الجزائر

البقرة الحلوب جف ضرعها فما الحل؟



 من المعروف عن الجزائر خلال العشريات الثلاث الماضية بالخصوص أنها تستورد موارد أكثـر مما تصدر لولا نعمة النفط التي تحولت في واقع الأمر إلى نقمة فاقت العقدة الهولندية. فالجزائر أخفقت على جميع المستويات في إرساء استراتيجية صناعية بديلة، على غرار ما قامت به دول جنوب شرق آسيا أو حتى النرويج والمكسيك. كما أنها أخفقت في اعتماد بدائل خارج نطاق المحروقات وفقا لنماذج إحلال الصادرات أو إحلال الواردات على شاكلة النماذج الآسيوية. والنتيجة أن النزيف يظل أحاديا. جزائر السبعينات اعتمدت نظريات جيرار ديستان دوبورنيس وفرانسوا ببيرو في مجال الصناعات المصنعة، ونظريات مستوردة، لكنها أرادت إقحام التصنيع القصري في عالم ريفي غير مؤهل. ولم يصمد ذلك إلا سنوات قليلة، حتى وصلنا إلى مرحلة إلغاء التصنيع منذ الثمانينات إلى التسعينات. كما قمنا بالتطبيق القصري للتسيير الاشتراكي للمؤسسات بمقاربة غربية. وقمنا بالاستعانة بمكاتب ألمانية لتحديد أول مخططات النمو، واعتمدنا خيارات بيكتل الأمريكية في برنامج تأهيل وتثمين المحروقات، وغيرها من المفارقات الجزائرية. وظلت الجزائر تعتمد نموذج تدوير أو إعادة رسكلة البترودولار المشهورة بعد السبعينات، لتدرج قصرا ضمن منطق التقسيم الدولي للعمل. ومن مظاهر هذا الانخراط، النفقات الكبيرة المسجلة على مستوى واردات الخدمات. هذه الواردات عرفت نموا قياسيا من 78,4 مليار دولار عام 2006 إلى 63,11 مليار دولار عام 2009، أي أن الزيادة المسجلة قدرت بحوالي 7 ملايير دولار في ظرف ثلاث سنوات. هذا العامل ساهم في مضاعفة العجز. فالجزائر أضحت مصدر النزيف الكبير من خلال تحويلات يستفيد منها الغير على المطلق، باستثناء قلة ممن استفادوا من العلاوات والحصص مقابل الصفقات والاتفاقيات، والتي قدرها البنك العالمي في حدود 6 بالمائة. مكاتب الدراسات الدولية وشركات إعادة التأمين كانت تجني سنويا أكثـر من 3 إلى 4 ملايير دولار نظير الخدمات التي تقدمها. والجزء الكبير من هذه الخدمات يدخل ضمن منطق تدوير البترودولار الذي أبقى الجزائر ضمن البلدان الريعية غير المنتجة لثروة كبيرة خارج المحروقات، وظلت نسب النمو اصطناعية يضمنها الإنفاق العمومي في قطاعات البناء والأشغال العمومية والفلاحة، دون أن يتحقق النمو الفعلي، بينما ظل النزيف قائما. فأصول الشركات الكبرى الجزائرية يعاد تأمينها بمئات الملايين من الدولارات سنويا في الخارج، والشركات الأجنبية الكبرى أخذت حصة الأسد في مشاريع مخططات النمو، ومكاتب الدراسات الأجنبية تكفلت بدراسات السوق والتدقيق الحسابي ودراسات الجدوى لفائدة الشركات والوزارات والهيئات والبنوك. وفي المحصلة بقينا، بعد عشرية من مخططات دعم النمو، في نفس نقطة الانطلاق، وكرسنا التبعية المطلقة للخارج، دون إنتاج الثـروة خارج نطاق الريع النفطي والاقتصاد السلطاني، في وقت تواجه البلاد تحديات جفاف ضرع البقرة الحلوب في مدة لن تتجاوز ربع القرن. فما الحل يا ترى بعدها؟ hafid-soualili@hotmail.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)