الجزائر

الأخبار بالفيديو


الأخبار بالفيديو
"لا قانون مالية تكميلي هذه السنة"، هكذا قطعت حكومة عبد المالك سلال الشك باليقين حول هذا الموضوع الذي شهد ترجيحات وتقديرات رسمية وإعلامية على مدار الشهور الأخيرة الماضية، تراوحت بين النفي والتأكيد، حيث ربطه البعض بالحالة الصحية لرئيس الجمهورية، الذي كان في رحلته العلاجية بفرنسا، لكن عودة الرئيس وبدئه لنشاطاته التي استقبلها خلالها كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين بالبلاد، مع عدم توقيعه على قانون المالية التكميلي للسنة الجارية وتمريره إلى البرلمان من أجل التصويت عليه، جعل قضية "مرض الرئيس" لا محل له في تحليل سبب توجه الحكومة إلى الاستثناء بإلغاء قانون المالية التكميلي الذي درجت على الاعتماد عليه طيلة السنوات الماضية بدون انقطاع.قانون المالية التكميلي... الاسثناء الذي أصبح الأصل في الجزائر
اللجوء إلى قانون مالية تكميلي، هو إجراء استثنائي للدول التي تعترضها نفقات لم تكن مدرجة في قانون المالية العادي، الذي يتم من خلاله وضع ميزانية مختلف مؤسسات الدولة والمشاريع التي تمت برمجتها في مختلف القطاعات، لكن هذا الإجراء أصبح عادة في ممارسة الحكومات الجزائرية المتعاقبة، الأمر الذي وصفه بعض الخبراء بأنه "إدمان" جزائري على اللجوء إلى مثل هذا الإجراء الاستثنائي، الذي يدل على ضعف في الرؤية الاستشرافية والتخطيطية للمسؤولين الجزائريين، في حين يرى فيها البعض خطوة طبيعية، لها نتائج إيجابية تتمثل في تماشي الحكومة مع مختلف التغيرات الحاصلة على الساحة التنموية، وسد مكامن النقص الحاصل في تمويل هذه المشاريع أو إضافة أخرى جديدة استجابة للحاجات المستجدة، ورغم هذه التبريرات إلا أن الاعتماد القليل للدول المتقدمة على قوانين مالية تكميلية يدل على أنها ليست بالظاهرة الصحية على الاقتصاد الوطني.
وبلغة القانون إن قانون المالية التكميلي هوالوحيد الذي يعدل قانون المالية السنوي وعلى هذا الأساس فهو مرتبط به، فقانون المالية السنوي يكون معرضا للخلل لتغير بعض المعطيات الاقتصادية أوالاجتماعية أو السياسية مما يستدعي التعديل عن طريق القوانين التكميلية "ويتم المصادقة على القوانين التكميلية بطريقتين، الأولى هي أن تعد الحكومة هذه القوانين وتقترحها على البرلمان للمصادقة عليها، أما الطريقة الثانية فتمكن في أن تقوم الحكومات بإدخال هذه التعديلات على القانون الأساسي بصفة مباشرة وذلك باستعمال سلطتها التنظيمية المتمثلة في المراسيم التنفيذية لتعرضها فيما بعد على البرلمان للمصادقة عليها .
وتكون تأثيرات هذا القانون بالنسبة إلى النفقات إذا كانت غير كافية أو جديدة تظهر على شكل نفقات تكميلية أو جديدة، أما بالنسبة إلى الإيرادات إذا كانت غير كافية تطلب السلطة التنفيذية إيرادات جديدة مثل ضرائب أو رسوم.
2013 سنة مالية استثنائية بدون قانون تكميلي
كانت التصريحات الرسمية منذ مطلع السنة الجارية، متناغمة مع نفس الاتجاه الذي كان طيلة السنوات السابقة، حيث أكدت أن السنة المالية 2013 ستكون كسابقاتها من خلال اللجوء إلى قانون مالية تكميلي يتم اعتماده خلال نصفها الثاني، أول تصريح رسمي في هذا الاتجاه كان ما جاء على لسان وزير المالية في تصريحات للإذاعة الوطنية شهر مارس الماضي، حيث أكد أن الجزائر ستلجأ هذه السنة أيضا إلى قانون مالية تكميلي للتكفل بالنفقات الجديدة "الاستعجالية" وغير المتوقعة لسنة 2013، مضيفا أن هذا القانون سيتكفل أيضا بتكلفة ميزانية خاصة بالتحضيرات للتظاهرة الثقافية "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية" في 2015. وفيما يخص النفقات المدرجة أيضا حسب وزير القطاع يدخل في إطار برنامج دعم التشغيل والاستثمار في الجنوب الكبير الذي أعلنه مؤخرا الوزير الأول عبد المالك سلال، أشار السيد جودي إلى أن اللجوء إلى غلاف مالي إضافي لهذا البرنامج لم يفصل فيه بعد.
وحظيت المشاريع المدرجة في مشروع قانون المالية التكميلي المخصصة للولايات الجنوبية التي خصصت لها الحكومة برنامجا استعجاليا بعد الاحتجاجات التي شهدت العديد من تلك المناطق خلال النصف الأول من السنة الحالية، باهتمام كبير من خلال تأكيد جودي أنه "إذا تطلب الأمر اللجوء إلى قروض إضافية للتكفل ببرنامج الجنوب الكبير سنقوم بذلك"، مذكرا بأن هذه الجهات حظيت بالاهتمام الكبير في قانون المالية الأولي لسنة 2013 يتضمن غلافا موجها للاستثمار في الجنوب الكبير خاصة في إطار الصندوق الخاص بالجنوب والهضاب العليا"، حيث هون فيها من الملاحظات التي أبداها الكثير من البرلمانيون والمختصون في الشأن المالي، بأن الاعتماد على قانون مالية تكميلي كل سنة هو مؤشر على ضعف قدرات الحكومات المتعاقبة على استشراف وضع السنة المالية الجديدة، فتلجأ إلى القانون التكميلي لتغطية العجر الذي لم تتوقعه، حيث اعتبر أن هذا التحليل غير صائب، بل يكمن الاعتماد على قانون مالية تكميلي في المشاريع التي تبرز طيلة السنة ولا يتمكن قانون المالية العادي من تغطيتها.
لكن في إحدى تصريحاته أكد فيها لجوء الحكومة إلى قانون مالية تكميلي الذي تزامن مع عودة رئيس الجمهورية إلى أرض الوطن قادما من رحلته العلاجية في فرنسا كان الرجل الثاني في الدولة ورئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، الذي أكد في تصريحات إعلامية "التعامل مع قانون المالية التكميلي 2013 سيكون كالتعامل مع كافة مشاريع القوانين وهو بالطبع سيصدر حسب الإجراءات التي تتبع بالنسبة إلى القوانين الأخرى أي مجلس الوزراء فالبرلمان"..
أما بالنسبة إلى قانون المالية التكميلي فأوضح رئيس مجلس الأمة بأنه "إذا كانت هناك موجبات استعجالية فيمكن دراستها في مجلس الوزراء وإصداره على أن يقدم لاحقا إلى البرلمان قصد تحديد الموقف".
وأضاف بن صالح أن هذا القانون يمكن أن يمرر على شكلين من خلال مجلس الوزراء أو عبر مرسوم رئاسي، مع بقاء الرقابة التي يمارسها البرلمان عليه هي العامل المشترك والأساسي في اعتماد هذا النوع من القوانين، قائلا "إن مرور هذا القانون على موافقة مجلس الوزراء "أمر حتمي"، لكن "صدوره بشكل أمرية رئاسية هو أيضا أمر ممكن على أن يعود في الدورة المقبلة للبرلمان ليحدد موقفه منه".
لكن مرور أزيد من شهرين من دون انعقاد لمجلس الوزراء من أجل تمرير المشروع إلى البرلمان، وكذلك من دون أمر رئاسي تعوضه في ذلك، جعل الشكوك تتزايد حول استمرار الحكومة على نفس العادة التي درجت عليها من سنوات طويلة بالاعتماد على قانون مالية تكميلي، ليأتي تصريح الوزير الأول عبد المالك سلال لدى افتتاحه الدورة الخريفية للبرلمان الأسبوع الماضي، ويصبح هذا الشك حقيقة، حيث صرح للصحافيين من مبنى البرلمان أن قانون المالية التكميلي 2013 "ألغي وأدمج في قانون المالية 2014".
وأضاف سلال أن "قانون المالية التكميلي ألغيناه وأدمجناه في قانون المالية 2014"، مضيفا أن هذا الأمر "لا يطرح أي مشكل لا من جانب تسيير المشاريع ولا من جانب تسيير الأمور".
برامج استعجالية من دون قانون مالية تكميلي
المتأمل لتصريحات المسؤولين الجزائريين حول قانون المالية التكميلي لهذه السنة، يستنتج ما مفاده أن هناك الكثير من المشاريع والبرامج الاستعجالية التي لم يتم إدراجها ضمن قانون المالية العادي لهذه السنة، لكن لا حاجة لقانون مالية تكميلي"، مما يدفع للتساؤل حول الطريقة التي ستتعامل بها الحكومة مع هذه المشاريع التي بعضها له حساسية كبيرة نظرا إلى ارتباطه بظروف سياسية واجتماعية دقيقة، لاسيما المتعلقة بالمناطق الجنوبية، التي هدأت احتجاجاتها الأخيرة على وقع وعود حكومية باجراءات تنموية سريعة، بالإضافة إلى مشاريع أخرى في قطاع السكن، ودعم القروض البنكية لفائدة الشباب، وكذلك في قطاع التوظيف من أجل إيجاد مناصب شغل لعدد كبير من الشباب في سلك الشرطة، ويمكن أن يؤدي التماطل فيها عبر إدراجه ضمن قانون المالية لسنة 2014 إلى عودة الحركة الاحتجاجية مجددا، التي تتزامن مع الدخول الاجتماعي الذي هو أصلا عبء كبير على كاهل الحكومة مع عودة التحركات المطلبية للعديد من القطاعات.
كما يمكن للحكومة أن تتجنب تأجيل هذه المشاريع إلى غاية السنة المالية القادمة عبر الاستعانة بما يعرف بصندوق ضبط الإيرادات، وهو المخصص لتغطية النفقات التي تعجز الحكومة عن توفيرها، ولكن هذا الحل وهوالأكثر ترجيحا في الظروف الراهنة، يطرح اشكاليات كبيرة وحساسة.
80 مليار دولار بدون أي تدابير رقابية تحميها من الفساد
عدم اعتماد قانون المالية التكميلي الذي سبق أن أعلنت العديد من الجهات الرسمية أنه كان مبرمجا هذه السنة، يعني أن الحكومة لن تعتمد في استكمال باقي المشاريع التي تخطط لتنفيذها قبل دخول قانون المالية 2014 حيز التنفيذ، الذي وحسب التجارب مع قوانين المالية السابقة لن يتم بدء تنفيذ برامجه بصورة عملية إلا بحلول شهر مارس من نفس السنة في أفضل تقدير، الأمر الذي يمكن أن يترك البلاد بدون قانون ينظم نفقات الدولة على مؤسساتها ومشاريعها لما يفوق 6 أشهر، مما يجعل لجوء الدولة إلى مصادر تمويل أخرى خارج ما ينص عليه قانون المالية لسنة 2013 أمرا محتما، مما يحيل على إشكالية مصادر هذه الأموال ومدى تطابق استغلالها للتدابير الرقابية التي تحميها من التبديد في الفساد.
ويشير الخبراء إلى أن الحكومة ستلجأ لصندوق ضبط الإيرادات لتغطية النفقات العمومية المستجدة، وهو صندوق لتوفير المبالغ الناتجة عن السعر المرجعي للبترول المعتمد حاليا وهو37 دولار للبرميل، والسعر الحقيقي الذي يباع في الأسواق العالمية، ويبلغ قيمة المبلغ الذي يتوفر حاليا في هذا الصندوق 80 مليار دولار حسب تقديرات مختصين على اطلاع بالاقتصاد الوطني، وهو يمثل -حسبهم- ملاذا للحكومة في الظروف الحرجة التي تواجه فيه مشاكلا جدية ومصيرية، لذا فانفاقها في الوقت الراهن يمثل مخاطرة كبيرة قد ندفع ثمنها غاليا في حالة استجدت تطورات ليست في صالح اقتصاد الجزائر.
وإضافة إلى خطر استغلال الموارد المالية لهذا الصندوق في غير الظروف التي تقتضيها، فإن هناك من المتابعين للملف من يجد في اللجوء إليه إشكالين الأول قانوني، والثاني في جانب المحاسبة والرقابة، فعلى المستوى القانوني يعتبر قانون المالية التكميلي أو المعدل وحده القادر على تكميل أوتعديل قانون المالية للسنة الجارية , اللجوء الحكومة للإنفاق مباشرة من صندوق ضبط الإيرادات دون تعديل الاعتمادات المدرجة في الميزانية يعتبر إجراء مناف تماما لأحكام القانون ويؤدي إلى ترتيب مسؤوليات شخصية ومالية على عاتق الأعوان المكلفين بتنفيذ الميزانية الآمرون بالصرف والمحاسبون العموميون حيث إن هذا الإجراء سيضطرهم لتخطي سقف الإعتمادات المدرجة رسميا في الميزانيات المكلفين بتنفيذها وهو ما يتناقض مع أحكام القانون 90-21 المتضمن قانون المحاسبة العمومية والقانون 95-20 المتعلف بتنظيم مجلس المحاسبة وبالتالي يعرضهم مستقبلا للمساءلة القانونية.
أما في الجانب القانوني، فإن لجوء الحكومة إلى هذا الأسلوب الغريب في الإنفاق العام سيعرض الأموال العمومية للخطر وسيجعلها خارج نظر أجهزة الرقابة القبلية والبعدية، وسيخلق مستقبلا إشكالية محاسبية عند إعداد قانون ضبط الميزانية بحيث ستفوق النفقات الفعلية الإعتمادات الرسمية المدرجة في الميزانية مما يؤدي إلى إحداث خلل في الحساب الإداري للدولة الجزائرية الذي سيكون بالضرورة محل رفض من طرف البرلمان، الذي لم يتمكن من ممارسة رقابته القبلية على هذه النفقات، لأنها لم تدرج ضمن قانون المالية التكميلي الذي يجب أن يعرض عليه من أجل التصويت عليه.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)