الجزائر

الجزائر الجديدة.. حربٌ شاملة ضد الفساد والمفسدين



وقف تضخيم الفواتير في الصفقات العمومية
تحيي الجزائر، اليوم، على غرار دول العالم، اليوم العالمي لمكافحة الفساد، المصادف للتاسع ديسمبر من كل عام. ولعل أبرز النتائج التي كللت جهود الرئيس تبون، في مكافحة الفساد، استعادة أكثر من 20 مليار دولار من الأموال المنهوبة، وذلك في إطار قضايا فساد تم التحقيق فيها، لاسيما تلك الأموال التي لم تهرب إلى الخارج.
أعلن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، منذ توليه مهام الرئاسة في عام 2019، حربًا شاملة على الفساد في الجزائر، إيمانًا منه بأن هذه الآفة تلحق آثارًا سلبية كبيرة بالاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء. وتجسيدًا لهذه الرؤية، اتخذت الحكومة تدابير قوية لمحاربة الفساد.
في إطار هذه الجهود، تمت إقالة ومتابعة عديد المسؤولين على خلفية قضايا فساد، مما أثبت التصميم الحقيقي على مكافحة هذه الظاهرة بجدية. ورغم أن هذه الإجراءات لا تزال في مراحلها الأولية لتعقيد الظاهرة، حيث إنها تحتاج الى سنوات طويلة من العمل والاستمرارية للوصول إلى وضع متوازن، لاسيما وأن الفساد المستشري أصبح ثقافة في الكثير من الأحيان والتغيير الاجتماعي يطلب مزيدا من الوقت والعمل.
استعادة الأموال المنهوبة
من أبرز نتائج جهود الرئيس تبون في مكافحة الفساد، هي استعادة جزء من الأموال المنهوبة من قبل الفاسدين. وقد نجحت السلطات الجزائرية في استعادة أكثر من 20 مليار دولار من الأموال المنهوبة، في إطار قضايا فساد تم التحقيق فيها. لاسيما تلك الإموال التي لم تهرب إلى الخارج. وفي أحد لقاءاته الدورية مع وسائل الإعلام، أكد الرئيس تبون أن هناك "أموالا ضخمة تم تهريبها (الى الخارج) خلال فترة امتدت من 10 إلى 12 سنة"، مشيرا الى أن "أغلب الدول الأوروبية قدمت يد العون الى الجزائر بخصوص هذا الموضوع وأبدت استعدادها للتعاون معنا من أجل استرجاع هذه الأموال وإعادتها الى خزينة الدولة الجزائرية، شريطة احترام الإجراءات القانونية.
الحد من تضخيم الفواتير
شكل تضخيم الفواتير في صفقات الشراء العمومية أو الاستيراد من الخارج، مشكلة كبيرة في الجزائر، حيث كان يستغلها الفاسدون للإثراء على حساب المال العام. وقد نجحت السلطات الجزائرية في الحد من هذه المشكلة الى حد كبير، من خلال تشديد الرقابة على صفقات الاستيراد. وتشمل الإجراءات التي اتخذتها السلطات الجزائرية، إنشاء لجنة وطنية للصفقات العمومية ووضع نظام إلكتروني لمراقبة صفقات الشراء وعمليات الاستيراد من الخارج. ونجحت الجزائر في تقليص فاتورة الاستيراد وتخفيضها تقريبا إلى النصف. وكان الهدف من هذا الإجراء، مواجهة الأزمة الاقتصادية التي عرفتها الجزائر بعد تراجع أسعار النفط وجائحة كورونا وتآكل احتياطي الصرف، بالإضافة إلى الحد من الاستيراد العشوائي.
..ومن المضاربة
تعتبر المضاربة في الأسواق، وخاصة في المواد الغذائية الأساسية، نوعاً من أنواع الفساد المجتمعي والاقتصادي. وقد نجحت السلطات الجزائرية في الحد من هذه المشكلة، من خلال إجراءات تنظيمية وقانونية صارمة. وتشمل الإجراءات التنظيمية، فرض ضوابط على بيع المواد الغذائية الأساسية، وإنشاء نظام لمراقبة الأسعار. وتشمل الإجراءات الأمنية، متابعة المتلاعبين بالأسعار واتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم، مع تشديد العقوبات، لاسيما وأن بعض المواد المدعمة تعد جزءا من الأمن الغذائي للجزائريين. ونجحت السياسات المتبعة في الحد من المضاربة، بالرغم من صعوبة المهمة، لاسيما أن قطاعات لا بأس بها من الاقتصاد المحلي تنشط في السوق السوداء والموازية، مما يصعب من عملية مراقبتها. وأكد رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة، سعي الدولة لإدخال ما قيمته 90 مليارا من أموال السوق الموازية للاقتصاد الرسمي للحد من الفساد والمضاربة التي تؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين.
ويرى الدكتور عبد القادر منصور، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن الإجراءات التنظيمية ساهمت بشكل كبير في نجاح الجهود الرامية إلى مكافحة الفساد في الجزائر، أهمها إنشاء السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، وهي هيئة مستقلة مهمتها مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في الحياة العامة، كذلك إصدار قانون جديد للوقاية من الفساد ومكافحته. يتضمن هذا القانون تشديد العقوبات على مرتكبي جرائم الفساد، بالإضافة الى تشكيل لجنة تحقيق في قضايا الفساد الكبرى، التي كشفت عن تورط مسؤولين كبار في جرائم فساد جسيمة وتمت معاقبتهم.
ويضيف الدكتور منصوري، أن سياسة شراء السلم الاجتماعي التي مورست في العقد الماضي، غذت الفساد المجتمعي، من خلال تبني سياسة إعادة توزيع الريع، وهي من الأساليب التي كانت تعتمدها السلطات السابقة، بهدف الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي. ولكن هذه السياسة كانت تولد فساداً مجتمعياً، حيث كان يستفيد منها الفاسدون دون غيرهم تقريبا. وقد سعى الرئيس تبون إلى الحد من هذه السياسة، من خلال تقديم برامج اجتماعية واضحة، مثل منحة البطالة أو الزيادة في الأجور بشكل عقلاني وفق ما يتحمله الاقتصاد الوطني. كما شدد الرئيس تبون على ضرورة منح القروض للمشاريع الناشئة، وخاصة للمشاريع التي يقودها الشباب المبدع.
جهود الرئيس تبون في مكافحة الفساد حققت بعض النتائج الملموسة، ولابد من استمرار هذه الجهود وتعزيزها، من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)