الجزائر

"الثورة" ضد المقاومة! رأي حر




من المحتمل أن تقرأ الأجيال في السنوات القادمة في حوليات القضية الفلسطينية وبلاد الشام، أن في السابع من محرم 1443 ه الموافق 21 تشرين الثاني 2012، توقف عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، بعد أن استمر ثمانية أيام، سمىّ الإسرائيليون عدوانهم هذه المرة ”عمود السحاب”، على خلاف أسماء هجماتهم وحروبهم السابقة، كمثل ”عناقيد الغضب” و”الرصاص المسكوب” إلى غيرها من العناوين التي إن دلت على شيء فإنما تدل على العُنظُوان والعجرفة، والإعتداد بالقدرة على القتل والتدمير ضد أناس أقل حيلة ووسيلة وتدبيرا.
لعل المستعمرين أرادوا أن يوظفوا من خلال الإعتداء الأخير على قطاع غزة، ”السحب” الكثيفة التي تتراكم في سماء المنطقة العربية فتكاد أن تحجب الرؤية والبصيرة، لتوجيه مسار الأحداث بحيث تلائم ترسيخ إنجازاتهم وتمدد نفوذهم وهيمنتهم.
وبالرجوع إلى عدوان ”عمود السحاب”، واستنادا إلى ما تناهى إلى السمع من تصريحات وضجيج، يُخيّل للمراقب أن طرفي الصراع، أعني المقاومين والمستعمرين، انتصر كل منهما على الآخر. وهذه مسألة يُمكن النظر فيها، ومهما يكن فإن الضباب لن يلبث طويلا قبل أن ينجلي. ولكن الغريب والمريب هو أن طرفا ثالثا، لم يشارك المقاومة في التصدي لهذا العدوان، يدّعي الناطقون باسمه أنه حقق نصرا مبينا، هنا أعني ”الثورات العربية”.
فمن المعروف أن هذه ”الثورات”، رفعت مبدأ ”تأجيل” الخوض في القضية الفلسطينية في الوقت الراهن، وإدراج مسألة الإستيلاء على السلطة في البلاد العربية الرئيسية كأولوية أساس، تتقدم على ما عداها. لقد اختزل ذلك الكبش القطري على طريقته، بالقول ”لامقاومة ولا مفاوضات”. ولكن السيد راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية، وأحد منظري هذه ”الثورات” أكد التزامه به، في الولايات المتحدة الأمريكية أمام ممثلي الإدارة وممثلي المنظمات الصهيونية أيضا. وفي المقابل فإن تعهد الحكومة المصرية الإخوانية باحترام الاتفاقيات المبرمة مع الإسرائيليين، تبطن في ثناياه تنصل هذه الحكومة من مقاومتهم والاعتراض على خططهم. أثناء العدوان على القطاع سُمح للوزراء بالمرور ولكن الأسلحة صودرت ومنع عبور المعونات الطبية. ومن نافلة القول أن الكبوش والتيوس لا تشجع النعاج على الدفاع عن نفسها.
ينبني عليه، أن ”الثورات” العربية تمثل في الواقع انعطافا أو بالأحرى انحرافا نحو تحالف في إطار صيغة لإدارة شؤون المنطقة العربية والإستفادة من نعاجها، بين الإستعمار الإستيطاني الإسرائيلي من جهة وكبوش وتيوس شبه الجزيرة العربية من جهة ثانية. وجملة القول إن الخط الفاصل يمر الآن، بعد العدوان الأخير على القطاع بين ”الثورات” التي تمدها أمارات النفط، بالمرتزقة وتأجر الإنتهازيين من أجل تزيينها والتغطية على فظائعها من جهة، وبين المقاومين من جهة ثانية. ”الثورات” لم تنتصر في القطاع، رغم أن الإسرائيليين همجٌ. بل انتصرت المقاومة، لأنها ما تزال موجودة ولأن الإعتداء عليها لم يعد نزهة، كما كان من قبل!.
خليل قانصو


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)