الآراء التربوية في فكر ابن خلدون

تعود الأبحاث التربوية في معظمها إلى التأصيل والتأسيس انطلاقا من نتائج علم النفس وعلم الاجتماع وعلم اللغة، وهي علوم حديثة النشأة لا تزال الأبحاث والدراسات فيها قيد التجريب والتمحيص. وبما هي كذلك فقد يعده بعض المهتمين بشؤون التربية ما تثبته هذه الآراء حول العملية التعليمية وعناصرها جديدا لم يسبق إليه، لكن الحقيقة التي لا يجب إغفالها هي كون قدم ممارسة العملية التعليمية من طرف الإنسان قد جعل من بعض الآراء المبثوثة في الكتب التراثية على درجة كبيرة من الوعي بالعملية التعليمية ومتطلباتها لا تقل عن الوعي المصاحب لها في الدراسات التي تجود بها العلوم السابقة الذكر؛ فهذه الآراء التراثية إن كانت فيما تعالجه قد افتقدت للمصطلحات التي يعتمدها علم التربية كعلم معاصر، إلا أنها في خلفياتها وطروحاتها تتبدى أصلا وتأسيسا للعديد من الآراء التي يتبناها هذا العلم اليوم. وهي آراء قد يقع عليها الباحث في الكتب التراثية متداخلة مع أنساق معرفية أخرى، قد تحتم عليه حال تقاطعه معها فرزها ومن ثم تثمينها كأصل، وهو الجهد الذي تتولى هذه الدراسة تحققه في قراءة لبعض الآراء التربوية لـ(ابن خلدون) في مدونته "المقدمة".