية الجديدة التي نؤمن بضرورة بناءها بمؤسسات قوّية واستعادة ثقة المواطن وتساوي أمام القانون».
وأكد أن مشروع تعديل الدستور يقوم على «مرتكزات وطنية عرفت توافقا وطنيا حولها تتمثل أساسا في تكريس المساواة واستقلال القضاء وأخلقة الحياة السياسية والعامة ومكافحة الفساد بكل أشكاله».
وشدّد على «عدم المساس بعناصر الهوّية الوطنية في وثيقة الدستور المفصول فيها نهائيا»، وبالتالي «لا يمكن عرضها من جديد للنقاش السياسي ولا أن تكون محل جدل «، يقول رئيس الجمهورية.
وجدّد التأكيد على أن القصد من المراجعة العميقة للدستور يتمثل «في بناء جمهورية متأصّلة بما تحمله من معاني الحفاظ على الهوّية الوطنية بأبعادها الثلاثة (الإسلام، العروبة والأمازيغية) والقيم والثوابت التي غرسها فينا جيل نوفمبر».
المسعى التوافقي
وأوضح رئيس الجمهورية، في الملتقى الذي نظمه المجلس الدستوري، أن «التوافق» شكّل القاعدة الأساسية في إطلاق مسار التعديل سواء في مناقشة المسودة الأولى أومن خلال اختيار الفاتح نوفمبر للاستفتاء الشعبي أو اللّجوء للشعب لقول كلمته.
وأكد إيمانه بضرورة أن يكون هذا الدستور توافقيا، قائلا: «أوكلتُ مهمة إعداد مشروع التعديل للجنة خبراء شُكلت من أساتذة مشهود لهم في الكفاءة بالقانون وبحيادهم السياسي».
وقال: «إن وثيقة مشروع تعديل الدستور خضعت للإثراء والمناقشة من خلال تمكين مختلف فئات المجتمع والمؤسسات والأحزاب السياسية والمجتمع المدني والأكاديميين، طيلة أربعة أشهر، رغم الظروف الصّحية الصعبة التي تعيشها بلادنا على غرار كل دول العالم».
وأكد، حرصه الدائم «على الانسجام الوطني والتوافق والأخذ برأي الأغلبية خاصة من خلال ما أسفرت عنه المناقشة المستفيضة والإثراء الواسع النطاق لوثيقة مشروع التعديل».
كما شدّد على أن الاستفتاء الشعبي بغية إقرار «الوثيقة الهامة»، نابع «من الحرص على إحداث قطيعة مع ممارسات الماضي واللّجوء إلى الشعب ليقول كلمته في سبيل بناء الجزائر الجديدة «التي يجب أن تقوم على أسس الديمقراطية الحقّة والحكم الراشد».
الفاتح نوفمبر..
وأسهب رئيس الجمهورية، لأوّل مرّة في شرح المقاصد الكثيرة لاختيار ذكرى اندلاع الثورة التحريرية موعدا للاستفتاء على تعديل الدستور، وقال: «إن هذا التاريخ لم يأت اعتباطا».
وأضاف قائلا: «إن اختيار أوّل نوفمبر، لاستشارة الشعب حول تعديل الدستور هو يوم مشهود في تاريخ الجزائر الجديدة، تستلهم فيه الدروس والعبر من جيل خالد تحمّل مسؤوليته أمام الشعب وفجّر ثورة التحرير المجيدة».
وتابع: «إن رمزية هذا اليوم وتاريخيته تضفي طابعا خاصا على الاستفتاء ليكون مفتاح لبناء جزائر متأصلة بخطها النوفمبري متطلعة لبناء الدولة على أسس وقواعد شفافة، أساسها الديمقراطية وإرساء دول الحق والقانون واستقلال القضاء وضمان حماية حقوق المواطن وحريته والحكم الراشد ومحاربة الفساد».
والرسالة أيضا من اختيار هذا التاريخ هي «أن الشعب الجزائري، شعب موّحد واحد انصهر عبر تاريخه البعيد بوحدته وقيمه الدينية والوطنية التي جسدتها مواثيق ثورة التحرير وعلى رأسها بيان أول نوفمبر»، يقول رئيس الجمهورية.
ليؤكد أنها: «رسالة تبين للجميع بأن الشعب الجزائري فصل وبصفة نهائية في مسألة الهوّية وكله عزم على الحفاظ استقراره وإفشال محاولات زرع البلبلة والشك في أوساطه».
تحديد نظام الحكم
وفي حالة تزكية الشعب الجزائري لوثيقة مشروع تعديل الدستور، فسيكون «منطلقا لإعادة بناء الدولة في ظل منظومة حكم أساسها الفصل والتوازن بين السلطات، ولا تتغوّل سلطة على أخرى ولا مجال فيها للحكم الفردي يسودها العدل وتُصان فيها الحقوق والحرّيات».
هذه الجمهورية الجديدة التي يضع قواعدها مشروع تعديل الدستور، تقوم أيضا» على ترقية دور البرلمان في مراقبة عمل الحكومة وتعزيز مؤسسات الرقابة ودسترة آليات مراقبة الانتخابات وتحسين الحكامة وترقية الديمقراطية التشاركية».
وأهم ما يتضمنه مشروع التعديل، بالنسبة لرئيس الجمهورية، تحديده طبيعة نظام الحكم ب»شبه الرئاسي» القائم على الفصل بين السلطات وتوزانها وإزالة الضبابية والغموض الذي يعتري منظومة الحكم في بلادنا.
ولم يُغفل المشروع مسألة التعايش بين برنامج رئيس الجمهورية، المنتخب شعبيا وبين ما تفرزه الانتخابات التشريعية، مع معالجة جميع القضايا، بما في ذلك مسألة التعايش في حالة النتائج التي تفرزها الانتخابات التشريعية، ففي حالة «الأغلبية البرلمانية، يعين رئيس للحكومة يطبق برنامجه بعد مصادقة البرلمان».
أما في حالة فوز الأغلبية «نكون أمام تعيين وزير أول تستنبط خطته من برنامج رئيس الجمهورية الذي زكّاه الشعب بالاقتراع المباشر»، يضيف رئيس الجمهورية.
استقلالية القضاء
الرئيس تبون، تعمّق في رسالته التي قرأها مستشاره الخاص للشؤون القانونية، في التعليق على أهم محاور الوثيقة النهائية لتعديل الدستور، وقال إنه تضمّن «استقلالية القضاء بربطها باستقلالية المجلس الأعلى للقضاء، من حيث التركيبة البشرية أومن خلال صلاحياته الموّسعة».
وأكد أن المشروع يكرّس «الحرص والاهتمام بالقاضي سواء في مساره المهني أو التكفل به ماديا، بما يضمن له حياة كريمة ويتيح له تأدية مهامه بكل استقلالية في إطار الصلاحيات المخوّلة له في الدستور وقوانين الجمهورية».
أوضح رئيس الجمهورية أن المتوّخى من تحويل المجلس الدستوري إلى محكمة دستورية «، إدخال قفزة نوعية في القضاء الدستوري لإضفاء الطابع القضائي على المؤسسة وإبعادها على الجدل السياسي وتعزيز استقلاليتها بانتخاب أغلب أعضائها، وكذا صلاحياتها الواسعة في الضبط والرقابة».
وستضطلع المحكمة الدستورية بالفصل، في ما قد ينشب من خلافات بين المؤسسات الدستورية، وتأويل وتفسير أحكام الدستور، «وهي صلاحية هامة تتطلب كفاءة أعضاء المحكمة وحياد أعضائها»، يؤكد الرئيس تبون.
أخلقة الحياة السياسية والعامة
وفي سياق آخر، لم يغفل مشروع تعديل الدستور، الشق المتعلق بأخلقة الحياة السياسة والعامة، والذي شكل أهم الوعود الانتخابية للرئيس عبد المجيد تبون، ويتجلى ذلك من إعادة النظرة في العملية الانتخابية برمتها.
وعلّق رئيس الجمهورية على دسترة السلطة المستقلة للانتخابات، بالتأكيد «أنها آلية حقيقية لإضفاء الشفافية والنزاهة على العملية الانتخابية، انطلاقا من مراقبة القوائم، إلى نهاية الاقتراع والإعلان المؤقت لنتائجه». وقال إن: «تطبيق هذا التعديل الدستوري إذا وافق عليه الشعب يستلزم تكييف أكبر عدد من القوانين مع المرحلة الجديدة ضمن منظور الإصلاح الشامل للدولة ومؤسساتها واستعادة هيبتها وثقة المواطن فيها».
وأوضح أن أوّل الطريق يتمثل في مراجعة قانون الانتخابات «الذي شكلت من أجله لجنة خبراء في القانون، بالإضافة إلى إطارات من وزارة الداخلية ذوي خبرة، لإعداد مشروع قانون يضفي الضمانات القانونية لنزاهة الانتخابات، والتقنين الصارم للتمويل السياسي للحفاظ على الإرادة الشعبية، وإزالة نظام الكوطات لمنح فرص متكافئة في التصويت والترشح حتى يحترم صوت الناخب ويتعزّز المشهد السياسي بجيل جديد من المنتخبين».
استعادة الثقة
وتمر أخلقة الحياة العامة، بحسب الرئيس تبون بمحاربة الفساد، «فما تفرزه جلسات المحاكمات التي تابعتموها مؤخرا وتتابعونها حاليا، تبين مدى عمق الضرر الذي لحق بمؤسسات الأمة وثرواتها وتفسر حدة أزمة الثقة القائمة بين الحاكم والمحكوم».
وشدّد على أن القضاء على أزمة الثقة «شرط أساسي لبناء الجزائر الجديدة التي لن يكون فيها أحد محميا بحصانته ولا بنفوذه»، داعيا إلى الصدق في القول والإخلاص في العمل والحرص على الإبداع ونكران الذات حتى يشعر المواطن خاصة الشباب أن هناك تغييرا حقيقيا وأن الدولة في خدمة المواطن». وأكد رئيس الجمهورية ثقته الكبيرة في «وعي الشعب بكل قواه وخاصة المجتمع المدني، وتجاوبه لوضع اللّبنة الأولى للجزائر الجديدة، المتمثلة في تعديل الدستور في الفاتح نوفمبر، وإرساء دولة قوّية بمؤسساتها ومجالسها المنتخبة، وبناء ثقة المواطن فيها».
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)