الجزائر

إرادة غير معلنة لتحويل تاريخ الثورة إلى مذكرات شخصية



لم تحل السلطات العليا للبلاد أية أزمة بتقنينها لكتابة التاريخ، إذ لا تزال المذكرات الشخصية لبعض وجوه الثورة التحريرية تثير جدلا كبيرا، في غياب مبادرة جادة وجريئة لكتابة ''تاريخ رسمي''، بل حتى امتناع بعض الشخصيات مثل الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد وعائلة المرحوم لخضر بن طوبال، عن نشر مذكراتهما، هو ''امتناع'' مثير للجدل، ناهيك عن أبرز ما حدث في عام 2011 بين ''الثنائيات التاريخية'' (بن بلة - آيت أحمد) و(ياسف سعدي - إيغيل أحريز) و(الطاهر زبيري - محمد الصالح يحياوي)·يكفي في الجزائر أن يبوح الشاذلي بن جديد أو أحد من مقربيه وفرد من عائلة لخضر بن طوبال، بسرّ الخلفيات التي منعت نشر مذكراته، طبقا للوعود التي أطلقت، ليعود الجدل وبقوة إلى الساحة· وقد يضطر الملايين من القراء الجزائريين للصحافة لأن يعيشوا أسابيع من اللغط بسيطرة الحدث على الأخبار، فما بالك لو نشر أحدهم المذكرات وانتقل الجدل من الحديث عن خلفيات عدم النشر إلى الحديث عن محتوى المنشور؟
عادت وستعود عقدة كتابة التاريخ، ومضمون الجزائر في هذا الإطار، كلما حلت ذكرى نوفمبر وجويلية، ليبقى التساؤل حول ماذا وقع قبل 62 وماذا جنينا من ,62 تساؤلا أبديا، على ضوء الإسهامات الشخصية والذاتية لكتّاب المذكّرات ومطلقي التصريحات، دون التوصل إلى حل يرضي فرنسا الرسمية وريثة فرنسا الاستعمارية ولا الجزائر المستعمرة التي ورثتها الجزائر الرسمية أيضا·
أصبح التأريخ للثورة الجزائرية يستند إلى العدد السنوي للسجالات الشخصية التي يثيرها المجاهدون· لقد دشّن الثنائي ياسف سعدي - لويزة إيغيل أحريز جدلا العام 2011 بكل قوة، من خلال كشف الأول بصفته ''شاهدا رسميا'' على معركة الجزائر وأجزاء أخرى من الثورة في المدينة، أن لويزة لم يكن يعرفها وهي التي راج عنها جرأتها ضمن كتائب النساء اللواتي وضعهن ''الجنرال ماسو'' في قائمة النساء الخطيرات في العاصمة، مؤكدة أنه طالها تعذيب على يد الجلادين لا يزال جسمها حاملا لآثاره إلى اليوم· وتطور الجدل بينهما إلى مطالبة ياسف سعدي بالتخلي عن الحصانة البرلمانية ومواجهتها في القضاء ''لتصريحاته المهينة''، ليصل الجدل إلى غاية كشف أسرار عائلية بين الطرفين كانت تربطهما خلال الثورة، وكأن الجدل حول أحداث الثورة جاء لتصفية حسابات بينهما·
الحدث الآخر الأبرز من هذا الباب لعام 2011 صنعه الرئيس الأسبق أحمد بن بلة بتصريحه أن حسين آيت أحمد تصرف خلال أحداث الثورة التي عاشها خارج السجن، بذهنية جهوية ضيقة، وقال إنه ''كان قبائليا أكثر منه جزائري''، مما ضرب المسيرة النضالية لأقدم معارض للنظام في الصميم· والغريب بل و''الأطرف'' عند البعض أن آيت أحمد لم يرد على بن بلة، وقالت أخبار عن ردود فعله إزاء بن بلة أنه اكتفى بإعلان ''رد مناسب في وقت مناسب''، الأمر الذي عزّز أكثر فأكثر نظرية أن كل الثوار لهم ماض أسود يخافون بسببه كشف أسرار تنقلب عليهم بردود أخرى''، وهو الأمر الذي فُهم ضمنيا عن عبد الحميد مهري عندما صرح في إحدى خرجاته الإعلامية أن ''تاريخ الثورة ليس تاريخ الثوار وصراعاتهم الشخصية''·
ويبدو أن الطاهر زبيري، وفي حال لم يُثر شيئا إلى غاية 31 ديسمبر بمذكراته، يكون قد أتى بالنكهة التاريخية السائدة منذ خمسة عقود، بنعت محمد الصالح يحياوي ونزار بالخائفين، وتارة بالحياد في قضية انقلاب الزبيري على الرئيس هواري بومدين، على خلفية امتناعهم على إمداد حركته لإنجاح الانقلاب، ليرد كل من الكاتب الصحفي سعد بوعقبة ومحمد الصالح يحياوي على أجزاء متفرقة من المذكرات·


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)