الجزائر

الإرادة السياسية أساس أي خطة للإقلاع



تبرز أهمية إعادة رسم استراتيجية وطنية اقتصادية واجتماعية، كضرورة ملحة لمرحلة ما بعد كورونا خاصة بعد التركة الثقيلة للمرحلة الماضية، وزاد من تعقيدها انهيار أسعار البترول والوباء، ما حتّم اتخاذ إجراءات جادة بمنح القروض، الغاء الضرائب وعقوبات التأخر عن الدفع وتأجيل دفع الاشتراكات، لفائدة المؤسسات والعمل على ترتيب الأولويات والانطلاق من عناصر القوة التي تمتلكها الجزائر، على حد قول الخبير المختص في القراءات السياسية والاقتصادية، الدكتور أحمد سواهلية في تصريح ل «الشعب» للوصول الى برّ الأمان.في تقييمه للوضع الاقتصادي، أوضح سواهلية في حديث ل «الشعب»، أن الجزائر تمتلك اقتصادا هشا لأن السياسات السابقة لم تكن لها ارادة فعلية في بناء اقتصاد على أسس حقيقية، وهو ما خلق وضعا مهلهلا كان له الأثر على كل الأصعدة سيما انهيار احتياطي الصرف من 200 مليار الى 62 مليار دولار مع نهاية 2019، عجز في الميزان التجاري ب 15 مليار دولار، منظومة مصرفية ثقيلة والاعتماد التام على ايرادات المحروقات.
وبحسب الخبير، فإن مازاد الطين بلّة الوضع الصحي الذي أدى الى ركود اقتصادي ومؤسساتي، وبالتالي توقف الجباية العادية التي تمثل مصدرا هاما للخزينة العمومية، ناهيك عن تقلبات أسعار النفط، ماعقّد من الوضع الاقتصادي المحلي، بل أدى الى توقف الكثير من المجالات لاسيما الأنشطة الخدماتية والتجارية.
وبحسب سواهلية، بالرغم من الوضع العام الهش الذي يعيشه الاقتصاد الجزائري، إلا أن النهوض مجددا ليس مستحيلا فكل شيء مرتبط بإرادة سياسية حقيقية، لأن التحدي يكمن في كيفية الخروج بالاقتصاد الى بر الأمان بعد أزمة كورونا، وهنا تبرز - بحسبه- أهمية اعادة ترتيب الأولويات، انطلاقا من مكامن القوة الاقتصادية لبلادنا، والتي ترتكز أساسا على الصناعة والفلاحة بالتوازي دون التنازل عن قطاع المحروقات على غرار ما يروّج له البعض، لأن في ذلك مغالطة كبيرة .
وفي هذا الشأن، تطرق المتحدث إلى ضرورة الذهاب نحو توسيع الاستثمار في المجال الطاقوي والتخلص من استيراد النفط الصافي، وإنتاج زيوت السيارات، البنزين وتوسيع الصناعة البتروكيماوية، وهذه المجالات تحتاج الى توفير يد عاملة مؤهلة، ناهيك عن التوجه نحو إنتاج الغاز المكثّف، لأن أسعاره تنافسية و جيّدة في الأسواق الدولية.
وبالعودة الى التنوع الاقتصادي الذي يبقى البديل الذي يفرض نفسه كخيار حتمي للجزائر، أوضح سواهلية أنه لابد من الاهتمام بالقطاعات التي تمتلك فيها الجزائر قدرات وامكانيات تسمح بتكوين قاعدة متينة تكون أساسا لنشاطات أخرى وقادرة على خلق مناصب شغل دائمة، ويتعلق الأمر بقطاعي الصناعة والفلاحة .
وبحسب المختص، يمثل قطاع الفلاحة أهم قطاع كونه مصدر وخزان المواد الأوّلية لصناعات أخرى، حيث يعادل الأمن الغذائي الأمن الطاقوي في الاقتصاديات الكبرى في العالم، مشيرا إلى أن المقصود هنا ليس الزراعة من خضروات وفواكه، بل الثروة الحيوانية التي هي الأخرى مصدر أو مادة أولية لصناعات أخرى غذائية وصناعية كاللحوم والجلود والصوف، بالإضافة الى الثروة الغابية التي تمثل مصدرا لصناعة الخشب، وهي لحد الساعة غير مستغلة جيدا.
وأشار سواهلية، الى أن نجاح هذه المجالات لا يكون إلا بتحقيق تكامل اقتصادي في اطار حلقات مؤسساتية فاعلة ومتينة ترافق أي انتاج من النقل والتخزين والتسويق والتصدير ذات ميزة تنافسية بداية من المنتجات الفلاحية التي يمكن أن تكون قاطرة للصناعات المختلفة.
واعتبر الخبير السياحة في بلادنا غير قادرة على أن تكون قطاعا فعالا وبديلا اقتصاديا يساهم في تغيير المعادلة الاقتصادية مقارنة بقطاعات أخرى، رغم ما تكتنزه الجزائر من امكانيات وقدرات طبيعية، حموية و تراث مادي ولا مادي، لكن طريقة استغلالها والترويج لها بعيدة كل البعد عن المعايير العالمية المتعارف عليها، فيما تبقى السياحة الداخلية هي البديل المتاح عبر الهياكل الفندقية المتوفرة والتي تبقى هي الأخرى قليلة وغير تنافسية.
ويبقى الصيد البحري والموارد الصيدية بكل ما يمتلك من امكانيات غير مستغل بالطريقة المثلى رغم المحاولات المحتشمة التي لا ترقى للمستوى المطلوب.
الطاقات المتجدّدة مجال واعد
وفي المقابل اعتبر المتحدث أن الطاقات المتجددة مجال واعد وسهل الاستغلال كونها نظيفة، متجددة وبيعية، ومتاحة سيما في انشاء مزارع للإنتاج على مد البصر من صحرائنا، مثمنا انشاء وزارة خاصة بها، ما سيمكن من رسم استراتيجية واضحة المعالم في هذا الخصوص والاستغلال الأمثل لها لتلبية الاحتياجات الوطنية ولم لا التوجه نحو التصدير، كونها تكنولوجيا حديثة نظيفة.
كما أشار سواهلية، إلى ضرورة اعتماد تكنولوجيات الإعلام والاتصال في كل المجالات، لأنها تساهم في توفير وتحقيق الكثير سواء ما تعلق بربح الوقت، تخفيف الاعباء المالية، والمعاملات التجارية من دفع و تسويق الكترونيين، موضحا أن هناك دول قائمة على اقتصاد المعرفة وحققت قفزة نوعية، فيما أشار أن مؤسسات المناولة والناشئة تبقى مجموعة من الوسائل والآليات التي من شأنها تحقيق التنمية الاقتصادية لأي مشروع استراتيجي كبير.
وتحدث المختص في القراءات السياسية والاقتصادية، عن الجانب الاجرائي والمالي الذي يجب أن يرافق أي استراتيجية أو خطة اقتصادية، بداية بالسياسات التجارية الجمركية الضريبية والمصرفية التي يجب ان تكون هي الأخرى عنصرا مساعدا وبتذليل كل العقوبات التي من شأنها أن تعرقل نشاط المؤسسات الاقتصادية سيما الفلاحية منها، لأنها قادرة على خلق مناصب شغل دائمة لا موسمية وفي مناطق نائية أو بعيدة .
البنوك مطالبة بالتحوّل نحو الاستثمار
وبحسب الخبير يتعين تحسين النظام المصرفي الذي يبقى ثقيلا جدا ولا يتماشى مع العجلة الاقتصادية المتسارعة، بدل الاعتماد على الخزينة العمومية وإيرادات الدولة، حيث يجب عليها التحوّل الى ما يسمى بالبنوك التجارية أو الصناعة البنكية، من خلال ولوج عالم الاستثمار في مشاريع هامة بدل التمسك بالدور التقليدي كمؤسسات لتدوير الأموال فقط، ومن هذا المنطلق تعتبر الصيرفة الاسلامية جريئة نوعا ما في هذا المجال، حيث تجدها تدخل كشريك في العديد من المشاريع والربح أو الخسارة .
كما على البورصة ان تطور من نشاطها وتتحول بالفعل الى آلية لتمويل المؤسسات الاقتصادية بطريقة ربحية - على حد قول الخبير - من خلال السماح للمواطنين بشراء الأسهم و تنشيط رؤوس الأموال بدل اكتنازها في المنازل والبنوك وهو دور يجب أن تقوم به حتى المؤسسات نفسها.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)