الجزائر

الازمة الجزائرية... بين نزعة التغيير وتشدد السلطة



الازمة الجزائرية... بين نزعة التغيير وتشدد السلطة
تعتبر الجزائر احدى الدول العربية والافريقية المهمة في المنطقة وهي مصدر مهم من مصادر الطاقة في العالم لوجود النفط والغاز ضمن مصادر ثرواتها الطبيعية، وقد عانت الجزائر طويلاً من ويلات الاستعمار الفرنسي حتى نالت استقلالها بعد 130 عام بثورتها المعروفة التي دفعت ثمنها من دماء مئات الالاف وانتهت بمعاهدة (ايفيان) المعروفة.
وقد مرت الجزائر بأزمات عديدة لعل ابرزها ازمة الاسلاميين التي انتهت باعلان حالة الطوارىء في عموم البلاد وتولي بوتفليقة سدة الحكم، وقد قامت العديد من الاحزاب والتنظيمات باقامة التظاهرات والمسيرات المطالبة بتغيير النظام واجراء اصلاحات شاملة فيه وتحسين المستوى المعيشي وتوفير فرص عمل للشباب الجزائري.
وبعد ان جاءت الثورة التونسية والمصرية التي اطاحت بنظامين من اقدم النظم المستبدة اعطت هذه الثورات بارقة امل للشباب الجزائري في امكانية احداث تغيير حقيقي داخل بلدهم، فهل ينجحون في تحقيق هذا الحلم الذي انتظروه طويلاً؟
الجزائر تحسن صورتها
احمد جوتاري شاب عاطل عمره 28 عاما يسكن العاصمة الجزائرية واعتاد ان يعامل باستعلاء على مدى سنوات عندما يطلب من المسؤولين المحليين الحصول على فرصة عمل، لذا فقد اصيب بصدمة عندما توجه الى مكتب رئيس بلدية المنطقة التي يقطنها اذ قابله رئيس البلدية شخصيا واستضافه في مكتبه وابلغه انه سيساعده، واضاف جوتاري "لقد كان الامر مذهلا لدرجة اني سألت نفسي عما اذا كان سيحضر لي قهوة. وكأننا لم نكن نعامل قبل ثلاثة اشهر مثل الكلاب بل ان حراس الامن لم يكونوا ينظرون الينا."
هذه ليست حالة فردية فالموظفون الجزائريون الذين يركنون عادة الى الاسترخاء يقومون حاليا بتسليم قروض الاعمال ولا يفرضون عقوبات على قائدي السيارات الذين يخرقون قواعد المرور ويتساهلون مع المتهربين من الضرائب ويغضون الطرف عن المشتغلين بالتجارة دون رخصة، الامر الذي تغير هو الانتفاضات في مصر وتونس ومناطق اخرى من العالم العربي، قادة الجزائر الذين يخشون ان تشهد بلادهم انتفاضة شعبية مماثلة يعكفون على اتخاذ خطوات غير مسبوقة لمحاولة كسب الشعب في صفهم.
ويقول منتقدو الرئيس عبد العزيز بوتفليقة انه رغم موارد الجزائر الضخمة من النفط والغاز الا انها تعاني من مشكلات هيكلية عميقة تتمثل في الافتقار للحريات الديمقراطية وتفاقم البطالة وسوء اوضاع السكن. بحسب رويترز.
وهذه قضايا لا يمكن حلها بين عشية وضحاها لذلك تتصدى السلطات للمشكلات التي يمكن حله، وقال محمد لعقاب المحلل السياسي ومدرس العلوم السياسية بجامعة الجزائر "هذا مجرد اسبرين يعطى لمريض يعاني من السرطان. انه سيسكن الالم لفترة لكنه لن يحل المشكلة، ولا تتجاهل الحكومة المشكلات الاكبر، فقد رفعت حالة الطوارئ المفروضة منذ 19 عاما واعطت لاصوات المعارضة مساحة للظهور على التلفزيون الرسمي وهي مطالب رئيسية للمعارضة. كما تستثمر مليارات الدولارات في تحديث الاقتصاد وبناء منازل جديدة، لكن اسلوبها الذي يركز على القضايا اليومية نجح فيما يبدو على الاقل الان.
ففي يناير كانون الثاني المنصرم شهدت البلاد عدة ايام من الشغب بسبب ارتفاع اسعار السكر وزيت الطعام. ومنذ ذلك الحين لم تقع اعمال عنف وفقدت سلسلة من الاحتجاجات السياسية القوة الدافعة له، ويتلقى مسؤولون من مختلف انحاء الجزائر تعليمات باتباع نهج اكثر تساهلا مع المواطنين.
ففي احد الامثلة صدرت تعليمات لرجال الشرطة بعدم سحب رخصة القيادة الا في الحالات "الخطيرة جدا"، كما تلقت سلطات الضرائب تعليمات وقعها رئيس الوزراء احمد أويحيي بتأجيل بعض مطالبهم في السداد، وقال ضابط شرطة ان السلطات تتغاضى ايضا عن نشاط السوق السوداء المعروفة في الجزائر باسم (ترابندو) والتي تتضمن شبانا واحداثا يبيعون سلعا رخيصة في الاسواق دون رخصة، ومن الاجراءات الاخرى التي حظيت بالشعبية تعليق الخدمة العسكرية الالزامية التي تصل مدتها الى 24 شهرا للرجال الذين لم يؤدوا الخدمة قبل بلوغ الثلاثين، كما تعهدت الحكومة بتمويل كامل لتكاليف بدء المشروعات الصغيرة التي يتقدم بها الشبان، حيث اكد وزير المالية كريم جودي في الاذاعة الحكومية ان الاجراءات الجديدة لمساعدة الشبان ستكلف الدولة 160 مليار دينار جزائري (2.45 مليار دولار).
انقسام المعارضة
في سياق متصل ظهرت المعارضة الجزائرية منقسمة في مواجهة سلطة تواصل كسب الراي العام باعلان الرفع الوشيك لحالة الطوارئ اضافة الى اجراءات لصالح الاقتصاد والتشغيل والسكن، واعلنت المعارضة الجزائرية المتكتلة في التنسيقية الوطنية للديموقراطية والتغيير التي نظمت مسيرتين في العاصمة الجزائرية للمطالبة "بتغيير النظام"، انقسامها الى كيانين.
وانشئت التنسيقية الوطنية اثر احتجاجات وقعت مطلع السنة واسفرت عن خمسة قتلى واكثر من 800 جريح. وهي تضم ائتلافا من نقابيين وجمعيات وشخصيات واحزابا سياسية اهمها حزب التجمع من اجل الثقافة والديموقراطية الذي يقوده العلماني سعيد سعدي، وانقسمت التنسيقية بسبب مطالبة مجموعة تدعى "الجزائر السلمية" بخروج كل الاحزاب السياسية من هذه التنسيقية.
واضافة الى التجمع من اجل الثقافة والديموقراطية تضم التنسيقية حزبين آخرين وهما: الحركة الديموقراطية والاجتماعية وهو الحزب الشيوعي سابقا، والحزب من اجل العلمانية والتقدم وهو حزب غير معتمد يمثل الجناح المتطرف من الحزب الشيوعي سابقا.
وأمام رفض الاحزاب الخروج من التنسيقية قرر المجتمعون انشاء منظمة اخرى أطلقوا عليها اسم تنسيقية المجتمع المدني وانضمت اليها الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان، والنقابة الوطنية لمستخدمي الادارة العمومية، ومجموعة أس.او.أس مفقودين، واعلنت هذه المنظمات انه "امام محاولة الالتفاف حول التنسيقية الوطنية للديموقراطية والتغيير، قررنا رفض اي قيود حزبية ضيقة ونتحمل مسؤولية هذا الانشقاق". بحسب رويترز.
وجدد الجناح الثاني للتنسيقية الوطنية الذي يضم حزب سعيد سعدي والمحامي علي يحيى عبد النور (90 سنة) الرئيس الفخري لرابطة حقوق الانسان، قرار "تنظيم مسيرات كل يوم سبت في العاصمة الجزائرية" وهي احدى نقاط الخلاف بين الجناحين، وتقول منظمات المجتمع المدني أن الصورة السيئة للأحزاب السياسية لدى الرأي العام هي التي "افشلت المسيرتين السابقتين".
وبعد سنتين على اقرار التعددية الحزبية في الجزائر اندلعت اعمال عنف دموية في 1992، ما زالت مستمرة الى اليوم وان كانت متقطعة، وكان الغاء الانتخابات التشريعية التي فازت بها الجبهة الاسلامية للانقاذ، هو الشرارة التي فجرت اعمال العنف. وتبع ذلك اعلان حالة الطوارئ التي تقرر رفعها "بمجرد نشر القرار في الجريدة الرسمية".
وكان رفع حالة الطوارئ من المطالب الاساسية للأحزاب، التي اشتكت من التضييق على الحريات السياسية، وتقول المعارضة ان المطلب اكتسب مزيدا من الشرعية، بما ان السلطة تفتخر بعودة السلم الى البلاد بفضل سياسة المصالحة الوطنية التي انتهجها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يرأس البلاد منذ 1999، ولا يعني رفع حالة الطوارئ تخلي الجيش عن مكافحة الجماعات الاسلامية المسلحة التي ما زالت تنفذ هجمات كما حدث في آخر عملية اختطاف لسائحة ايطالية في الصحراء، ورغم ذلك لم تتمكن المعارضة من استغلال هذه الحركات الاحتجاجية لتحويلها الى ثورة من اجل التغيير كما في تونس ومصر.
اعلن وزيرا الداخلية والخارجية الجزائريان لوسائل الاعلام منع مسيرة للمعارضة الجزائرية المقرر تنظيمها في الجزائر العاصمة على غرار التظاهرتين السابقتين، وذلك على الرغم من الرفع الفوري لحالة الطوارئ، وقال الوزير ان "القائمين على هذه المسيرة يريدون مواجهة مع قوات الامن كي يظهروا للراي العام الوطني والاجنبي انهم يواجهون نظاما قمعيا بوليسيا".
واكد ان "المتظاهرين الذين اعتقلوا افرج عنهم جميعا"، مضيفا "اما في ما يتعلق بمسيرة 19 شباط/فبراير الماضي فلم يتم التحقيق مع اي شخص". بحسب فرانس برس.
ومن جهته، قال وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي ان المسيرات "ممنوعة فقط في الجزائر العاصمة. في سائر انحاء البلاد، يمكن تنظيم مسيرات والناس شاركوا في مسيرات عندما ارادوا ذلك"، ويشار الى ان المسيرات ممنوعة في الجزائر العاصمة منذ 14 حزيران/يونيو 2001، حيث تحولت مسيرة مؤيدة لمنطقة القبائل الى اعمال شغب اسفرت عن سقوط ثمانية قتلى ومئات الجرحى، وقرر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة رفع حالة الطوارىء بصورة وشيكة بعد 19 عاما من فرضها في مواجهة المتمردين الاسلاميين. كما تم الاعلان عن تدابير تتعلق بالاقتصاد والعمل والسكن في وقت شهدت فيه البلاد اعمال شغب مطلع العام احتجاجا على غلاء المعيشة.
الى ذلك، اكد مسؤول في الشرطة الجزائرية ان عقوبات "قاسية" ستتخذ ضد الشرطيين الذين اعتدوا بالضرب على متظاهرين اثناء تجمع طلابي امام وزارة التعليم العالي، وقال مدير الاتصال في المديرية العامة للامن العام جلالي بوداليا ان "عقوبات قاسية ستتخذ ضد اعضاء قوات الامن الذيت ارتكبوا اعمال عنف ضد طلاب"، وكانت الشرطة فرقت بالقوة تجمعا لالاف الطلاب امام وزارة التعليم العالي في بن عكنون عند مرتفعات الجزائر العاصمة، وقال احد الشهود في حينها انه راى "طالبا على وجهه دم".
على صعيد متصل طوقت شرطة مكافحة الشغب الجزائرية نحو 500 محتج حاولوا تنظيم مسيرة تستلهم انتفاضات في اماكن اخرى من العالم العربي وتحدوا قرارا يحظر المظاهرة، كما ردد المتظاهرون هتافات تطالب بالحرية والديمقراطية وحاولوا الوصول لميدان أول مايو ولكن الشرطة ابعدتهم لمكان قريب باستخدام الهراوات، ودفع المتظاهرون الى فناء مجمع سكني حيث احاط بهم رجال شرطة بخوذات ودروع واقية بالاضافة الى مئات من المارة وبعض المتظاهرين المؤيدين للحكومة، وقد يكون لاضطرابات واسعة في الجزائر اثارها على الاقتصاد العالمي لانها مصدر مهم للنفط والغاز لكن محللين كثيرين يقولون ان انتفاضة على غرار ما حدث في مصر غير مرجحة الحدوث لان الحكومة يمكنها ان تستخدم ثروتها من الطاقة لتهدئة معظم المظالم.
ونظم التظاهرة جماعات حقوق الانسان وبعض نقابات العمال وحزب معارض صغير ولا تشارك اكبر القوى المعارضة في الجزائر في حركة الاحتجاج.
وحشد عدد كبير من رجال الشرطة لمنع احتجاجات وانتشرت عشرات من مركبات الشرطة والعربات المدرعة حول العاصمة قبل ساعات من الموعد المفترض لبدء التظاهرات، واصطفت الشرطة على جانبي الشوارع المؤدية الى الميدان قرب ميناء المدينة كما وقفت قريبا سيارات مزودة بمدافع للمياه وحلقت طائرة هليكوبتر فوق وسط العاصمة، وقالت امراة تبلغ من العمر 52 عاما تشارك في الاحتجاج "اذا كانت السلطات ديمقراطية فلما لا تسمح بالمسيرة"، وألقت الشرطة القبض على بلعيد عبريكة المعارض البارز والمدافع عن حقوق اقلية البربر في الجزائر، ورفضت السلطات السماح بالمسيرات متعللة بمخاوف تتعلق بالنظام العام، واضافت انه يمكن للمعارضة التظاهر في مكان مصرح به رسميا. بحسب رويترز.
وشارك نحو 150 شخصا في احتجاجات يوم السبت الماضي في ميدان أول مايو ويقولون انه يريدون تنظيم تظاهرات بصفة اسبوعية حتى تلبى مطالبهم باتاحة مزيد من الحريات الديمقراطية.
من جهتها دعت وزارة الخارجية الاميركية الاحد قوات الامن الجزائرية الى "ضبط النفس"، وذلك غداة تنظيم تظاهرة في الجزائر العاصمة تصدى لها عدد كبير من عناصر الشرطة، وقال المتحدث باسم الخارجية فيليب كراولي في بيان "اخذنا علما بالتظاهرات الراهنة في الجزائر، وندعو قوات الامن الى ضبط النفس".
واضاف "من جهة اخرى، نكرر تأييدنا لحقوق الشعب الجزائري بما فيها حق الاجتماع والتعبير. هذه الحقوق تنطبق على الانترنت وينبغي ان تحترم"، موضحا ان الولايات المتحدة "ستتابع الوضع من كثب خلال الايام المقبلة"، ومنعت قوات امنية جزائرية قوامها نحو 30 الف شرطي قيام تظاهرة السبت تطالب بتغيير سياسي، وتم لوقت قصير اعتقال 300 شخص وفق المعارضة و14 بحسب وزارة الداخلية. بحسب فرانس برس.
أحد مؤسسي الجزائر يدعو للاصلاح
الى ذلك دعا عبد الحميد مهري أحد مؤسسي الدولة الجزائرية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للاستجابة الى موجة الاضطرابات التي تجتاح العالم العربي بتغيير نظام حكم وصفه بأنه غير ديمقراطي وعفى عليه الزمن، وبعد انتفاضتين شعبيتين في تونس ومصر تتعرض النخبة الحاكمة في الجزائر لضغوط من محتجين مناهضين للحكومة وأيضا من شخصيات نافذة بالدولة المصدرة للطاقة لاحداث تغيير.
وقال مهري الامين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم بالجزائر في خطاب وجهه الى بوتفليقة ان الجزائر في حاجة الى تغيير جذري قبل أن تحتفل العام القادم بالعيد الخمسين لاستقلالها عن فرنس، وتابع مهري في الخطاب قوله ان النظام الحاكم لم يعد قادرا على مواجهة التحديات الكبرى التي تواجه الامة، وقال ان الاصوات التي تنادي بتغيير سلمي لهذا النظام كثيرة معتبرا أن هذا التغيير يجب ألا يتأخر أكثر من ذلك، وتكتسب كلمات مهري ثقلا لانه كان شخصية قيادية في كفاح الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي وساعد في صياغة هوية البلاد بعد الاستقلال.
ومهري (84 عاما) واحد من جزائريين اثنين فقط مازالا على قيد الحياة ممن شاركوا في مفاوضات معاهدة ايفيان التي انهت 130 عاما من حكم الاستعمار الفرنسي للجزائر بعد حرب الاستقلال التي سقط فيها مئات الالاف من القتلى. بحسب رويترز.
وبموجب دستور الجزائر تتركز السلطة السياسية في يد الرئيس والبرلمان وهما منتخبان لكن معظم المحللين يقولون ان قوات الامن لها نفوذ قوي على صناعة القرار في البلاد، ويقول أشخاص مطلعون على العمل الداخلي للنظام الحاكم ان هناك ضغوطا متزايدة من داخل النظام لضخ دماء جديدة والحد من سيطرة الدولة على الاقتصاد، وقال محمد العجب الكاتب والمحاضر في جامعة الجزائر ان مهري يقدم لبوتفليقة مخرجا مشرفا لترك منصبه، ويقول محللون ان من غير المرجح حدوث انتفاضة شعبية في الجزائر لان لديها أموالا تكفي لعلاج المشاكل الاقتصادية فضلا عن عدم وجود رغبة للدخول في اضطرابات جديدة في الوقت الذي لا تزال فيه البلاد تسعى للخروج من صراع مع الاسلاميين استمر أكثر من عشر سنوات.
لكن مهري الذي قال في خطابه ان الجزائر لديها الكثير من أوجه الشبه مع مصر وتونس، وأضاف مهري الذي حارب مثل بوتفليقة ضد الاستعمار الفرنسي ان النظم الحاكمة في مصر وتونس والجزائر تضع واجهة ديمقراطية لكنها ومن خلال وسائل عدة تقصي قطاعا عريضا من المواطنين من المشاركة في الحياة العامة، ومضى يقول في خطابه ان التحدي يتمثل في وضع نظام ديمقراطي يشرك غالبية السكان في صنع القرار. وأضاف ان التغيير لا يمكن أن يتحقق من خلال قرارات فوقية.
مفاتيح فهم الأزمة الجزائرية
على صعيد متصل ورغم الطفرة النفطية التي تشهدها الجزائر، إلا أن اقتصادها لا يزال ضعيفا. فالبطالة تطال ما بين 20 و25 بالمائة من السكان، حسب منصف شيخ روحه الأستاذ في الاقتصاد في باريس، في حين تقول وزارة العمل إن النسبة في عام 2007 كانت 11 بالمائة فقط، كما أن الرشوة وصلت إلى كافة القطاعات في دولة تمسك المؤسسة العسكرية بكل مفاصله، كما أن أعمال العنف باتت شبه يومية في العديد من المدن، مثلما حدث في بلدية بوسماعيل غرب العاصمة في شهر يناير /كانون الثاني الماضي عندما قام شبان بالتظاهر من أجل حياة أفضل، مما أدى إلى مقتل شخص وإصابة العديد بجروح وأعمال عنف أخرى طالت بلدية ناصرية التي تقع على مسافة 70 كلم شرق العاصمة في 12 من شباط/فبراير الماضي بعد ان هاجم مجموعة من الشبان مركز شرطة المدينة بزجاجات الملوتوف وأغلقوا الطريق السريع المؤدي إلى الجزائر العاصمة لساعات طويلة.
الى ذلك وفي شرق البلاد، شهدت مدينة عنابة الساحلية مظاهرات احتجاجية عنيفة، حين حاول متظاهرون تنظيم مسيرة احتجاجية إلى مقر الولاية لمطالبة المسؤولين بتوفير فرص عمل وعلاوات اجتماعية، كما ارتفعت نسبة الانتحار في البلاد، حيث سجلت 203 حالات في 2009 مقابل 143 حالة في 2008 بحسب إحصاءات الدرك الوطني الجزائري، في الوقت الذي تحول فيه الانتحار حرقا لدى الجزائريين إلى وسيلة جديدة للتعبير عن غضبهم ومشاكلهم.
من جهتها تحاول بعض الأحزاب المعارضة أن تنظم نفسها من أجل فرض التغيير، وفي هذا الصدد تم إنشاء ما يسمى بـ"التنسيقية الوطنية للديمقراطية والتغيير" التي تضم عددا من الأحزاب السياسية من بينها حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" بزعامة سعيد سعدي وحزب من أجل العلمانية والديمقراطية الذي يقوده مولاي شنتوف، إضافة إلى "لجنة الدفاع عن الجمهورية" تحت إشراف وزير التربية السابق عبد الحق برارحي، و"الحزب من أجل الديمقراطية الاجتماعية" وهو الحزب الشيوعي السابق بزعامة حسين علي، ويجدر بالذكر أن حزب "جبهة القوى الاشتراكية"، الذي أسسه أحد زعماء الثورة الجزائرية حسين آيت أحمد، والذي يحظى بانتشار واسع في بلاد القبائل، رفض الانضمام إلى هذه المبادرة.
وإلى جانب هذا، هناك جمعيات كثيرة من المجتمع المدني تناضل بدورها من أجل التغيير، أبرزها "الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان" و"النقابة الوطنية لموظفي الإدارة العامة" وهي نقابة مستقلة و"تنسيقية ثانويات الجزائر العاصمة" حيث طالبت الاخيرة بتغييرات جذرية في النظام الجزائري الذي يمثله الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والانتقال إلى نظام ديمقراطي حر مستلهمة ما جرى في تونس ومصر ولديها إستراتيجية من أجل التغيير" تقوم على تنظيم مسيرة احتجاجية كل سبت في الجزائر العاصمة وفي المدن الرئيسية الأخرى، كما تفكر في الدعوة إلى تنظيم إضراب عام في البلاد.
دور الجيش
رسميا المؤسسة العسكرية لا تتدخل في الشؤون السياسية للبلاد، لكن في الواقع المؤسسة العسكرية هي الآمر والناهي والعمود الفقري للنظام. فئات كثيرة من الشعب تتهم بعض القادة العسكريين بالفساد وبنهب ثروات البلاد. و يجدر بالذكر أن الجيش الجزائري تدخل في أحداث 1988 المأساوية، مطلقا الرصاص على المتظاهرين الذين كانوا يطالبون بالتعددية الحزبية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، الأمر الذي أدى إلى سقوط نحو 200 قتيل. السؤال المطروح الآن في الأوساط الثقافية والإعلامية الجزائرية هل المؤسسة العسكرية هذه المرة ستختار الحياد إذ اشتدت عزيمة الاحتجاجات كما حصل في تونس ومصر أم ستقف كالمعتاد لحماية النظام؟


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)