الجزائر

الأستاذ عبد القادر شريقي ل''المساء'':‏



يعود بنا الفنان والملحن ابن الباهية وهران الأستاذ عبد القادر شريقي إلى الفن الجميل والطرب الأصيل، فهو واحد من الفنانين المحليين الذين لم ينساقوا وراء الفن الهابط للوصول إلى الشهرة والمال، عرفت أغانيه في سنوات الثمانينيات رواجا واسعا أبدع في أدائها بصوته الرخيم على غرار أغنية ''قمري'' و''خالفتي الميعاد'' و''اسألوني'' وقصيدة ''التائه'' لكاتبها الشاعر أبي القاسم خمار، كما أتقن العزف على آلة القيتار التي رافقت الفنان في أغلب حفلاته التي أحياها.. ''المساء'' التقت الفنان وأجرت معه هذا الحوار...
- أين الأستاذ شريقي من المشهد الثقافي الوهراني؟
* بالنسبة لي المشهد ضحل فأنا لم أجد الدعم من الجهات المسؤولة عن الثقافة بولاية وهران، حيث لم أجدها عندما طلبت فقط إنشاء مجموعة صوتية، فلم ير المشروع النور إلى حدّ الآن.. أجهل الدوافع الكامنة وراء هذا التجاهل لكنّني لم أستسلم، فقد قمت بإنشاء مجموعة صوتية بمدرسة ''بن زرجب'' تضمّ 80 طفلا تؤدي أغاني وطنية وتربوية إيمانا مني بحاجة الطفل إلى أغان وأناشيد تهذّب سلوكه وتساهم في توعيته.
- ابتعدت عن الغناء وتفرّغت للتلحين، هل كان قرارك اختيارا أم شيئا آخر؟
* التلحين لم يفارقني منذ بداية مشواري الفني فأنا عازف، مطرب وملحن، واعتزلت الغناء بعدما اختلطت الساحة الفنية، ولم يعد الفنان الأصيل يجد مكانه، وأعتقد أنّ أيّ فنان يحترم فنه وجمهوره كان سيقبل على نفس الاختيار. حاليا أساهم تارة بكلماتي وتارة أخرى بألحاني التي أضعها في خدمة الشباب الذي تطأ قدمه أولى درجات سلم الشهرة، ومن بين الشباب الذين أتعامل معهم وأفيدهم بتجربتي، أذكر المطرب الشاب بلخير بلكحل وصاحب الصوت الشجي صافي محمد معزوز، وأنا لا أبخل على أيّ مطرب شاب يقصدني، كما أنّني أتعامل مع المخرج المسرحي مجاهري الحبيب وبلكروي عبد القادر في تلحين موسيقى مسرحيات ''عرائس القراقوز'' التي تقدّم للأطفال بأسلوب تربوي راق.
- هل يعني هذا أنّك اعتزلت الغناء؟
* لا، لم أعتزل الغناء لأنّه مهم بالنسبة لي، لكن لم أتلق دعوات للمشاركة في الغناء وعندما جاءت الفرصة شاركت في الجولات الفنية التي نظّمتها وزارة الثقافة في إطار تظاهرة ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية''، والفضل يعود في ذلك إلى ديوان رياض الفتح بالجزائر العاصمة الذي اتّصل بي، كما شاركت في الحصة التلفزيونية ''ألوان بلادي'' لمعدّها السيد علي عيساوي.
- كأنك تشكو الإقصاء، أليس كذلك؟
* أتمنى لو تلتفت المسؤولة عن مديرية الثقافة لولاية وهران إلى الفنانين المحليين الذين منحوا الكثير للفن الجزائري بصفة عامة والوهراني بصفة خاصة، من أجل دعمهم والاستفادة من خبراتهم والابتعاد عن الكيل بمكيالين.
- استهجنت العديد من الأسماء الفنية تكريم نفس الوجوه في كلّ مناسبة، ما قولك في هذا؟
* أنا شخصيا لا أنتظر التكريم ولست ممن يسعون لإدراك هذه الغاية، لكنّني لا أفهم لماذا تكرّم نفس الأسماء الفنية وكأنّه لا وجود لأسماء أخرى تستحق ذلك، أنا لا أريد أكثر من أن تستغل طاقتي وعطائي الفني في الميدان خدمة للفن الوهراني.. والتكريم الذي بات يطال نفس الوجوه أفرغ من محتواه لأنّ بركته لم تطل الجميع، وهناك تناقض صارخ حيث نجد أسماء أغدقو عليها بالتكريمات وأسماء أخرى أقصيت وطواها النسيان ولا تزال تعاني في صمت، وأذكر في هذا المقام الفنان طيبي الطيب الذي يعاني المرض ولم يلتفت إليه أحد، فنحن لا نزال نحيا بذهنية المثل الشعبي ''كي كان حي اشتاق تمرة وكي مات علقوله عرجون''.
- وما تقييمك للمهرجانات الفنية التي تنظّم بولاية وهران سنويا؟
* هناك إضرار بالفنان النزيه عندما يقصى، وهذا ما انعكس سلبا على الأغنية الوهرانية، فقد عرفت المهرجانات السابقة أداء نفس الأغاني من قبل المطربين الشباب، فليس هناك إبداع ولا تجديد، وهذا أعطى انطباعا بأنّ المهرجان مستنسخ في كلّ دوراته، فنفس الرصيد الغنائي يؤدى في كلّ مرة، وأذكر هنا أنّ وسائل الإعلام المحلية أطلقت على إحدى دورات مهرجان الأغنية الوهرانية اسم مهرجان ''حمامة'' من كثرة ما تداول المشاركون على أداء أغنية ''حمامة'' للأستاذ بلاوي الهواري. للمهرجان رسالة إبداعية، ومن المفترض أن يكون مدرسة قائمة بذاتها تتخرّج منها أسماء تحمل المشعل مستقبلا وتسمو بالأغنية الوهرانية، لا أن تسقط في جوّ الرداءة، ومهرجان الأغنية العصرية بدوراته الأربع عجز عن إنجاب اسم فني جديد.
- استحدثت وزارة الثقافة الأسابيع الثقافية، وهو ما خلق مساحة تبادل بين الفنانين، ما هو تعليقك؟
* أعود وأقول أنّني لم أتلق أيّ دعوة للمشاركة في تلك الفعاليات ولا أحبّ أداء الأغاني الهابطة، فالفنان الذي ينتمي إلي وسط فني محافظ لا يجازف بسمعته، لهذا أرفض هذا النوع من الغناء حتى وإن كان من باب مقولة ''الجمهور عايز كده'' كما يقول إخواننا في مصر، اعترف أنّ هذا السمو وعزّة النفس كلّفني الكثير، لكنّني لا زلت أتمسّك بأداء أغان جزائرية الروح قلبا وقالبا احتراما لذاتي ولأذن المستمع.
- في ظلّ هذا المشهد القائم، من سيحمل المشعل مستقبلا؟
* يخطئ من يظنّ أنّ وهران أصبحت عاقرا، اكتشفت خلال تعاملي مع الشباب، أنّ هناك خامات صوتية رائعة تعد بالكثير تمّ إقصاؤها وتجاهلها، فلا وجود لمن يتبنّاها فنيا ويمدّها بيد العون لتسجيل أغانيها وشقّ طريق الشهرة والمجد مستقبلا، وهذا الإقصاء قد يجعل المشهد الثقافي الوهراني يخسر هذه الأصوات ولن يحمل أحد المشعل وستخلو الساحة للرداءة، في كثير من المواقف مددت يد العون لبعض منهم لتسجيل أغانيهم لكنّني لم أجد من يثمّن مبادرتي مع الأسف.
- بادرت وزيرة الثقافة مؤخّرا بإنشاء مجلس أعلى للفنانين، كيف تقيّم هذه الخطوة؟
* ظلّ الحسد والغيرة بين الفنانين يعطّل مشروع إنشاء نقابة تمثّلهم وتدافع عن حقوقهم، وهذا ما دفع بالكثير من الفنانين من جيلي إلى الاعتماد على أنفسهم ودفع مستحقاتهم وتأمين أنفسهم، فأنا أعيش بدون تأمين اجتماعي، وتحرّك الوزارة في هذا الاتّجاه مبادرة تستحق الإشادة والتنويه.
- في ختام هذا اللقاء، ماذا يريد الفنان عبد القادر شريقي من القائمين على رأس الثقافة بولاية وهران؟
* ما أريده هو إعادة الاعتبار للفن الأصيل قبل كلّ شيء، كما أتمنى كفنان أن يتعاون مسؤولو هذه المدينة الجميلة مع مثقفيها، من أجل السمو بالثقافة بها بجميع مجالاتها لترقي إلى المرتبة التي يجب أن تحظى بها كحاضرة متوسطية.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)