الجزائر

"الأنتيكة" هواية راقية من عبق التاريخ



يعد جمع التحف العتيقة أو "الأنتيكة" من الهوايات التي يمارسها الكثيرون حول العالم، ويتميزون بذوق راق في اختيار قطع أثرية قديمة تعكس حضارة معينة، إذ هناك من تدفع بهم هذه الهواية إلى التنقل من دولة إلى أخرى لحضور مزادات علنية واقتناء بعض هذه القطع. وفي الجزائر، هناك هواة يجمعون القطع النادرة القديمة التي تخلى عنها البعض أو اضطر أصحابها إلى بيعها بسبب ضيق مالي أو عدم الاهتمام بها، ليعيدوا لها بريقها ويحتفظون ببعضها أويعيدون بيعها لمن يقدّر قيمتها، ويعتبر منصف الدين بن حفيظ، أحد جامعي القطع الأثرية القديمة، كان ل«المساء" حوار معه على هامش الأسبوع الثقافي الأمازيغي بقصر "الرياس" في العاصمة، فحدثنا في هذه الأسطر عن سبب اهتمامه بهذا العالم.❊ بداية كيف دخلت هذا العالم؟
❊❊ قبل سنوات، كنت أعمل محاسبا وأهتم في وقت الفراغ بجمع القطع القديمة وأعيد بيعها، ونظرا للاهتمام المتزايد من طرف المواطنين، ارتأيت التفرغ لهذه "الهواية"، لأنني من فئة الشباب الذين يعشقون القديم، وهي هواية راقية بكل معنى الكلمة، فبعد جمع القطع المتعددة، تخصصت في الأواني، مثل الصحون والأباريق...
❊ ما سبب اهتمامك بالقطع القديمة، رغم تخلي البعض عنها؟
❊❊ أنا واحد من بين الكثيرين الذين يعشقون القطع الأثرية إلى النخاع، فهي تحف فنية صنعها حرفيون قبل عقود من الزمن، رغم قلة الإمكانات آنذاك، حيث كان لهم الوقت الكافي لابتكار قطع مصنوعة باليد بدقة متناهية، تحمل جمالا لا يضاهى ولا نجده في القطع الحديثة، وكانت تصنع من خامات ومواد أصلية جعلتها تصمد، رغم مرور سنوات طويلة، على غرار النحاس، الفضة والذهب، وتحمل أيضا نقوشا ترمز إلى حضارات قديمة تترجم عراقتها وأصالتها. كما أن لتلك القطع القديمة قيمة معنوية، فالتأمل في قدمها شيء مثير للاهتمام، وهي ثقافة قائمة بحد ذاتها.
❊ ما مقصودك بثقافة قائمة بحد ذاتها؟
❊❊ القطع القديمة أو ما يعرف "بالأنتيك"، علم يدرس اليوم في العديد من دول العالم التي شهدت تعاقب حضارات على أرضها، الأمر الذي يدفعها إلى دراسة وتحليل مرجعية القطع، ومن أي حضارة هي، ويتم تحديد تاريخها وأصولها وفق بعض المعايير، ومن خلال ذلك، يتم تصنيفها وفق قيمتها المادية، فالأمر يستدعي وجود خبراء وأخصائيين في الأمر، وهي تتطلب دراسات عميقة. فالمهتم بذلك لابد أن يكون له ثراء ثقافي في التاريخ والحضارات القديمة والإنسانيات، وفي الجيولوجيا وعلوم أخرى، لمعرفة تصنيف تلك القطع، حسب الحضارة التي تنتمي إليها.
❊ من أين جئت بمختلف القطع التي تملكها وتعرضها؟
❊❊ بعد السنوات الطويلة التي قضيتها في هذه المهنة، اكتسبت عددا من المصادر التي تتصل بي في كل مرة، في حال عثورها على قطع معينة، أو في حال رغب البعض من محيطهم في التخلي عنها، وغالبا تكون من البيوت القديمة من أعالي القصبة، أو من المحمدية أو مختلف المناطق التي تشمل البيوت "المستعمرة"، التي وجد بها أصحابها بعد دخولهم إليها، قطعا تعود إلى حضارات قديمة، ومن ثمة، أنتقل إلى تلك المناطق لجمعها ودفع مبلغ مقابلها، لأعيد تصليح البعض منها إذ تطلب الأمر، وأعرضها على المهتمين بها.
❊ في هذا الخصوص، هل يوجد مهتمون ب"الأنتيكة" في الجزائر؟
❊❊ هذه الثقافة مرت بثلاث مراحل مهمة هي؛ الاهتمام، عدم الاهتمام ثم الاهتمام، والمقصود بذلك في أول مرحلة كان الجزائريون بعد عثورهم على القطع القديمة، سواء من الحضارة العثمانية أو قطع خلّفها المستعمر الفرنسي، يستغلونها ويجعلونها من الأدوات اليومية، لم يتم تداولها في تلك المرحلة بين الباعة والزبائن، إنما بقيت حبيسة البيوت التي تواجدت فيها من الأول، لكن بعد فترة وفي أول مراحل "الحداثة"، تخلت عنها بعض الأسر واستبدلتها بقطع أكثر عصرنة، حيث وجدت أن تلك القطع مرت عليها فترة طويلة وتستدعي التغيير، في حين تخلى عنها آخرون بسبب الغلاء المعيشي، وباعوها مقابل مبالغ تسمح لهم باقتناء حاجيات أخرى، لكن في المرحلة الثالثة، أعيد الاعتبار لتلك القطع التي أصبح البعض يبحث عنها، نظرا لجمالها الفريد واختلافها عن باقي القطع الحديثة، رغم جمالها فهي لا تضاهي قطعة من زمن قديم، وأصبحت تدرس في فنون الديكور والتزيين. وعليه وجدت هذه السوق زبائنها ومعجبيها الذين يتصلون في كل مرة بي لطلب الجديد، وإذا كان هناك قطع فريدة يقتنونها.
❊ هل الطلب المتزايد هو ما جعل السوق تشهد ارتفاعا ملحوظا في الأسعار، رغم قدم تلك القطع؟
❊❊ بطبيعة الحال نعم، فالسوق لها قوانينها، كلما زاد الطلب زادت الأسعار بسبب ندرة المنتجات، وهو حال سوق" الأنتيكة"، فضلا عن دخول أخصائيين هذا العالم، يدركون قيمتها المادية وفقا للسوق العالمية بالنسبة لبعض القطع النادرة التي تصلح للمتاحف، ومن هناك خصصت لتلك القطع محلات خاصة للعرض، تختلف بين أوان فخارية، قطع نحاسية، حلي فضية، زراب، أباجورات، لوحات فنية، وثائق تاريخية، صناديق خشبية وغيرها من القطع التي تصلح للتزيين.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)