الجزائر

أوراق اعتقالية (2)


عودة إلى إضراب سجن نفحة التاريخي 14 تموز عام 1980 ففي مثل هذا اليوم 16 تموز يكون اضراب نفحة قد دخل في يومه الثالث وغادر الأسرى المضربون عن الطعام تأثير الصدمة الأولى للإضراب والمتمثلة في المعاناة الجسدية الناجمة عن التوقف المفاجئ عن توقف الطعام بحيث يبتدئ الجسم بالتعود على عدم ورود الطعام الى داخله وأن عليه الاكتفاء بالماء وفائض ما خزن من تراكمان غذائية داخل الجسد.في هذا اليوم توقف الشعور بالصداع والجوع ويبدأ الشعور بالإرهاق العادي والكسل الذي يزداد تدريجيا مع تقدم أيام الإضراب ويبدئ الأسرى المضربون بتبادل الأحاديث والقصص والنقاشات حول تجارب حياتية شخصية مرو بها، في هذا اليوم كنت من رواد غرفة رقم 1 في سجن نفحة الصحراوي قسم رقم 2 ، وكان معي في الغرفة نخبة من أبطال الحركة الأسيرة منهم زهير الملاعبي وأحمد عبد الفتاح نصر وجبريل رجوب ويونس رجوب وبسام السائح ، في هذا الصباح الذي ابتدئ متأخرا بداء الفدائي زهير الملاعبي بالتحرش بشعور الملل الذي كان يسود ذلك الصباح وزهير الملاعبي لمن لا يعرفه احد رايات الحركة الوطنية الأسيرة وهو رفيق أبونا حارس القدس المطران ايلاريون كبوتشي في الخلية العسكرية الواحدة ، وهو شاب لطيف عزيز جميل المحيا من أسرة ميسورة الحال كان بإمكانه أن يعيش حياة مرفهة منعمة كبقية أفراد شريحته الاجتماعية لكنه وإخوته الأبطال قرروا الهجرة إلى صفوف الثورة، وكان دورهم رئيسي ومميز في الخلية العسكرية التي شكلوها مع أبونا حارس القدس، بدء زهير بسؤال الشباب بالغرفة عما يطلبونه من طعام لتناوله على الإفطار، وبدء بسؤال الشباب واحدا واحدا ماذا يريد منهم ان يحضر لهم على الفطور وبدء الشباب بتقديم طلباتهم له منهم ما يريد كباب حلبي ومنهم ما يريد الحمص والفول ومنهم ما يريد الفلافل وكل واحد طلب طلبا مختلفا عن طلب الاخر وفي النهاية وعدهم بتقديم الطعام الذي طلبه كل منهم في بيته بعد النصر على الصهيونية، وأخذ الطعام وتحضير الطعام مساحة واسعة في الحديث اليومي بين الشباب حيث أن الكتب أرسلت في إجازة الى الرفوف لان لا احد يمتلك القدرة على القراءة والاستيعاب فالجائع لا يقرأ وان قرأ لا يستوعب فاستعيض عن الكتب بالألسن واخذ كل واحد من الاسرى المضربين يتفنن في رواية طريقة تحضير نوع معين من الطعام تتقنه أمه أو أخته أو هو شائع في محيطه الاجتماعي .
كان الاسرى عند موعد القيلولة بعد الظهر يغفون في فراشهم المتمددين فيه طيلة الوقت وبعد ان يصحوا يعودون إلى تداول الحديث في قضايا الطعام وأنواعه ثم يعرجون على قضايا وإحداث اجتماعية أحيانا واقعية وأحيانا خرافية يروونها لبعض لاجتياز الوقت حيث أصبح لدى الاسرى المضربين فائض من الوقت الذي كان ينقصهم جدا قبل الإضراب ففي الوضع العادي لا يمتلك الأسير وقتا ليتحدث في قضايا اجتماعية تتعلق بالطعام او غيره او الالتهاء بالألعاب مثل طاولة الزهر والبرجيس وغيرها من لصوص الوقت لأن البرنامج التعليمي لكل أسير مبتدئ كل حسب اهتمامه الثقافي ، ويبقى الاسرى على هذا الحال حتى يتسلل النعاس الى عيونهم فيغفون حتى صباح اليوم التالي من أيام الإضراب على صوت حراس ا لسجن وهم يصيحون (عدد يا شباب) ليعدو الاسرى . وإلى اللقاء في وصف يوم أخر من أيام الإضراب.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)