الجزائر

إثيوبيا: متى تنتهي الحرب.. وكيف؟



بقلم: مدى الفاتح*
يمكن للمرء أن يحصل على إجابتين مختلفتين حينما يطرح سؤالاً عن حسم المعارك في إثيوبيا فإذا توجه بالسؤال إلى ممثلي الحكومة المركزية بأديس أبابا فهم سيجيبونه بأن المعركة في أشواطها الأخيرة وهي ستحسم لصالحهم بالتأكيد سيحكون عن تقدمهم وسيقدمون صوراً عن أسر الكثير من الرجال الذين استسلموا حينما رأوا الهزيمة.
في المقابل إذا وجهت هذا السؤال لمقاتلي قوات دفاع تيغراي أو جيش تحرير الأرومو أو غيرهما من المجموعات التي اتحدت مؤخراً تحت مسمى الجبهة الموحدة للقوات الفدرالية والكونفدرالية الإثيوبية فسيتم إخبارك بأن كل ما يقال من طرف نظام آبي أحمد هو لتطمين الداخل وخلق انطباع بأن البلد آمن وفي هذا رسائل للدول الأجنبية وللسفارات التي كانت بدأت بإجلاء موظفيها ورعاياها. بحسب تيغراي فإن حكومة المركز التي قطعت الإنترنت وضيقت على وسائل الاتصال ومنعت الصحافة المحايدة تريد أن تتحكم في الصورة المنقولة وأن تنقل القصة على طريقتها ووفق روايتها الدعائية التي تكذبها حقيقة إعادة سيطرة المتمردين على مدن استراتيجية كانوا قد انسحبوا منها قبل أسبوعين.
ربما يكون متمردو تيغراي ومن هم في حلفهم من ميليشيات قد وضعوا أمامهم صورة ما حدث في عام 1991 فباستغلال ضعف وتفكك الحليف السوفييتي آنذاك انقضت المعارضة المسلحة تحت راية الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية من كل الجهات على العاصمة الشيوعية منهية حقبة سوداء من الديكتاتورية الماركسية. على الرغم من اختلاف سياقات الزمان فإنه لا شك في أن تلك الحادثة موجودة في لاوعي المتمردين الذين يبدون مؤمنين بأن ما حدث قابل للتكرار. سقوط الشيوعي منغستو بذلك الشكل المهين واضطراره للهرب والاحتماء في زمبابوي ربما يكون أيضاً على بال قادة النظام الإثيوبي اليوم وهذا يفسر تركيز دعاياتهم على القول إن آبي أحمد ليس منغستو وإن زعيمهم الحالي لم يسع للفرار بل على العكس تقدم إلى الجبهات مرافقاً قادة جيشه كعادة أبطال الحبشة. التاريخ حاضر دائماً في الصراع الإثيوبي وقد استمعنا لأحمد وهو يشبه المعارك الحالية بمعركة عدوة 1896 ما يحمل تشبيهاً ضمنياً بالامبراطور مينليك الثاني كما يحمل تشبيهاً للتيغراي بالغزاة الإيطاليين.
بين الروايتين المتناقضتين عما يجري على الأرض تبقى حقيقة وحيدة وهي أن الطرفين الرئيسيين الحكومة وإقليم تيغراي يخوضان معارك متصلة سمتها الكر والفر وساحتها الأخيرة هي إقليم أمهرا. ما بين سيطرة التيغراي المباغتة على عدة مدن في الإقليم ثم هجوم الجيش الحكومي وإجباره المعارضة المسلحة على التراجع لا يبدو أن هناك نصراً حاسماً يلوح في الأفق. التيغراي الذين كانوا اتبعوا سياسة التمدد في أراضي العفر والسعي للسيطرة على الطريق المؤدي إلى ميناء جيبوتي لم يستطيعوا الصمود أمام مقاتلي الإقليم الذين بدوا رافضين بشدة للرضوخ لسلطة تيغراي. لأهمية موقع العفر فإنه بالإضافة للمقاتلين المحليين الذين أظهروا استبسالاً شديداً في القتال فإن قوات تيغراي وجدت نفسها محاصرة بتعزيز عسكري من جانب الحكومة المركزية ومن جانب الجيش الإريتري الذي دخل أيضاً كطرف في الصراع ذلك لم يترك خياراً أمام جنود تيغراي سوى الانسحاب خاصة بعد أن أضيف لذلك كله الاستخدام المكثف لطائرات الدرون المتطورة التي وجهت ضربات موجعة للمهاجمين.
الوضع الحالي هو تمسك كل طرف بموقعه في انتظار اللحظة المناسبة للانقضاض وفي ظل التفوق الذي يتمتع به الجيش الحكومي وحصوله على مزيد من الأسلحة النوعية فإننا لا نستبعد أن ينجح في إعادة السيطرة على المساحات التي تراجع عنها بل ملاحقة التيغراي إلى داخل إقليمهم لكن هل سيعني ذلك انتهاء الحرب؟
للأسف فإن الصراع الإثيوبي يزداد كل يوم تعقيداً حيث ينشأ الكثير من الاحتقانات والحساسيات العرقية التي تجعل التصالح صعباً بل إن الأمر لم يعد يقتصر على صراع بين الجيش الحكومي والمتمردين التيغراي بل دخلت البلاد في أزمات عرقية متناسلة ما بين العفر والأمهرا وغيرهما من الإثنيات التي بدأت تعيد اليوم التفكير في هذه الوحدة ضمن الكونفدرالية الإثيوبية. نعم قد ينتصر الجيش الحكومي مجدداً لكن علينا ألا نتوقع أن التيغراي سيتقبلون الهزيمة ببساطة كما يتقبلها فريق مهزوم في مباراة كرة القدم وقد جربنا مشهداً مماثلاً العام الماضي حين لم تكن ما سماها الإعلام المحلي بالهزيمة الساحقة إلا مجرد جولة من جولات الحرب.
الخيار الأسهل هو وقف إطلاق النار والجلوس للتفاوض وهو ما تدعمه الوساطات الدولية ويدعو إليه المراقبون لكن كلا الطرفين لا يبدو متحمساً لذلك وهو يراهن على قدرته على تحقيق النصر كما أن كلا الطرفين يخشى من أن يتهم بالضعف أو أن يخذل أنصاره. يظهر هذا في منطق قيادات الحكومة المركزية التي ترى في التراجع عن إلحاق الهزيمة النكراء بمن تصفهم بالعدو انتقاصاً من هيبة الدولة حتى دعوة آبي أحمد لإنشاء الهيئة العليا للحوار لم يأخذها المتمردون بجدية واعتبروا أنها مجرد مراوغة منه لتحسين صورته. ما يظهر حتى الآن هو أن قادة جبهة تيغراي يرفضون الاستسلام أو العودة إلى حدود إقليمهم أو الاعتراف بحكومة آبي أحمد وهو ما ينسف فكرة الحوار من أساسها.
من الواضح أن آبي أحمد تلقى دعما إقليمياً ودولياً كبيراً ساعد جيشه على التقدم والصمود قد لا يعني ذلك بالضرورة أن هذه الأطراف الدولية معجبة به أو مقتنعة بمنطقه بقدر ما يشير إلى حرص دولي على تثبيت نظامه ومنع أديس أبابا من السقوط بشكل درامي على طريقة كابول الأفغانية. تبقى الضحية في كل ذلك هم عامة المدنيين فبعد القتل على الهوية والاغتصاب والتهجير والمجاعة تحدثت تقارير أممية الأسبوع الماضي عن أن إرسال المواد الغذائية لم يعد ممكنًا لأنها تتعرض للسلب ولا تصل لمستحقيها. يمكن الانتباه هنا إلى التشديد الغربي على وقف القتال وبدء التفاوض. الغرب الذي يعاني من أزمات مختلفة خاصة الأوروبيين يقعون ضحية مواقف أخلاقية متناقضة فهم من جهة يريدون أن يضغطوا على نظام آبي أحمد الذي ارتكب كثيراً من الجرائم التي ترقى وفق كثير من المنظمات الدولية لأن توصف كجرائم حرب ومن جهة أخرى هم يعلمون أن أحمد هو الشريك الوحيد الذي يمكن أن يضمن وجود إثيوبيا موحدة أو حتى منفصلة لكن مستقرة. يجب أن نأخذ في الاعتبار هنا أن المعارضة حتى إن بدت موحدة اليوم فإن ما يجمعها هو فقط إسقاط النظام ورحيل آبي أحمد لكن لا يوجد ما يضمن توقف التوتر والاقتتال الإثني بين المكونات الرئيسة في مرحلة تالية. بالنسبة للأوروبيين فإن الاستقرار هو هدفهم الأهم فآخر ما ينتظرونه هو الاستيقاظ على صوت الملايين من اللاجئين الإثيوبيين وهم يتوافدون على بلدانهم طلباً للحماية أو الرعاية. الخيار المثالي بالنسبة للأوروبيين ربما يكون الحسم السريع للأزمة بواسطة الجيش الحكومي وبشكل يعيد الأمور إلى نصابها. هذا هو ما جعل ضغوطاتهم لأجل وقف إطلاق النار وقراراتهم حول حقوق الإنسان تبدو غير جادة. الخيارات الأخرى التي ربما تطرح في وقت لاحق إذا ما تبدلت موازين القوى سوف تكون التفاوض الذي قد يمر بتغيير القيادة أو الانفصال الهادئ الذي لا يسبب الكثير من الإزعاج.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)