الجزائر

الإعلام علم وفن



الإعلام علم وفن
كلما تقدم بنا الزمن وتراكمت إنجازات العلم والمعرفة، ابتعد الإنسان عن الارتجال وتجنب السلوك المحكوم بردات الفعل، واقترب من التعقل والدقة في تحديد الأهداف ورسم الطرق والوسائل المؤدية إليه.الإعلام اليوم في عالم الانفجار المعرفي، والتقدم التقني، وثورة الاتصالات، علم له أسسه وقواعده المعتمدة على الموضوعية والصدق والسرعة، وفن في اختيار أساليبه وطرائق توصيله إلى المتلقين (المهنية). فالإعلام صناعة تحتاج إلى مهارة وإتقان، وكما هو معروف لا تقوم الصناعة إلا على أساس من التمكن والكفاءة والدقة، ومعرفة أمزجة المتلقين وتكوينهم، ففي العالم اليوم معاهد وأكاديميات لصياغة وجدان المتلقين ومواقفهم.الإعلام يحمل رسالة تبعث إلى متلقٍ، والرسالة لا بد لها من شكل تصاغ به. فالوحدة العضوية بين المادة (الرسالة) والوسيلة (الشكل) والمتلقي وكيفياته وتكوينه، الشرط الرئيس للنجاح الإعلامي (توصيل الرسالة والإقناع).تتنوع وسائل الإعلام، فمنها المقروء والمسموع والمرئي، أما الإعلام المقروء فقد تراجع لأسباب كثيرة ومتنوعة لها علاقة بالمستوى الثقافي للمتلقين، ولسهولة واجتياح الإعلام المرئي (التلفزة)، وهيمنة الفضائيات التي دخلت كل بيت، وأصبحت من أهم عوامل تشكيل ذائقة ومواقف المتلقين بتأثير مفعول قانون الجهد الأقل.إن نشدان الحقيقة، وعدالة القضية، لا تكفيان وحدهما لصناعة إعلام مقنع ومقبول. فأدوات التضليل والتزييف، والمهارات المستخدمة كثيراً ما تشوه الحقائق، وتتلاعب بعواطف المتلقين ومواقفهم، ولمواجهة مؤثرات التقانة، والمهارات في إعلام الخصوم لا مهرب من صناعة إعلام تعتمد، إضافة إلى الحقائق، الأساليب الحديثة في أشكال الخطاب الإعلامي، ومعرفة طرائقه. فخطاب الأصدقاء، يختلف عن خطاب الخصوم . ومن يتوجه إلى مؤيديه لا يحقق نفس الغايات، عندما يتوجه بالأساليب نفسها إلى خصومه، فكيف إلى أعدائه ؟!مُخاطبة الخصوم تحتاج إلى جهود مضاعفة في البحث عن أساليب الإقناع، وتوخي المصداقية، والاستفادة القصوى من تطور التقانة في الصناعة الإعلامية. لا معرفة حقيقية ما لم تكن قابلة للخطأ باستمرارمما لا شك فيه أن أي إعلام يعتمد على مرجعيات فكرية ونظرية، يستند إليها، ولديه منظومة من القيم المعيارية تحدد أداءه وقدرته على الوصول إلى أهدافه . فإحساس المتلقي بأن المرسل يمتلك الحقيقة المطلقة، يضعف تأثير الرسالة الموجهة إليه ، ويكوّن لديه شكوكاً في مصداقيتها. كما أن أسلوب التلقين، والاستخفاف بعقول الناس يصرفهم عن المتابعة، ويشكل عندهم مواقف لا مبالية في كثير من الأحيان، مما يصرفهم عن فعل المشاهدة. العلاقة بين الإعلام ومحموله، كعلاقة الشكل بالمضمون، فالمحمول هو الفكرة ، والحامل هو الشكل. وكل إعلام يتوخى النجاح، لا بد له من مراعاة هذه العلاقة، لأن الخلل في أحد طرفيها يضعف الطرف الآخر، وفي كثير من الأحيان يسيء إليه، فالشكل المتخلف يقتل الفكرة مهما بلغت درجتها من النبل والأهمية.الإعلام يخاطب إنساناً، والإنسان ليس أحادي الجانب، وإنما هو متعدد في حضوره وتشكله. وعلى الإعلام أن يأخذ تعددية المتلقي في وحدته، ويبتعد عن تقزيمه واعتباره وحيد الاتجاه، حتى في المواضيع السياسية البحتة ، لا بد من تطعيمها بمحتوى ثقافي اجتماعي ونفسي يراعي تكوين المتلقين وأوضاعهم.الانطلاق من مفهوم تماثل المتلقين، مقتل للإعلام، لأن التنوع سمة الوجود ، والاختلاف قانونه، والناس يشتركون في العام ، ولكنهم يختلفون في الخاص، وعلى الإعلام أن يحترم خصوصيتهم ، ويحاول ما استطاع أن يبدو محايداً، وإن كان الحياد فيه وهماً، لأن غايته النهائية خلخلة قناعات المتلقي ثم إعادة تشكيله وفق الرؤى والمعتقدات التي تحملها الرسالة الإعلامية.الإعلام الناجح يحتاج إلى فكر حديث ومنطق جدلي ، وابتعاد عن أساليب التلقين ، ويتطلب ثقافة موسوعية ، وتخصصاً دقيقاً وأساليب متطورة في استخدام التقانة وتوظيفها.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)