الجزائر

اعترافات قاتل إقتصادي 7



اعترافات قاتل إقتصادي كتاب ل”جون بيركنز” العميل السابق لوكالة الامن القومي الاميركية ، يقدّم فيه شهادة من الداخل عن الدور الذي تلعبه البنوك والشركات العالمية لسرقة دول العالم الثالث وإغراقها بالديون ومن ثم وضعها تحت إشراف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بينما تسرق الشركات المتعددة الجنسيات، مثل هاليبرتون و بيكتل مواردها بحجة التنمية.يقول بيركنز ان القتلة الاقتصاديين هم قتلة محترفون، يقبضون أعلى الأجور، ليبتزوا رؤساء الدول في شتَّى أنحاء العالم، ويسرقوا مليارات الدولارات منها. وكان بيركنز نفسه أحد هؤلاء القتلة،جنّدته (سي آي إيه) سرّاً، وعمل معها تحت غطاء عمله في شركة استشارية دولية، فزار أندونيسيا وكولومبيا وبنما والإكوادور والمملكة العربية السعودية وإيران وسواها من الدول التي تمتلك أهمية في الاستراتيجية الأميركية.
وكانت مهمّته تتركّز على تطبيق السياسات التي تخدم مصالح تحالف أميركي، يضمّ الحكومات،والشركات في الوقت نفسه العمل على تسكين أعراض وآثار الفقر إجراءات ظاهرية خادعة. وترك الكاتب وظيفته بعد تفجيرات11 أيلول 2001، ونذر نفسه لفضح هؤلاء القتلة- الذي كان هو نفسه يوما واحد منهم – من خلال كتابه اعترافات قاتل اقتصادي، وأهداه إلى روحَي رئيسين سابقين، لدولتين من دول امريكا اللاتينيَّة، هما الرئيس الأسبق للإكوادور خايمي رولدوس، والرئيس الأسبق لبنما عمر تورِّيخوس، وكلاهما قُتلا في حادث طائرة مُفتعل على حدِّ وصف الكاتب، ذلك “لأنَّهما وقفا في وجه الشركات والمصارف والحكومات التي تهدف إلى إقامة إمبراطوريَّة عالميَّة عن طريق نهب ثروات بلدانهم الطبيعية . والذي ذهب هو بنفسه اليهما وحاول ابتزازهما ولكنهما رفضا ، فتعرضا للاغتيال بأسقاط طائراتيهما الرئاسيتان.الكتاب ترجمه الكاتب الاردني بسام ابو غزالة

ابتداءً من اليوم التالي، أخذنا نلتقي في شقة كلودين في شارع بيكُنْ، على مسافةٍ قصيرةٍ من مقرّ شركة مين في مركز برودنشال. في ساعتنا الأولى معا، شرحتْ لي أنّني في مركز غير عاديٍّ، وأنّ علينا أنْ نلتزم السرية التامة. وقالت إنّ أحداً لم يُعطني معلوماتٍ مُحدَّدةً عن وظيفتي لأنه ليس هناك من هو مُخوَّلٌ بذلك – إلا هي. ومن ثمّ أخبرتني أنّ مُهمتها أنْ تُشكلني لأكون “قاتلا اقتصاديا”.
أثار بي هذا الاسمُ أحلام “القناع والخنجر”، فضحكتُ ضحكةً عصبية أحرجتني. فابتسمتْ كلودين وأكّدتْ لي أن النكتة كانت من أسباب اختيار الاسم. “فمن ذا الذي سيأخذها على محمل الجد؟” كما قالت.
عندها اعترفتُ لها بجهلي لدور القاتل الاقتصادي.
ضحكتْ وقالتْ، “لستَ وحدك. إننا سلالةٌ نادرةٌ في عمل قذر. ولا يجوزُ لأحدٍ أنْ يعرفَ ما تقومُ به – حتى زوجتك.” بعد ذلك تحوَّلتْ إلى الجدّ. “سأكون صريحةً معك، سأُعلِّمُكَ كلَّ ما أستطيعُ خلال الأسابيع القادمة. وبعد ذلك عليك أنْ تختار. وقرارُك سيكون نهائيا. فإن دخلتَ، دخلتَ مدى الحياة.” بعد ذلك نادراً ما استخدمت الاسم الكامل؛ فنحن ببساطة ق.ا.*
أعرفُ الآن ما لم أكنْ أعرفُه يومئذ – أنّ كلودين استفادت تماماً من نقاط الضعفِ في شخصيتي التي كشفتها إضبارتي لدى وكالة الأمن القومي. لا أعلمُ من أعطاها المعلومات – آينر، أم وكالةُ الأمن القومي، أم دائرةُ الموظفين في شركة مين، أم غيرهم – كلُّ ما في الأمر أنها استخدمتها ببراعة. فطريقتُها، التي كانت مزيجاً من الإغواء الجسدي والمراوغة اللفظية، كانت مفصّلةً لي تحديدا، ولكنها كانت تُلائمُ طرق العمل المعهودة التي أخذتُ أراها منذ ذلك اليوم تُستخدَمُ في الأعمال التجارية المتنوعة حين تكون الرهاناتُ عاليةً وضغطُ الحصول على الصفقات المربحة قويا. كانت تعرفُ منذ البداية أنني لن أُعَرِّضَ زواجي للخطر بإفشاء أنشطتنا الخفية. وكانت حاسمةً في صراحتِها حين حان الوقت لوصف الجانب الخفيِّ مما هو مطلوب مني القيامُ به.
لم أعرفْ من كان يدفعُ راتبَها، بالرغم من أنه لم يكنْ لديَّ شكٌّ في أنها شركة مين، كما تدلُّ على ذلك بطاقة عملها. لكنني في ذلك الوقت كنتُ أكثر سذاجةً ورُعباً وانبهاراً من أنْ أسألَ الأسئلةَ التي تبدو اليوم واضحة.
أخبرتني كلودين أن ثمةَ غايتين رئيسيتين لعملي. أولاهما أن عليّ أن أُبرِّرَ القروض الدولية الضخمة التي سوف تُعيدُ المالَ إلى شركة مين والشركات الأمريكية الأخرى (مثل بِكتل، هاليبيرتُن، ستون ووبستر، براون وروت) من خلال المشاريع الهندسية والإنشائية الكبيرة. وثانيتُهما أنّ عليّ أنْ أعمل على إفلاس الدول التي تتلقى تلك القروض (بعد أن تُسدِّدَ مستحقاتها لشركة مين وغيرها من الشركات الأمريكية، طبعا) بحيث يُمسك الدائنون برقابها أبداً، فتغدو أهدافاً سهلةً حين نطلبُ منها خدمةً ما، مثل إقامةِ قواعدَ عسكريةٍ في أراضيها، أو التصويتَ لصالحنا في الأمم المتحدة، أو الحصول على النفط أو الموارد الطبيعية الأخرى.
كانت وظيفتي، حسب قولها، أن أتنبّأ بآثار استثمار مليارات الدولارات في بلد ما. كان عليّ تحديداً أن أقوم بدراساتٍ تتنبّأ بالنمو الاقتصادي خلال عشرين إلى خمسٍ وعشرين سنةً في المستقبل وتقيّمُ آثار مختلف المشاريع. ولأضربْ لذلك مثلا: إذا تقرَّر إقراضُ دولةٍ ما مليارَ دولار لإقناع قادتها بالابتعاد عن الاتحاد السوفييتيّ، فعليّ أن أقارن بين فوائد استثمار ذلك المال في محطاتٍ للكهرباء وبين فوائد استثماره في شبكة جديدة للطرق الحديدية في البلاد أو في نظام للاتصالات اللاسلكية. أو قد يُقالُ لي إن تلك الدولة قد مُنحت فرصةَ الحصول على نظامٍ كهربائيٍّ حديث، وإنَّ عليَّ أنْ أُبيّنَ أنّ مثلَ هذا النظام سوف ينتجُ عنه نموٌّ اقتصاديٌّ كافٍ لتبرير القرض. والعاملُ الحاسمُ في كلِّ حال هو الناتج المحلي الإجمالي. وهكذا يفوزُ المشروعُ الذي يُنتج أعلى معدلٍ سنويٍّ لنمو الناتج المحلي الإجمالي. أما إنْ كان هناك مشروعٌ واحدٌ فقط تحت الدراسة، فعليّ أنْ أبيّنَ أنّ تطويرَه سوف يأتي بفوائدَ عاليةٍ للناتج المحليِّ الإجمالي.
إنّ الجانبَ المسكوتَ عنه في كلِّ واحدٍ من هذه المشاريع هو أنّ الغايةَ منها خلقُ أرباحٍ كبيرةٍ للمقاولين، وإسعادُ حفنةٍ من الأسر الغنية المتنفذة في الدول المستدينة، وفي الوقت ذاته ضمانُ وقوع حكوماتها في تبعيةٍ ماليةٍ طويلةِ الأجل، وما يستتبعُ ذلك من ولاء سياسي. وكلما كان القرضُ أكبرَ كان أفضل. أما حقيقةُ أنّ العبءَ الذي يوقعُه الدَّيْنُ على عاتق الدولة المعنية سوف يحرمُ مواطنيها الأشدَّ فقراً من الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية الأخرى لعشرات السنين، فأمرٌ لا يؤخذ في الاعتبار.
بحثنا، كلودين وأنا، الطبيعةَ الخادعةَ للناتج المحليِّ الإجمالي. فنموّهُ قد يتحقّقُ حتى لو كان المستفيدُ منه شخصاً واحدا فقط، كشخص يملكُ شركةَ منفعة، مثلا. وقد يتحقّقُ حتى لو رزحت أغلبيةُ السكان تحت وطأةِ الدين. فالغنيُّ هنا يزداد غنىً والفقيرُ فقرا. ومع ذلك، من وجهة نظر إحصائية، يُسجَّلُ هذا باعتباره نموّاً اقتصاديا.
وكمثل المواطنين الأمريكيين، يعتقد أغلبُ موظفي شركة مين أننا نُقدِّمُ خيراً للدول حين نبني لها محطاتٍ كهربائيةً، وطرقاً سريعة، وموانئ. وقد علّمتنا مدارسُنا وصحافتنا أنْ ننظر إلى كل ما نفعله على أنه حبٌّ للخير. ولقد سمعتُ على مدى السنين تعليقاتٍ متكرِّرةً مثل هذا التعليق: “ما داموا يُحرقون العلمَ الأمريكيَّ ويتظاهرون أمام سفارتنا، لمَ لا نخرج من بلدهم اللعين ونتركهم يتمرّغون بفقرهم؟”
من تصدرُ عنهم مثل هذه الأقوال أناسٌ يحملون شهاداتٍ تدلُّ على أنهم متعلمون. لكنهم لا يعلمون أنّ خدمةَ مصالحِنا هي السببُ الرئيسيُّ الذي يجعلنا نفتحُ السفاراتِ حول العالم. وخلالَ النصف الأخير من القرن العشرين كانت هذه المصالحُ تعني تحويل الجمهورية الأمريكية إلى إمبراطورية عالمية. وبالرغم من شهاداتهم تلك، فإنّ هؤلاء الناسَ على القدر ذاته من قلّةِ الثقافة كالمستعمرين في القرنِ الثامنَ عشرَ الذين كانوا يعتقدون أنّ الهنود [الحمر] الذين كانوا يُقاتلون دفاعاً عن أراضيهم إنما كانوا خدماً للشيطان.
خلال عدة أشهر، كنتُ سأسافرُ إلى جزيرة جاوة في إندونيسيا، تلك التي وُصِفتْ يومئذٍ بأنها أكثرُ بقعةٍ أرضٍ ازدحاما بالسكان على هذا الكوكب. وإندونيسيا إلى ذلك دولةٌ مسلمةٌ غنيةٌ بالنفط وأرضٌ خصبةٌ للنشاط الشيوعي.
“إنها قطعةُ الدومينو التاليةُ بعد فيتنام،” كما وَصَفتْها كلودين. “علينا أن نكسبَ الإندونيسيين إلى جانبنا. فإن انضمُّوا إلى المعسكر الشيوعي، ...” هنا وخزت حنجرتَها بإصبعها، مبتسمةً بعذوبة، وأضافت، “لنقلْ إنّ عليك أنْ تأتي بتنبّؤٍ متفائل جدا للاقتصاد، وكيف يمكنُ أنْ يظهرَ بعد بناء جميع المحطات الكهربائية وخطوط التوزيع. فمن شأن هذا أنْ يسمحَ لبرنامج المساعدات الأمريكيِّ وللبنوك الدولية أن تُبرِّرَ القروض. بطبيعة الحال، سوف تُجزَى جزاءً حسناً، وتستطيعُ من بعدُ أن تنتقلَ إلى مشاريعَ أخرى في أماكنَ غريبة. وسيكونُ العالمُ سلةَ مشترياتك.” ثم حذّرتني من صعوبةِ دوري، قائلةً: “سيلاحقُك خبراءُ البنوك، لأن وظيفتهم أن يكشفوا العيوبَ في تنبؤاتك – فمن أجل ذلك يتقاضَوْن رواتبَهم. فإنْ هزّؤوك بلغوا غايتهم.”
ذكَّرْتُ كلودين ذات يوم أنّ فريق شركة مين الذي أُرسلَ إلى جاوة كان من عشرة رجال. وسألتُها إنْ كانوا تلقَّوا النوعَ نفسَه من التدريب، فأجابتْ بالنفي، وقالت: “إنهم مهندسون، يُصمِّمُون محطاتِ الكهرباء وخطوطَ الإرسال والتوزيع، والموانئَ البحريةَ والطرقَ لنقل الوقود. أنتَ من يتنبّأُ للمستقبل، وتنبؤاتُكَ تُقرِّرُ حجمَ الأنظمةِ التي يُصمِّمونها – وقيمةَ القروض. ألا ترى؟ إنك أنتَ المفتاح.”
كلما خرجتُ من شقة كلودين، ساءلتُ نفسي إن كنتُ أفعلُ خيرا. ففي قرارةِ نفسي شعور كامنٌ بغير ذلك. بيد أنّ ما لقيتُ من إحباطٍ في ماضي حياتي كان يلازمني. وقد بدت لي شركة مين بأنها تُعطيني كلَّ ما افتقدتُه في حياتي. مع ذلك كنتُ أسأل نفسي دائما إن كان طومس بين* يقبلُ بهذا. أخيراً أقنعتُ نفسي بأنني حين أتعلّمُ أكثرَ، وأخبُرُ الأمر، أستطيعُ أن أكشفه لاحقا – إنه المبرِّرُ القديم: “العمل من الداخل”.
حين أخبرتُ كلودين بفكرتي، نظرتْ لي بارتباكٍ وقالتْ، “لا تكن سخيفا. إذا دخلتَ فلن تستطيعَ الخروج. عليك أنْ تأخذ قرارك قبل أن تغوصَ في العمق.” أدركتُ رأيَها، لكنّ قولها أفزعني. وبعد أن خرجتُ، تمشيتُ في شارع كُمُنْوِلْث، ثم تحوَّلتُ إلى شارع دارتمُث، وأكَّدتُ لنفسي بأنني كنتُ الاستثناء.
ذاتَ عصرِ يوم بعد عدة أشهر، جلسنا، كلودين وأنا، على أريكةِ نافذةٍ نُراقبُ الثلجَ المتساقط على شارع بيكُنْ. قالت كلودين، “نحنُ نادٍ صغيرٌ خاصّ. نتقاضى راتبا - راتبا عاليا – لكي نخدعَ الدولَ حول العالم بمليارات الدولارات. إنّ جزءاً كبيراً من وظيفتك أنْ تُشجِّعَ قادةَ العالم على أنْ يُصبحوا ضمنَ شبكةٍ تدعمُ مصالحَ الولاياتِ المتحدة التجارية. وفي نهاية المطاف، يقعُ هؤلاء القادةُ في شِباكٍ من الدَّيْن تضمنُ ولاءهم. عندئذٍ نستطيعُ الاعتمادَ عليهم حين نرغبُ لكي نُحقق أغراضَنا السياسية والاقتصادية والعسكرية. وبالمقابل، يُعزِّزُ هؤلاء القادةُ أوضاعَهم السياسيةَ بأن يجلبوا لشعوبهم مناطقَ صناعيةً ومحطاتٍ كهربائيةً ومطارات. في الوقت نفسه، يُثري أصحابُ الشركات الهندسية والإنشائية ثراءً كبيرا.”

.. يتبع

* Arthur D. Little، Stone & Webster، Brown & Root، Haliburton، Bechtel.
* “ق.ا.” اختصار عربي منحوت للقاتل الاقتصادي أو القتلة الاقتصاديين. في اللغة الإنكليزية يستخدم المؤلفُ الأحرف (EHM) اختصارا ل(Economic Hit Man). [المترجم]
* طومس بين أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة. اشترك في ثورة الاستقلال عن بريطانيا، وأثرت كتاباته بالثورة الفرنسية أيضا. [المترجم]


كانت وظيفتي، حسب قولها، أن أتنبّأ بآثار استثمار مليارات الدولارات في بلد ما. كان عليّ تحديداً أن أقوم بدراساتٍ تتنبّأ بالنمو الاقتصادي خلال عشرين إلى خمسٍ وعشرين سنةً في المستقبل وتقيّمُ آثار مختلف المشاريع.

الغايةَ هذه المشاريع خلقُ أرباحٍ كبيرةٍ للمقاولين، وإسعادُ حفنةٍ من الأسر الغنية المتنفذة في الدول المستدينة، وفي الوقت ذاته ضمانُ وقوع حكوماتها في تبعيةٍ ماليةٍ طويلةِ الأجل، وما يستتبعُ ذلك من ولاء سياسي.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)