الجزائر

الإعلام الجزائري من ''طيّابات الحمّام'' إلى ''محضيات النظام''


 تجدّد الحديث عن حرية التعبير والصحافة بقوة، خاصة بعد المبادرة الوطنية من أجل كرامة الصحفي، و همس رئيس الجمهورية إلى الأمة، وكلمته أمام وزرائه في اجتماعه بهم بتاريخ 02 ماي .2011
رئيس الجمهورية هذه المرة كان واضحا، فالأمر يتعلّق بإصدار القانون العضوي للإعلام المنصوص عليه دستوريا في المادة 123، مثلما كان مسعاه واضحا حسب بيان مجلس الوزراء، وهو تحديث المجال الإعلامي الوطني للإرتقاء به إلى مستوى تعدديتنا السياسية !
وأفتح قوسا هنا لأقول إن هذا المسعى يخيفني بحق، حتى وإن كان الحوار خوارا ومناجاة، والإصلاحات مسرحية للتنفيس والتلهية، ذلك أن الإرتقاء بالإعلام إلى مستوى تعدديتنا السياسية، يعني النزول به من مستوى طيّابات الحمّام إلى مستوى محضيات النظام وهوما يجعله أسوأ من إعلام الحزب الواحد، ذلك أن أحادية التعددية السياسية اليوم بعد أكثر من عقدين من إقرارها أسوأ من الأحادية السابقة عنها، فأحادية أحزاب المخابر، أو أحزاب الحاضنات في الولاية الـ49 يمكن وصفهم بـ محضيات النظام . وإذا ارتقت الصحافة إلى مستوى محضيات النظام ـ وجزء كبير منها يوجد حاليا في هذه الوضعية ـ فعلى حرية التعبير والجزائر السلام.
 وأطرح سؤالا بريئا براءة الأطفال: إذا كانت تعدديتنا السياسية جيدة إلى الحدّ الذي يكون مسعى الرئيس الإرتقاء بالإعلام الذي هو مفخرة النظام حتى عبر عقد الدم، والدليل الوحيد على تفتّحه على الرأي الآخر، فلماذا كلّ هذه الإصلاحات السياسية التي تمسّ حتى الدستور؟
وأغلق القوس لأقول إنه رغم أن هذا القانون يخضع حسب أحكام الدستور لترتيبات خاصة، فالمصادقة عليه يجب أن تكون بالأغلبية المطلقة للنواب، وبأغلبية ثلاثة أرباع (3/4) أعضاء مجلس الأمة، ويخضع لمراقبة مطابقة النص مع الدستور من طرف المجلس الدستوري قبل صدوره. إلا أن صدوره عن البرلمان الحالي بغرفتيه لا يبعث على الإطمئنان، فالغرفة السفلى أو اللوطانية كما يسمّيها البعض مطعون فيها حتى من أحزاب وكتل برلمانية تتشكّل منها هذه الغرفة، بل إن بعض الأحزاب تطالب جهارا نهارا منذ مدّة بحلّ البرلمان، الذي هو عبارة عن غرفة استماع وتسجيل وتمرير للمراسيم..
مهمة البرلمان بغرفتيه معلومة، فما هي مهمة نساء ورجال مهنة المتاعب؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال أودّ التذكير أن الحديث عن قانون عضوي للإعلام ليس وليد الإحتقان السياسي الذي دفع بالشباب إلى الشارع، وليس نتيجة ضغوط الواقفين في دار الصحافة، أو ساحة حرية التعبير، وإنما هو حديث يتجدّد كلما عين وزير جديد للإتصال، منذ إقرار مبدأ وضع قانون عضوي للإعلام في الدستور سنة .1996
فقد كان للوزير الشاب حمراوي حبيب شوقي مشروعه، ووعد نساء ورجال مهنة المتاعب أن سنة 1998 سيميّزها بالإضافة إلى وضع قانون جديد للإعلام، إنشاء مجلس أعلى للإعلام ومجلس إستشاري سمعي-بصري، وقانون للإشهار، وقانون أساسي للصحفي، الذي هومن اختصاص المجلس الأعلى للإعلام، مؤكدا أن أخلاقيات المهنة هي قضية المهنيّين وليست قضية السلطات المعنية.
 وما إن ذهب الوزير حمراوي حتى ذهبت معه مشاريعه، وجاء وزير آخر، وتبيّن أن الصحافة الجزائرية ليست في حاجة إلى قانون عضوي للإعلام، وإنما هي في حاجة إلى أخلاقيات المهنة، أخلاقيات تضبطها وزارة الإتصال ولم تعدّ قضية المهنيين كما قال الوزير الراحل !
ورحل وزير الأخلاقيات المعلّبة، ورحلت معه أفكاره.. لكن الحديث عن قانون عضوي للإعلام تجدّد بمجيء السيدة خليدة تومي لهضبة العناصر كوزيرة للاتصال والثقافة، والتي لم تكتف بعقد لقاءات وندوات، بل وضعت مسودة القانون العضوي للإعلام على موقع الوزارة باللغة الفرنسية.
وقد كان مشروع الوزيرة الذي أسميته آنذاك Le code squelette أشبه بالعمل الفاضح، ذكّرنا بقانون العيب في مصر. فبغضّ النظر عن المادة 12 التي تعيدنا عقدين إلى الوراء بإقرارها مبدأ الرقابة السابقة على النشر، فإن المادة 14 لا تكتفي باغتيال العناوين الإعلامية، ولكنها تكافئ الوزارة الوصية القائمة بالإغتيال، بإقرارها مبدأ جديدا في المعاملات القانونية والإدارية يتمثل في: سكوت الإدارة عن الرد على طلب إصدار نشرية يفسر بأنه رفض . والحصول على وصل الإصدار يشترط تقديم ملف أهم من ملف جواز السفر البيومتري، حيث أنه لا يكتفي بالقانون الأساسي بل يشترط دراسة الجدوى أوما يسمى دراسة إقتصادية ـ مالية للمشروع.
وعليه ومن منطلق ما شهدناه من محاولات سيئة، نتيجة الظروف السيئة التي جاءت فيها، ورغم أن حالة الطوارئ قد رُفعت، إلا أن الطبقة السياسية هي نفسها، وتفكيرها لم ولن يتغير، لا بإلغاء مرسوم، ولا بإصدار تعليمات، ولهذا أعتقد أن تأجيل هذا القانون العضوي للإعلام الذي هو بمثابة الدستور الثاني، مثلما هو الأمر مع تعديل الدستور، أفضل بكثير للمهنة والبلد من إصداره قبل انتخابات تشريعية غير مزورة، ينبثق عنها برلمان تمثيلي للقوى السياسية الحقيقية، ويتمتع بالشرعية والمصداقية.
وسواء أجّلنا الأمر إلى ما بعد الإنتخابات التشريعية لسنة 2012، أو سارعنا وتسرّعنا في إصداره قبل ذلك، فإن أفضل وثيقة يمكن اعتمادها كورقة عمل لوضع القانون العضوي للإعلام هي قانون الإعلام لسنة .1990
فهذا القانون وُضع في ظروف عادية وطبيعية، وفي مرحلة اتّسمت بالشفافية والشغف لوضع عدة تشريعية وبناء مؤسسات الدولة الديمقراطية، ولهذا فقد تضمّن حقوقا لا يجب أن نفرّط فيها.
وحتى لا يضيع ما قدّم من أجله شباب أكتوبر 88 أرواحهم فداء له، وما قدّم من أجل المحافظة عليه العشرات من نساء ورجال مهنة المتاعب أرواحهم فداء له، لابد من قراءة أحكام القانون قراءة متأنية، وفهمها نصا وروحا، لنتمكن من أخذ الصالح منها، وترك ما تجاوزه الزمن، وإضافة أحكام تزيد القانون قوة وصلابة، وتجعل مهنة المتاعب صاحبة جلالة، وسلطة للرأي العام، ومرآته التي تعكس صورة المجتمع بمساوئه وحسناته، بقبحه وجماله..
ومن المكاسب التي يتوجب العض عليها بالنواجد:
؟ الأحكام العامة مع العمل على تطويرها بما يوسّع مساحة الحرية ويقيّد الحركة المضادة والهادفة إلى المساس بحرية التعبير والصحافة. ولا أحلم بما وصلت إليه الولايات المتحدة الأمريكية التي يحظر دستورها على الكونغرس تشريع أي قانون يؤدي إلى تعطيل حرية الكلام أو النشر الصحفي، بل لا أحلم حتى بأعراف بريطانيا وقوانين فرنسا. ولكنني أحلم بممارسة إعلامية لا أُسأل عنها إلا أمام القضاء.
- تعديل المادة السادسة بما يتطابق مع التعديل الدستوري المؤكد على أن اللغة الأمازيغية هي لغة وطنية، أي النص صراحة على أن:   تصدر النشريات الدورية للإعلام العام باللغتين العربية والأمازيغية ابتداء من صدور هذا القانون. يمكن إصدار النشريات المتخصصة باللغات الأجنبية بعد استشارة   المجلس الأعلى للإعلام .
؟ الإبقاء على المادة الـ 14 المؤكدة على أن إصدار نشرية دورية حر...الخ. أي أنه لا يخضع لأية رقابة إدارية أو تحقيق أمني، أي اعتماد الرقابة اللاحقة على الإعلام لا الرقابة السابقة كما هو معمول به منذ تجميد قانون الإعلام لسنة 1990، وهوما أراد مشروع الوزيرة تقنينه.
- لابد من التأكيد وبقوة على الحقوق الأساسية للصحافيين وفي مقدمتها الحق في الوصول إلى مصادر الخبر، والحق في الاطلاع على الوثائق الصادرة عن الإدارة العمومية ونشرها ما لم تكن مصنفة ومحمية قانونا.
- النص صراحة على حق الصحفي في التشهير بمن يعرقل وصوله إلى مصادر الخبر، أو يحجب معلومات ليست محمية أو مصنفة قانونا، وتغريمه كفرد أو مؤسسة، ذلك أن الحق في الوصول إلى مصادر الخبر، والحصول على المعلومات، هو أساس الحق في حرية التعبير، والمكوّن الأساسي لثقافة الشفافية والمحاسبة، ومحاربة الفساد، وترقية الممارسة الإعلامية، ومن ثَمّ تعزيز مشاركة المواطنين في الحياة العامة، وممارسة حقوقهم وحرياتهم الأساسية.
- حق الصحافي في الاحتفاظ بالسر المهني حتى أمام السلطة القضائية، على أن يتحمل مسؤوليّة ذلك.
-حق الصحفي في رفض أي تعليمة تحريرية آتية من مصدر غير مسؤولي التحرير، وحقه في رفض ما يناقض الخط الافتتاحي لنشريته.
- لابد أن ينص القانون صراحة على أن مدير النشر يجب أن يكون صحافيا محترفا، ومؤهلا وفق الاختصاص، ذلك أن العديد من مسوؤلي النشريات التي تعجّ بها الساحة الإعلامية اليوم ليس لهم مؤهل يدخلهم الجامعة، ويترأسون فريق عمل من الصحافيين كلهم يحملون شهادات جامعية، بل إن البفارة قد سطوا على المهنة، وحوّلوها إلى مهنة مكاسب لا مهنة متاعب، وهوما لم يحدث مع مهن أخرى، فالممارس للطب يجب أن يكون طبيبا، والممارس لوظائف القضاء، الجالس أو الواقف، لابد أن يكون خرّيج الحقوق، وحتى المترجمين الذين كانوا في يوم من الأيام يجمعنا وإياهم اتحاد واحد، لا يحقّ لنا ممارسة مهنتهم ما لم نكن نحوز شهادة جامعية في الترجمة...
ما أود قوله في الختام هو أن على رموز النظام عندنا أن يدركوا أن العالم يتغير بسرعة فائقة، ويفرض على الجميع مسايرته بنسب متفاوتة، لكنه يرفض الجمود أو الصمود في وجه التغيير. وعملية التغيير هذه تعتمد إما على القوة الصلبة ، وهي تعني استخدام مختلف أساليب الضغط السياسي والإقتصادي والعسكري لإجبار الآخرين على الرضوخ والإذعان، أو تلجأ إلى القوة الناعمة ، للحصول على ما تريده عن طريق إقناع الآخرين بقبول ومسايرة التغيير، أو اللجوء إلى الإثنين معا.
والقوة الناعمة تنبثق من ثورة الإعلام والمعلومات والقدرة على تشكيلها واستعمالها بمهارة وذكاء بصفة خاصة. ولا حاجة بنا إلى القول بأن العالم يشهد الآن واحدة من أشرس المعارك التي تستخدم فيها القوة الناعمة الإعلامية خاصة، لخدمة أهداف سياسة الجبابرة والأقزام على حد سواء، وحتى الدول التي يتعذّر عليها استعمال القوة الصلبة لعدم امتلاكها لأدواتها تستعمل القوة الناعمة الإعلامية لامتلاكها الثروة المادية والفكرية أو شرائها للأخيرة...
والجزائر تملك عناصر القوة الناعمة لكنها لا تُحسن استخدامها، أو بالأحرى لا تريد استخدامها بما يُضعف دولة Les Clans ذلك أن هؤلاء الزمر ، (بتسكين الزاي) كما ينطقها العامة هم مثل الأخطبوط بأذرع متعددة تقبض على جسم الدولة بقوة، لا يريدون جزائر قوية، وأكثر ما يرعبهم إعلامها الذي لا يهبط إلى مستوى محضيات النظام ، وإنما يرتقي إلى مستوى الإعلام الحر، مثلما ترعبهم فكرة دولة المؤسسات التي ترتقي ببلدنا إلى مصاف الدول المتقدمة والديمقراطية في آن واحد..
بقلم: بشير حمادي

لابد أن ينص القانون صراحة على أن مدير النشر يجب أن يكون صحافيا محترفا، ومؤهلا وفق الاختصاص.

مدير المدرسة العليا للصحافة ابراهيم براهيمي بخصوص قانون الإعلام الجديد
اقتراح حق عدم كشف الصحفي عن مصدره ومهلة الطعن بشهرين بدل  3سنوات
 قال مدير المدرسة العليا للصحافة والإعلام إبراهيم براهيمي، إن من بين المقترحات الهامة التي قمنا بصياغتها قصد تقديمها للجنة التي ستعكف على إعداد القانون الجديد للإعلام، تحديد مهلة الطعن أمام الصحفي بشهرين أو ثلاثة أشهر بدلا من 3 سنوات، وكذلك إقرار حق عدم الكشف عن المصدر لأول مرة قصد حماية الصحافيين، ولا سيما أن هذا الحق غير مكفول في قانون الإعلام الساري المفعول.
أوضح الأستاذ ابراهيم براهيمي في معرض إجابته عن سؤال يتعلق باللجنة المستقلة التي يزمع وزير الاتصال إنشاءها لأجل إعداد قانون الإعلام الجديد، أن ذلك يعدّ شيئا ايجابيا، ولكن ينبغي حسبه أن تحتوي اللجنة على أساتذة جامعيين متخصصين في القانون وكذا إشراك صحافيين في عملية إعداد وصياغة القانون على نحو ما حصل في قانون .1990
 وقال، إنه تم الاتفاق خلال الملتقى الذي نظم بولاية ورفلة مؤخرا حول قانون الإعلام، على ضرورة الإبقاء على المكاسب التي جاء بها قانون 1990، بينها المادة 14 التي تنصّ على حرية إنشاء الصحف والدوريات والمادة 34 التي تنصّ على مادة الضمير. ومن بين المقترحات الأخرى، ضرورة تحديد مهلة الطعن أمام الصحفي بشهرين أو ثلاثة أشهر بدل من 3 سنوات، حيث أن الصحفي الذي هو محل متابعة قضائية نتيجة تهمة القذف، ليس بوسعه الطعن في القضية إلا بعد مرور 3 سنوات، ما يعد بالتالي مساسا بحرية الصحفي، مع أن كثيرا من البلدان الأوروبية ما تزال تطبّق إلى غاية اليوم مهلة شهرين فقط. كما يصرّ المدافعون عن حرية الصحافة، مثلما يضيف، على إقرار حق عدم الكشف عن المصدر لأول مرة لأجل حماية الصحافيين، حيث أن هذا الحق غير مكفول لهم في قانون الإعلام الساري المفعول.
 وأكّد مدير المدرسة العليا للصحافة والإعلام أن هناك مطالب أخرى قمنا بصياغتها لابد أن تأخذها اللجنة المستقلة مأخذ الجد، بينها العودة إلى المجلس الأعلى للإعلام، أو مجلس أعلى للسمعي البصري إذا ما قررت السلطة الاعتراف بالحق في الاتصال بدلا من الحق في الإعلام، وكذا مؤسسات تتولى مراقبة عملية السحب والتوزيع، مرورا بسنّ قانون جديد للإشهار الذي رفضه مجلس الأمة خلال السنوات الأخيرة. وقال، إنه ينتظر أن تُرفع مقترحات أخرى للجنة التي سيتم تشكيلها تتعلق بإعانات الدولة للصحف سواء مباشرة أو غير مباشرة، كتخفيض 50 بالمائة في الضرائب، و50 بمائة في المواصلات و50 بالمائة في الاتصالات الهاتفية والأنترنيت والفاكس. أما الإعانات المباشرة فتتمثّل في ضبط قائمة تمثّل 10 بالمائة من الجرائد، وتقدم لها إعانات خاصة، لكن على شرط أن لا ندعم تلك التي تشجّع الرداءة، وهذه الإعانات تتماشى والمفهوم الجديد للخدمة العمومية.
الجزائر: نوار سوكو   دعوة للمساهمة في النقاش
 مساهمة منها في إثراء النقاش حول وضعية قطاع الإعلام في الجزائر عموما وحول ما يجب أن يحمله قانون الإعلام بصفة خاصة، تفتح الخبر هذا الفضاء الحر للمهنيين والسياسيين والمثقفين للمساهمة بآرائهم ومعايناتهم واقتراحاتهم، على أن لا يتجاوز حجم المساهمة 700 كلمة، وأن لا تحوي على أي سبّ أو قذف أو شتم، وأن ترسل على البريد الإلكتروني الآتي :
mediadebat@elkhabar.com



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)