الجزائر

الجزائر تعود إلى الواجهة إقليمياً ودلياً


الدبلوماسية في عهد الرئيس تبون:
الجزائر تعود إلى الواجهة إقليمياً ودلياً
ق. ح
تعتبر الفترة ما بين عامي 2019 و2023 عنواناً كبيراً لعودة الجزائر القوية إقليميًا ودوليًا حيث كان للجزائر حضورها الفاعل في حلحلة معضلات الصحراء الغربية وليبيا واليمن ومالي ومنطقة الساحل وغيرها من بؤر التوتر والتأكيد على مواقفها الثابتة اتجاه المقاربات السلمية في حلّ هذه الأزمات فضلا عن نصرتها اللامحدودة للشعب الفلسطيني ما جعلها في دائرة استهداف محور الشر الصهيوني الاماراتي المغربي وعرابي التطبيع مع الكيان الصهيوني.
توصف الجزائر حاليا بأنها واحدة من الدول التي تتميز بالنشاط المكثف في ميدان السياسة الخارجية في منطقة شمال إفريقيا والمغرب العربي بعد فترة من الانكفاء على المستوى الخارجي وقد سارع رئيس الجمهورية مباشرة بعد انتخابه في ديسمبر 2019 إلى إعطاء نفس جديد للدبلوماسية الجزائرية وبدأ في العمل على تطويق ومحاصرة تداعيات ما يعرف بأحداث الربيع العربي في منطقة الساحل الإفريقي واتباع نهج دبلوماسية المبادئ لمجابهة الاصطفاف الجديد على الساحة الدولية جراء الانقسام الحاصل بين القوى العظمى بخصوص الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا والعمل على بلورة رؤية واقعية متبصرة للاستفادة منها ولم لا التوجه للعب دور الوساطة وفقا لما دأبت عليه الدبلوماسية الجزائرية منذ الاستقلال.
وضمن هذا المسعى رمى الرئيس تبون بالثقل السياسي والاقتصادي للجزائر في هذه المعركة وتبنى سياسة جديدة تقوم على تعزيز التعاون والانفتاح على دول الجوار العربي والإفريقي على أساس مبدأ الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ورفض الانخراط في سياسة المحاور وكذا عدم السماح بأنّ تكون الجزائر ممراً أو مساهما في إلحاق الأذى بالدول المجاورة مثلما كان عليه الحال مع التهديدات التي طالت دولة النيجر في الاشهر الاخيرة والإصرار على التنمية والحلول السلمية لفض النزاعات.
الجزائر لاعب إقليمي فاعل في منطقة الساحل
تبدو الجزائر في عهد الرئيس عبد المجيد تبون في وضع جيد سياسيا واقتصاديا وعسكريا بما يسمح لها باستعادة بريقها على الساحتين العربية والإفريقية ودورها الكلاسيكي الفاعل في تحقيق المزيد من التقارب والتكامل العربي الإفريقي.
واكتسب الرئيس عبد المجيد تبون الثقة بصفته وسيطًا إقليميًا نزيها وذي مصداقية في منطقة الساحل الإفريقي من خلال الخطوات التي اتخذتها الجزائر للتوسط في الحوار في ليبيا رغم تعدد وتعارض المصالح وخاصة من قبل بعض الشركاء الأجانب وتلتها خطوات جديرة بالثناء قام بها أيضا من أجل خفض التوتر بين الفرقاء في مالي بهدف ضمان العودة إلى تطبيق التوافقات التي تضمنها اتفاق الجزائر المبرم في سنة 2015 لإحلال السلام بين الحكومة المالية وممثلي الحركات السياسية في إقليم أزواد.
وكذلك تحركت الجزائر بواسطة الرئيس تبون من أجل التوسط لمنع نشوب نزاع عسكري على مقربة من حدودها مع النيجر من خلال العمل على التوسط بين السلطات الجديدة في النيجر التي أطاحت بالرئيس المنتخب بازوم والمجموعة الاقتصادية لجنوب غرب إفريقيا والمعروفة ب الايكواس .
وقد أدى الحراك الدبلوماسي الذي باشرته الجزائر إلى تخفيض التوتر في المنطقة وكللت جهودها بعرض مبادرة للسلام تحدد آليات العودة إلى المسار الدستوري بعد فترة انتقالية يتم خلالها فتح حوار وطني جامع وتحضره جميع القوى السياسة والفاعلة في البلاد.
وقد ساهمت جهود الوساطة الجزائرية في النيجر في منع حدوث تدخل عسكري كان وشيكا على حدودها الجنوبية ويعكس هذا التحرك الدبلوماسي جهود الجزائر لتكريس حضورها في الجوار الإقليمي والمساهمة الفعالة في حل النزاعات والوقاية منها في المنطقة.
واجب التضامن مع القضية الصحراوية
يولي رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون اهتماما كبيرا بالقضية الصحراوية من خلال استمراره في الدفاع عن عدالة هذه القضية في جل المحافل الدولية. وقد صدرت عنه أقوى التصريحات حيال هذه المسالة حيث قال في إحدى المناسبات لن نتخلى عن القضية الصحراوية بأي ثمن لأنها قضية مبدئية بالنسبة للجزائر وتابع قائلا نحن نناضل من أجل القضايا العادلة في العالم .
ويأتي هذا الموقف متناغما مع نظرة الدبلوماسية الجزائرية منذ قرابة نصف قرن إلى القضية الصحراوية باعتبارها آخر مستعمرة في القارة الإفريقية وكانت وستظل راسخة على هذا المبدأ على الرغم من حملات التضليل السياسي والإعلامي المنتهجة من قبل نظام المخزن ورعاته في عديد المنابر الدولية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي وبلا هوادة.
وجدير ذكره بأنّ الجزائر الجديدة تؤازر حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير انطلاقا مما يمليه عليها ماضيها الثوري والضمير الإنساني والأخلاقي والواجب التضامني نحو شعب يقيم بجوارها وتجمعنا به مشاعر الأخوة والمحبة.
الجزائر والقضية الفلسطينية
أعرب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال اعتلائه منصة الأمم المتحدة في الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك بأنّ الجزائر التي تعي ثمن انتزاع الحرية لن تتخلى عن مساندة القضايا العادلة ودعم الشعوب المضطهدة والتي تكافح من أجل التحرر ومن هذا المنطلق تستمر في دعم لقضية الفلسطينية لتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه غير القابلة للتصرف ومنها الحق في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع جوان 1967 وعاصمتها القدس .
ودعا الرئيس تبون الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل عقد جلسة استثنائية لمنح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في المنظمة الدولية .
وإلى جانب مختلف أشكال الدعم السياسي والمالي الموجهة للشعب الفلسطيني قاد رئيس الجمهورية مسعى لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية في شهر أكتوبر من العام الماضي باستضافة قادة الفصائل الفلسطينية الرئيسية لتوحيد هذه الفصائل وإجراء مصالحة تاريخية بين حركتي فتح وحركة المقاومة الوطنية الفلسطينية حماس وأبرمت هذه الفصائل في ختام مشاوراتها اتفاقا عرف ب إعلان الجزائر من أجل لم الشمل الفلسطيني.
القمة العربية ومبادرة لم الشمل
وشهدت القمة العربية ال31 التي احتضنتها الجزائر (الفاتح والثاني نوفمبر 2022) تحقيق نتائج استثنائية بفعل الرؤية التي طرحتها الجزائر والجهود السياسية والدبلوماسية التي بذلتها في سبيل إنجاحها والحرص الذي ظلّت الجزائر توليه لإعادة العمل العربي المشترك إلى الواجهة.
وتميّزت قمة الجزائر عن باقي القمم العربية في النتائج المتمخضة عن اجتماع رؤساء الدول والحكومات العربية وفي الرؤية الجديدة لدور الجامعة العربية وفي تفعيل الارادة العربية المشتركة للردّ على التهديدات المتنامية داخل وخارج المنطقة العربية وفي تفعيل عوامل القوة للوطن العربي في معادلة التوازنات الاقليمية والدولية لمرحلة ما بعد الأحادية الأمريكية لصالح عالم متعدد الأقطاب.
وكان تنظيم قمة الجامعة العربية في الجزائر نقلة مفصلية وتاريخية بكل المقاييس تمّ فيها لمّ الشمل لمقوّمات الوزن الإقليمي العربي.
وكان لإعلان الجزائر دفعاً قوياً نحو رؤية عربية جديدة للذات وللعالم ولكيفية إعادة ترتيب وتفعيل موازين القوة لعالم يتغير بسرعة ولا يلتفت إلى الجمود والضعف.
في مواجهة التطبيع
قبل شهرين نشر مركز مالكوم كير – كارينغي دراسة تتحدث عن جرأة الجزائر في مواجهة التطبيع مع الكيان الصهيوني من طرف دول عربية ومغاربية وجاء في الدراسة التي حملت عنوان الجزائر وتونس وليبيا تعارض التطبيع أنه وفي خضم إحتفالات الولايات المتحدة الأمريكية بالذكرى الثالثة لتوقيع مايسمى الاتفاقات الإبراهيمية التي تهدف إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني إقامة علاقات اقتصادية وسياسية مشتركة بينها وبين العالم العربي ثمة ثلاث دول مجاورة في شمال إفريقيا تُعدّ حكوماتها من بين أكثر الحكومات مناهضةً للتطبيع. فبين مصر التي كانت الأولى في إبرام اتفاق سلام مع الكيان والمغرب الذي أقام علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني ديسمبر من العام 2020 تقع الجزائر وتونس وليبيا التي تعارض جميعها بشدّة التطبيع.
وأضافت الدراسة أن الجزائر أعادت فتح مجالها الجوي أمام الطائرات المغربية للسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المغرب عقِب الزلزال الذي ضرب المغرب في 8 سبتمبر الماضي وبلغت قوته 6.8 درجات وكان مركزه بالقرب من مدينة مراكش. يُشار إلى أن المجال الجوي الجزائري كان مغلقًا أمام المغاربة منذ شهر سبتمبر 2021. مع ذلك لا يجب اعتبار هذه البادرة مؤشرًا على حدوث مصالحة في المنطقة بل واقع الحال هو أن قرار التوقيع على الاتفاقات الإبراهيمية أو التطبيع بأي شكل مع الكيان الصهيوني قد يؤدي إلى عزل المغرب أكثر عن الدول المجاور.
وعادت الجزائر مرارًا التأكيد على رفضها التطبيع مع الكيان. وعقب الاتفاق الثلاثي بين الولايات المتحدة والمغرب والكيان المحتل الذي قايض التطبيع مقابل الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية اكتسبت الجزائر جرأةً متزايدة في خطابها المناهض للمغرب والكيان الصهيوني فالأول يحاول سرقة الصحراء الغربية والثاني حاول سرقة فلسطين ومن هذا المنطلق كانت الجزائر عراب طرد الكيان الصهيوني من الاتحاد الإفريقي بعد منحه صفة عضو مراقب بطرق مشبوهة وهي الخطوات التي جعلتها في دائر استهداف محور الشر الاماراتي المغربي الصهيوني لتشويه دورها في المنطقة.
نجاح دبلوماسي جديد للجزائر
وبتاريخ السادس جوان 2023 تمكّنت الجزائر من العودة بقوة إلى الساحة العالمية من بوّابة مجلس الأمن الدولي الذي انتخبت فيه عضواً غير دائم للفترة ما بين سنتي 2024 و2025 في إنجاز دبلوماسي يؤكد مصداقيتها ومكانتها المرموقة وعلى عقيدتها الدبلوماسية في العالم.
وانتخبت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأكثر من ثلثي الأعضاء الجزائر لعضوية مجلس الأمن الدولي لمدة عامين تبدأ في الأول من جانفي 2024 حيث حصلت على دعم 96 بالمائة من مجموع المصوّتين البالغ عددهم 193 دولة وفازت أيضا في نفس السباق كل من غويانا وسيراليون وسلوفينيا وكوريا الجنوبية. وستحل الدول الخمس المنتخبة محل ألبانيا والبرازيل والغابون وغانا والإمارات العربية المتحدة.
ووصفت بعض عواصم القرار الدولي انتخاب الجزائر كعضو غير دائم جديد في مجلس الأمن الدولي ب الخبر الجيد باعتبارها دولة مشهود لها بالكفاءة والخبرة الطويلة في إدارة المفاوضات متعددة الأطراف وتوقعت أن تسهم في تعزيز عمل المجلس وأشارت إلى أن لدى الجزائر كل الأسس للمشاركة وتقديم الإضافة لأعمال المجلس على مدار العامين المقبلين .
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)