الجزائر

الأزمة والهمّة



الأزمة والهمّة
يقدم إنتاج سيارة "هيونداي" التي خرجت قبل يومين فقط من مصنع تيارت، وقبلها سيارة "رونو سامبول" التي خرجت من مصنع وادي تليلات، صورة ناجحة لاقتصاد جزائري يسير في مسار مغاير، غير ذلك الذي عرفناه مند عقود.ببساطة يمكن القول أن الأزمة دفعت بنا نحو نوع جديد من التفكير قائم على البراغماتية والنظرة الصحيحة للاقتصاد، كما سارت عليه عديد الدول الناشئة التي تعتبر اليوم نموذجا ناجحا في هذا المجال. لقد التهم الاستيراد من خزينة البلاد مئات الملايير من الدولارت طيلة أكثر من عشر سنوات، في وقت كانت فيه أسعار النفط في أوجها، ولم نفكر في ذلك الوقت في طريقة لتقليص هذا الحجم من الواردات، أو الالتفات نحو وجهة أخرى، و استغلال تلك الأموال في إقامه قاعدة اقتصادية وطنية، لكن الأزمة جعلتنا بمئات الملايين من الدولارات فقط نبني مصنعا لتركيب السيارات، ونعفي أنفسنا من الاستيراد، والشحن، والفواتير والنقل، وقطع الغيار وغيرها. نعم ببضعة ملايين من الدولارات خرجت أول أمس أول سيارة "هيونداي" من مصنع تيارت، نعم هي سيارة مركبة هنا، وربما نسبة الادماج بها ضئيلة جدا لكنها في الواقع خطوة جد إيجابية ومشجعة على طريق مستقبل واعد في هذا المجال، هكذا بدأت بعض الدول الأسيوية بماكينات بسيطة وأصبحت اليوم قوى اقتصادية كبيرة في هذا العالم.وهناك من بدأ بالتقليد حتى وصل بعد مراحل إلى التصنيع الحقيقي والذاتي، وخرج من التبعية في عدة مجالات، وأمثلة كوريا، وماليزيا، وسنغافورة وغيرها حية لو تتوفر الإرادة. لو نضرب مثالا فقط عن سوق السيارات سنقف على حقيقة ما كان يذهب منا سدى إلى جيوب الصناع الأوروبيين والأسيويين بطريقة أقل ما يقال عنها أنها مثيرة للحسرة، كان استيراد السيارات قبل الأزمة يكلف الخزينة 6 ملايير دولار كل عام، هذه أموال كبيرة يمكن أن نبني بها مصانع ونشتري بواخر، لكنها كانت تذهب كل عام مع الريح، ومعها كانت العملة الصعبة تستنزف بشكل لا مثيل له وتذهب إلى وجهات لا نعرفها. بعد الأزمة قلصت الحكومة بشكل كبير من استيراد السيارات، والسيارة مهما كان مفعولها تعتبر في مجتمع مثل المجتمع الجزائري في الرتبة الثانية من حيث اهتمام الأسر الجزائرية العادية، و الحكومة التي أجبرت وكلاء السيارات على ضرورة الذهاب نحو التصنيع قبل نهاية العام الجاري، شرعت من جانبها في شراكات مفيدة مع شركاء أجانب من أجل تركيب وصنع السيارات هنا في الجزائر بدلا من استيرادها، وكانت البداية بسيارة رونو سامبول بوادي تليلات بوهران، وبرغم ما قيل عن تلك الصفقة فإن الأكيد أن هذه السيارة لن يصل إليها كل الزبائن بعد عام فقط. كما عمدت من جانبها وزارة الدفاع الوطني إلى نفس الأسلوب، فخرجت سيارة "مرسيدس" رباعية الدفع من مصنع تيارت، وكانت سيارة رائعة بحق، و زودت بها وحدات الشرطة والدرك والجيش الوطني الشعبي في ظرف قياسي، وهي تتجه نحو التسويق للزبائن المدنيين في المستقبل، وأول أمس لحقت بها سيارة "هيونداي" من تيارت أيضا، وبعدها ستأتي شاحنات وجرارات وغيرها. على هذا المنوال يمكن القول أنه بعد عام أو عامين فقط يمكننا التخلي عن استيراد السيارات العادية، أو تقليصها بشكل كبير، وذلك سيكون في فائدة الخزينة العمومية والبلاد بصورة عامة إذا وضعنا في الحسبان اليد العاملة التي تشتغل بهذه المصانع، وشركات المناولة التي ستنشأ لتلبية احتياجات هذه المصانع من جميع المتطلبات والضرائب التي ستحصل. هذا مثال السيارات فقط ويمكن أن ينسحب على الاسمنت التي سيتوقف استيرادها في 2017، وعلى قطاعات أخرى، هي أمور قد تبدو بسيطة لكنها كبيرة من حيث القيمة الاقتصادية، وهذه بداية فقط.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)