الجزائر

الأفكار والأهداف والطريق..



الأفكار والأهداف والطريق..
لا توجد مشكلة تستطيع مواجهة التفكير المنظم.. قول مأثور
تلعب الأفكار دورا أساسيا في بناء الأمم وفي تطورها ونمائها، بل وحتى في استعادتها لأمجادها وتحررها من القيود والاستعمار وتسلط الديكتاتوريات الوطنية الجاثمة على رأس مختلف الشعوب، خاصة عندما تتولى صياغة هذه الأفكار نخبة ممميزة من الخبراء والكفاءات البارزة ومن ذوي الاختصاص في شتى مجالات العلم والمعرفة والاتصال.
ولعل دور القيادات، سواء على مستوى الدول أو الأحزاب السياسية الرئيسة وكذا على مستوى المؤسسات المختلفة، هي من بين العوامل المفعلة لنضج الأفكار من جهة، وتطبيقها في الميدان عندما تكون جاهزة لتجد الرجالات والنساء القادرين على تحقيقها وفق الأهداف والخطط التي يسهر القادة وصناع القرار ومَن يتولون مسؤوليات مؤثرة في مختلف المواقع على تجسيدها على أرض الواقع، من جهة أخرى.
فصنع الفكرة وتشكيلها وفق المعطيات المتوفرة والمرجو تحقيقها بناء على تحليلات دقيقة واستنتاجات واستقراءات مستقبلية موضوعية يمكن في النهاية أن يعمل على تجسيد الفكرة أو مجموعة الأفكار المعدة وفق الأفكار والرؤى المرسومة، وعلى الأقل تنفيذ الأجزاء الرئيسية منها دون أن يتسبب ذلك في انعكاسات سلبية أو في فشل للفكرة والإنجاز.
ومثلما يقول أحدهم، فإن الفشل عندها يكون فشلان: أحدهما يأتي عن طريق التفكير بدون عمل، أما الفشل الثاني فهو ناتج عن الفعل الذي يتم دون تفكير.
وإذا كانت معظم الأمم المتقدمة خصوصا في الغرب حققت أشواطا كبيرة في بناء الحضارة وتحقيق الرفاهية والتقدم بعد عصور الانحطاط والتطاحن التي شهدها الغرب فيما بينه، فإن مرد هذا التقدم يرجع أساسا إلى الامتثال لمجموعة الأفكار التي أسندت وظيفة إعدادها للخبراء ولأهل العلم والمعرفة والاختصاص في شتى المجالات، بينما نلاحظ أن التراجع الشامل الذي شهده العالم العربي والإسلامي والتخلف بل والانحطاط الذي يشهدانه مرده تخلف الفكر، بل وعدم استخدام الفكر أصلا، ونبذه من طرف مختلف القيادات التي ظلت تتحكم في مصير العالمين العربي والإسلامي منذ سقوط الدولتين العباسية والأموية في بغداد ودمشق ثم انهيار الدولة الأندلسية في 1492 ومن بعدها سقوط الدولة العثمانية.
إذ أن المتتبع لمسار التاريخ يلاحظ أن هذا الانحدار والسقوط للحضارة العربية والاسلامية مقابل صعود الحضارة الغربية كان للفكر فيه، سلبا وإيجابا، عنصرا بارزا ودورا فاعلا.
في الغرب، كان الاهتمام بالفكر رديفا للاهتمام بالإنسان عموما وبالرجالات والنساء، الذين توكل لهم مهام تطور وبناء الشعوب والأمم.
في حين، أن الأمر في العالمين العربي والإسلامي حصر المسألة في القشور وفي الشخص بالذات، دون البحث عمن يبني الأفكار ودون الغوص فيمن يبلورها في الميدان.
فقد كان البحث في العالم العربي، خصوصا، يجري أولا عن الفرد الملهم للقيام بمهام ربما تكون ارتجالية وقد تتحقق في حالات نادرة دون أهداف مرسومة مسبقا.
فقد يحدث أثناء قيام أي مسؤول كان، بزيارة داخل منطقة ما من بلده، أن يطرح عليه شخص أو مجموعة أشخاص مشروعا لإنجازه بدعوى حاجة الناس إليه، وبدلا من التفكير، وعوض أن يوكل هذا المسؤول الأمر لأهل الاختصاص من خبراء وأصحاب الفكر والرأي ليتدبروا في أهميته ودراسة جدوى المشروع من جميع جوانبها، فإنه يصدر بحركة شعبوية على الفور في اللحظة نفسها، وفي عين المكان، قراره الفردي دون رؤية وتفحص وكأنه قرار ثوري، مما قد ينعكس سلبا على مردودية المشروع.
وقد يؤدي إنجاز المشروع، لاحقا، إلى مشاكل متعددة مالية وبيئية، وربما حتى جهوية، إذ أن الساكنة القريبة أو البعيدة من منطقة إنجاز المشروع قد تطالب بمشروع مماثل، إضافة إلى أن الإنجاز المحقق قد لا يجد حتى من يسهر عليه ومن يعمل على تسييره وفق الأساليب العصرية للتسيير، وقد تكون المواد الأولية لتشغيل المشروع غير متوفرة أصلا في المنطقة، مثلما حدث في مشاريع عديدة كان مصيرها الفشل لاحقا.
ولعل ما نشاهده من انتشار غير مدروس وغير واقعي لبعض مؤسسات التعليم العالي في مختلف جهات الوطن ونقص التأطير والاختصاص، واحد من العناصر التي تحتم علينا الدعوة إلى الاعتناء بصناعة الأفكار وتحديد الأهداف قبل أي حديث عن الرجال.
فهل أخطأ الفيلسوف الفرنسي ديكارت عندما قال: “أنا أفكر إذن أنا أنا موجود؟".
وهل أخطأ المفكر الألماني كارل ماركس بعد ذلك، عندما قال: “أنا آكل إذن أنا موجود؟".
المشكلة التي تعيشها بعض المؤسسات عندنا، وخاصة الأحزاب السياسية بما فيها حزب جبهة التحرير الوطني الذي كان خزانا للكفاءات والأفكار، أن الأفكار لم يعد لها من وجود، وأن آلة التفكير باتت معطلة وأصحاب الفكر والتفكير باتوا في عطلة دائمة، لأن الذين صاروا يقررون ليسوا أصلا من أصحاب الفكر أو أهل الاختصاص، بل هم إما من أصحاب المال الفاسد أو من الذين لا اختصاص لهم سوى تصيد المناصب وحبك المؤامرات لإبعاد الكفاءات وشل قدرة التفكير لدى الذين لديهم هذه الملكة، وحتى إذا ما جرى التفكير في موضوع معين وأقيمت لذلك ورشة، فإن المسألة لا تتجاوز وضع تقرير لا يعمل به إطلاقا ويرمى لاحقا في سلة المهملات أو يوضع في الأدراج وقد لا يعثر بعد له بعد ذلك على أثر؟!
والأكيد أن الفكر إذا جرى تعطيله وتم ابتذال العقل، فإن مردود ذلك يكون كارثيا على مختلف المستويات، وقد يؤدي ليس إلى فقدان الثقة فقط بين المواطن والمؤسسات بما فيها قيادات الأحزاب، بل إلى ظهور منتوج رديء يفتقد إلى كل مواصفات الجودة والمصداقية، بل يحوز كل أشكال الرداءة الموصوفة.
فحتى الخطاب السياسي الذي تستخدمه قيادات بعض الأحزاب، قد يصبح منفرا ومملا، إن لم يكن متماشيا مع الواقع من جهة، أو لا يجد طريقه للتنفيذ.
لذلك، فقبل الحديث عن الرجال والنساء لتولي هذا المنصب أو ذاك، لابد من الحديث عن الأفكار والأهداف والبرامج.
الحديث عن الرجال قبل الأفكار والأهداف لا ينتج مردودا سيئا فقط، ولكنه قد يتسبب في إثارة مشاكل وأزمات تتعلق بالأشخاص أنفسهم ويتعلق أيضا بالهدف المرجو تحقيقه.
فعندما نخلق منصبا على مقاس هذا الرجل أو تلك المرأة قبل تحديد الفكرة والهدف، فمعنى ذلك أننا نغفل الجانب الأساسي في المشروع، وهو الهدف من تحقيقه، وإضافة إلى هذا فقد نظلم أشخاصا وكفاءات جديرة بالمنصب، بدلا من الشخص الذي أوكل له الأمر بناء على مزاج شخصي أو مصلحة ذاتية أو علاقة قرابة أو جهة أو عرق، وغير ذلك من الحسابات الضيقة بما فيها العلاقات القائمة على مصالح اللوبيات ومجموعات المصالح.
انتقاء العنصر البشري المسير ضروري، ولكن لا يجب في اعتقادي أن يسبق الهدف من أي عمل نقدم عليه فكرة وإنجازا.
وحتى مختلف المؤسسات، خصوصا الاقتصادية منها، فإنها تتفق مع الشخص الذي يعين على رأسها على تحقيق الأهداف المسطرة، ولا تأتي بالشخص من أجل تموقعه في لوبي أو مجموعة مصالح، بقدر ما يكون تعيينه وفق مخطط عمل لتحقيق مجموعة من الأهداف المسطرة خلال فترة متفق عليها.
فمتى نجعل من الأفكار النيرة دليلنا إلى المستقبل، كي لا نضل الطريق، ذلك أن الأفكار الجميلة تشبه تماما بعض النجوم لمَنْ تاه في صحراء موحشة في ليل حالك السواد، ولم يجد من دليل ينقذ به حياته بعد ضياعه غير بعض تلك النجوم التي يَهْتدي بها عادة أهل الصحراء كلما ضلوا طريقهم؟
أما أولئك الذين يجعلون من دليلهم غرابا و لو في رابعة النهار ، فالأكيد أن دليلهم هذا لن يقودهم سوى إلى طريق الجيف العفنة النتنة، و في مقدمتها جيف الكلاب'!!'
هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته
محمد بوعزارة
![if gt IE 6]
![endif]
Tweet
المفضلة
إرسال إلى صديق
المشاهدات: 4
إقرأ أيضا:
* الإذاعة الجزائرية من السرية إلى العالمية (1956-2012)
* دع الحزب لمناضليه..
* فلسفة السّلام
* مرجانة الشرق الجزائري.. قسنطينة العاصمة العربية للثقافة 2015
التعليقات (0)
إظهار/إخفاء التعليقات
إظهار/إخفاء صندوق مربع التعليقات
أضف تعليق
الإسم
البريد الإلكتروني
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)