الجزائر

الجزائر: في حضرة بونة الحنونة (روبورتاج)



الجزائر: في حضرة بونة الحنونة (روبورتاج)
قامت بالروبورتاج شريط هناء
بونة أو كما يطلق عليها جوهرة الشرق من أجمل و أروع المدن الجزائرية.مبهرة هي بشواطئها و طبيعتها الخلابة و أحيائها العتيقة و لهجة أهلها الرقيقة و كرمهم و طيبتهم. أول ما تلمحه عيناك في حضرتها هي تلك الحركة الدءوبة التي تزيدها تألقا و تميزا عن باقي المدن، كما يشدك عندما تزورها بريق مياه شواطئها و صفائها. ما أجملها من جوهرة؛ فكل شيء مبهر في كنفها…ننسى أنفسنا وسط ذهولنا بمعالمها و مناراتها التي تشد إليها كل سائح. ما يميز بونة هو استلقاؤها على ساحل البحر الأبيض المتوسط. في بونة تلتقي الأضداد في سلاسة، فهي تلك الودودة الحنونة التي تأسرك بشراسة طبيعتها و نعومتها في نفس الوقت.. كم جميل أن تسير في أزقة عنابة و تتمتع ببراءتها عندما تبدو لك كالطفلة الحسناء على قول الكاتب عز الدين ميهوبي… بين أحضان بونة لا تستطيع التفكير في غيرها، حتى أنها تثريك حنينا إليها و أنت فيها.. هي عنابة الفاتنة التي لا تقوى على فراقها و لا تجد غير الغزل ترجمانا لمشاعرك نحوها.
* هيبو ريجوس تروي حكايتها:
هيبوريجوس هكذا كان يطلق الرومان على مدينة عنابة و قد تأسست على يد الفينيقيين في القرن 12 قبل الميلاد ما جعلها معلما تاريخيا و تحفة حضارية، كانت من أهم مقرات ملوك نوميديا و أغنى مدن إفريقيا الرومانية وتعد من أهم المرافئ البحرية أيضا بحكم موقعها الجغرافي الرائع و الذي تطل من خلاله على البحر الأبيض المتوسط مما جعل التجارة و الصناعة و الفلاحة تنشط بها آنذاك. بدخول الرومان إلى بونة أصبحت من بين أثرى المناطق ثقافيا و اجتماعيا و من هنا تسربت إليها المسيحية. كغيرها من المدن المحتلة تداولت على بونة عدة هجومات كالوندال و البيزنطيين إلا أن فترة الوجود الروماني كانت أخصب فترة عاشتها المدينة و يتضح ذلك من خلال المعالم والآثار التي لا تزال شاهدة إلى يومنا هذا على ماضيها كالساحة الكبيرة و بقايا المسرح الروماني و كنيسة القديس أوغسطين؛ الكاتب والفيلسوف النوميدي. يقال أن بونة كان لها دور فعال في قيام الدولة الفاطمية في العهد الإسلامي و قد تداول عليها الصنهاجيون ثم فيما بعد الحماديون فعاشت أحلى أيامها الإسلامية. ثم وصلها الصقلييون بدعم من الهلاليون الذين عرّبوها لتصبح بونة العربية الإسلامية، فأطلق عليها العرب اسم عنابة نسبة إلى أشجار العناب. دخلت بعد ذلك عهد الدولة الحفصية فالأوروبية ثم العثمانية لتأتي في الأخير فترة الاستعمار الفرنسي. عنابة التي استوعبت كل الحضارات لم تستوعبها أي منها فبقين عصية على الجميع. و مع ذلك، عاشت عنابة فترات حرجة على مر الزمن مما جعلها محط الأنظار و قد عاش فيها قديسين و فنانين و علماء امثال مروان بن علي الأسدي القطّان صاحب تفسير موطّأ الإمام مالك، وعلي التدكشي البوني، والولي الصالح أبي مروان الذي لا يزال مسجده قائماً إلى اليوم بالمدينة.
من المدهش أن نجد مدينة عاشت كل تلك الحروب و تداول التغيرات الحضارية و لا تزال صامدة.. هذا ما زادها تألقا و أعطاها ميزة خاصة عن غيرها من المدن و أهم ما في الأمر انك لا تمل في حديثك عنها أو التأمل في مدللة عاث فيها الإنسان لكنها على الرغم مما آلت إليه، ستبقى مأوى الجزائريين و السياح من كل مكان فهي عذراء حسناء يشدك بريق مياهها و كرم أهلها و فنها المرموق.
* عنابة اقتصادية سياحية من الدرجة الأولى
من المؤسف جدا أن نجد معظم الجزائريين يقضون عطلهم في دول أخرى في حين أن هناك مدن جزائرية لا تجد وصفا لإبداع الخالق فيها كمدينة عنابة و التي تعد من أجمل المدن السياحية في وطننا ففيها كل ما يهوى السائح خاصة في فصل الصيف فهي ساحرة تأسرك بجاذبية شواطئ ”عين عيشير” شابي” عين بربر”الرمال الذهبية” و غاباتها و مرتفعاتها و ليالي السمر فيها. كما أن عنابة تزخر بفنادق تطل على الأبيض المتوسط تعطي الزائر فرصة الاستمتاع بنسيم البحر و روعة الغروب.. إنها عنابة التي تحرك فينا الأحاسيس و جعلت العديد من الفنانين و الأدباء يعشقونها على غرار الكاتب الفرنسي صاحب رائعة المغترب البير كامو.. تعددت سبل الاستمتاع في بونة و لهذا جدير بنا أن نحافظ عليها و نطور من ثقافتنا السياحية لكي نزيد من نسبة السياح سواء من الداخل أو الخارج زيادة على هذا فعنابة من أكبر الولايات التي تلعب دور هام في اقتصاد الجزائر إذ يعد ميناؤها من بين أكبر موانئ الجزائر بعد العاصمة ووهران. كما أنها تزخر بالثروات المعدنية و النشاط الفلاحي فيها مزدهر بفضل سهولها التي تتمثل بنسبة 18,08 بالمئة من مساحة عنابة الإجمالية وفيها اكبر المصانع التي تساهم بشكل كبير في تنمية اقتصاد الجزائر و منها مركب الحجّار الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 1,5 مليون طن سنويا و بها مصنع الأسمدة الفوسفاتية و مصانع المواد الغذائية و مصنع الزئبق و غيرها من المصانع التي جعلت عنابة مدينة اقتصادية من الدرجة الأولى.
* جولة في المدينة المبهرة
اجزم أن بمدينة عنابة مناطق رائعة غير شواطئها فان أردت التمتع بمرتفعاتها ما عليك إلا ركوب التيليفيرك و الذي يتيح لك فرصة التنقل و التمتع بالمرتفعات من عنابة إلى قمم غابات سرايدي التي تشبه المناطق الخيالية التي لا نراها إلا في الأفلام.. بعيدا عن المرتفعات يرى الزائر روعة منارة رأس الحمرة ويستمتع و هو يقف على تلك الحافة لرؤيتها من بعيد فيختلط الحلم في جو رومانسي يسوده الهدوء لا يسمع إلا تلاطم أمواج البحر و صوت الطيور التي امتزجت معا لتطرب بمعزوفة طبيعية.
عنابة جميلة بأهلها و جودهم و عاداتهم الرائعة و أعراسهم المدهشة التي باتت من ميزاتهم أيضا. كم جميل أن تتجول في ساحة الشهداء أو كما يقول العنابيين ”الكور” ليلا أو نهارا ستنشرح نفسك و يرتاح بالك و ما سيزيدك حبا لها هو إحساسك بالأمان؛ فلا أحد يزعجك و أنت تتجول في أزقتها المتعددة. إنها بونة الحنونة تحتضنك كل أيام السنة إن رغبت الحلول ضيفا على أهلها.
زائر هذه المدينة الواقعة في شرق الجزائر سيودعها بحزن على أمل أن يعود مرة أخرى لزيارتها. فلا نزور عنابة مرة واحدة…يقال أن فيها مغناطيس تشد إليها زائرها فيعود ولهذا يسميها الجزائريون عنابة الجذّابة.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)