الجزائر

أنموذج الملتقيات الجادة (قراءة في أعمال ملتقى الألقاب العائلية في الجزائر):



أنموذج الملتقيات الجادة (قراءة في أعمال ملتقى الألقاب العائلية في الجزائر):
في ظل انتشار ملتقيات الفاسفود أصبح من النادر جدا أن تصادف ملتقى علمي جاد وهادف مثل ملتقى (الألقاب العائلية في الجزائر، بين النص والتطبيق والآثار 1873-1962م)، والذي نظمته جامعة محمد العربي بن مهيدي (أم البواقي) بتاريخ 29-30 أكتوبر 2019م تحت رئاسة الدكتور توفيق بن زردة.
وقد صدرت مؤخرا أعمال هذا الملتقى القيم عن دار الهدى للنشر والتوزيع في حدود 370 صفحة، وقد استمتعت كثيرا وأنا أغوص في ثناياه، هذا الملتقى الذي ناقش قضية في غاية الأهمية يصنفها البعض ضمن الأسلحة الناعمة التي استعملتها فرنسا ضد المجتمع الجزائري من أجل تفكيك روح القبيلة والعشيرة التي سادت الجزائريين منذ عهد الممالك النوميدية، وقد تجسد ذلك في القوانين التي صاغتها فرنسا في خلق ما يعرف بالألقاب العائلية سنة 1882م، والشيء المميز في هذا الملتقى أنه لم يقتصر على أساتذة التاريخ فقط بل شمل مشارب علمية أخرى ضمن العلوم الإنسانية، مثل: علم النفس، علم الاجتماع، الأنثروبولوجيا، اللسانيات، وذلك من أجل الغوص في حيثيات الموضوع بشكل أعمق، ورغم أن الاطار الزماني للموضوع يقتصر على الفترة الاستعمارية الفرنسية إلا أن القائمين على الملتقى استنجدوا ببعض الدراسات القيمة حول نظام الألقاب بالجزائر خلال الفترة العثمانية لإحداث المقاربة التاريخية.
تطرق رئيس الملتقى الدكتور توفيق بن زردة في المقدمة لأهمية طرق مثل هذه المواضيع في الملتقيات العلمية التاريخية باعتبارها منفذا مهما في رصد الظاهرة الكولونيالية بأبعادها الاجتماعية، وقد تضمن الملتقى حوالي 17 دراسة قيمة، كانت على النحو الآتي:
1/- نظام الألقاب التركية في عهد الدولة العثمانية، وهي دراسة تقدم بها الدكتور خليفة حماش (جامعة الأمير عبد القادر)، عدد فيها أنواع الألقاب التي شاع استعمالها لدى الإمبراطورية العثمانية، بين الألقاب ذات المدلول اللغوي، والألقاب بحسب صفتها الرسمية والعامة، والألقاب بحسب استخدامها بالنسبة للاسم، مقدما أمثلة عديدة عن نظام الألقاب السائدة بالجزائر خلال العهد العثماني انطلاقا من الوثائق الأرشيفية.
2/- الأسماء في الجزائر هوية وانتماء، دراسة مصدرية من خلال الدفاتر التونسية (1756- 1778) -بايلك الشرق أنموذجا-، وقد تقدم بهذه الدراسة الهامة الدكتور توفيق بن زردة (جامعة أم البواقي)، أين اعتمد على وثائق الدفتر 2144 من الأرشيف الوطني التونسي - الذي يتضمن الهبات والاحسانات التي كانت تتم بين بايات تونس من جهة وبايات الجزائر وبعض الشيوخ والأمراء المحليين من جهة ثانية-، في تفكيك مختلف الأسماء والألقاب الجزائرية الواردة في الدفتر، وتتبع أصولها وأقاليمها الجغرافية.
3/- الألقاب المشينة في الجزائر خلال العهد العثماني، دراسة تاريخية نقدية تقدم بها الدكتور فارس كعوان (جامعة سطيف 2)، وعلى عكس الذين تتبعوا ظاهرة انتشار الألقاب المشينة في أوساط العامة خلال فترة الاستعمار الفرنسي فإن الدكتور فارس كعوان ناقش الظاهرة من زاوية انتشارها وسط: الدايات والبايات والعلماء والأولياء الصالحين. الذين حملوا هذه الألقاب المشينة.
4/- تشريعات الأراضي والمجتمع الريفي وعلاقته بقانون الألقاب في الجزائر، قانون 1873 أنموذجا، للدكتورة هاشمي كوثر (جامعة أم البواقي)، تتبعت في هذه الدراسة قانون فارني 26 جويلية 1873م، ومساهمته في ترسيخ الألقاب العائلية بصورة إجبارية وسط المجتمع الجزائري (أسباب صياغة القانون، مضمونه، صعوبات التطبيق، تداعياته).
5/- قراءة في قانون الحالة المدنية 1882م، تقدم بها الدكتور عبد الوحيد جلامة (جامعة أم البواقي)، فصل فيها قانون الحالة المدنية الذي طبق على المجتمع الجزائري بتاريخ 23 مارس 1882م، وفرض عليهم تغيير الأسماء الثلاثية التي عرف بها المجتمع الجزائري قبل 1830م بالألقاب الجديدة، بنية تفكيك المجتمع الجزائري وخلق ما يعرف بالأسر النووية. لتسهل عملية مراقبة الأهالي وعدم تكرار الانتفاضات الشعبية العارمة ذات التضامن القبلي (الأمير عبد القادر، أحمد باي، الزعاطشة، المقراني ...)
6/- القوانين الفرنسية المنظمة للحالة المدنية في الجزائر خلال القرن 19م، وهي دراسة قيمة تقدم بها الدكتور أحمد صاري (جامعة أم البواقي)، تطرق فيها لسجلات الحالة المدنية من عقود الميلاد والوفاة بالبلديات المختلطة وذات الصلاحيات الواسعة قبل وبعد 1882م، قبل أن يتعمق في قانون الحالة المدنية (دوافع الإنشاء، مضمونه، أهدافه، آثاره).
7/- صياغة الألقاب العائلية أواخر القرن 19م بين دور المفوض والموروث المحلي، للدكتور توفيق بن زردة (جامعة أم البواقي)، وقد تتبع فيه نظام الحالة المدنية والألقاب العائلية في دوار احساسنة بأحواز قسنطينة، من خلال تشخيص العمل الذي قام به موريس بواث في تسجيل الألقاب بهذه المنطقة، وكذا النبش في دلالة هذه الألقاب.
8/- تحولات الهوية الاسمية وبداية العملية التلقيبية بحوض السمندو، دراسة لمجالات ودواوير بلدية بيزو، للدكتور علاوة عمارة (جامعة الأمير عبد القادر)، وقد كانت دراسة مونوغرافية بامتياز في حدود 72 صفحة، تعمق فيها في نظام الحالة المدنية بالجزائر قبل وبعد دخول الاستعمار الفرنسي للجزائر عموما، وبقسنطينة وحوض السمندو بشكل خاص، وقد دعم فيها دراسته بأرصدة وثائقية معتبرة.
9/- نحو قراءة أنثروبولوجية في المنظومة الأونوماستيكية، للألقاب العائلية، مقاربة نماذج، قدمتها الدكتورة هدى جباس من علم الاجتماع (جامعة قسنطينة 2)، وهي دراسة سوسيولوجية، عالجت فيها مكونات الألقاب العائلية من حيث (طبيعة التسمية، تحريفات الألقاب من حيث النطق والكتابة بين العربية الدارجة والفرنسية، الدلالة الدينية والاقتصادية والجغرافية للألقاب، ظاهرة تشويه الألقاب وربطها بالعاهات والحيوانات ...).
10/- الألقاب العائلية في منطقة غرداية بين نصوص الإدارة الاستعمارية وتطبيقات عقود المحاكم الشرعية، للدكتور إلياس حاج عيسى (المدرسة العليا للأساتذة بالأغواط)، وهي دراسة مونوغرافية لمنطقة جزائرية أصيلة. ألا وهي مدينة غرداية، والتي تعتبر من المناطق التي تأخر فيها تطبيق نظام الألقاب لغاية 24 أفريل 1931م، وقد عرج فيها لطبيعة الألقاب ودلالتها اللغوية والمعنوية بمنطقة غرداية خلال الحقبة الاستعمارية الفرنسية استنادا لسجلات المحاكم الشرعية.
11/- الألقاب الأسرية الجزائرية في المجال الأوراسي الشرقي، مقاربة لسانية اجتماعية، تقدم بها الدكتور إبراهيم براهمي (جامعة قالمة)، تتبع في ورقته البحثية هذه نفس المراحل الخاصة بنظام الحالة المدنية الذي ساد الجزائر بشكل عام ومنطقة الأوراس بشكل خاص، والشيء المميز في الدراسة هو استعمال الألقاب ذات الدلالة الأمازيغية (الشاوية).
12/- ألقاب وعروش بلدية طولقة -الزيبان- من خلال سجل الأم للحالة المدنية 1932-1937م، للدكتورة بوخليفي قويدر جهينة (جامعة بسكرة)، تناولت فيها سجلات الحالة المدنية لبلدية طولقة (سجل 1937م)، أين تتبعت فيه مختلف الألقاب المسجلة في هذا السجل ودلالتها المختلفة.
13/- منظومة الألقاب العائلية في الريف الشرقي القسنطيني، أواخر القرن ال19 من خلال أرشيف الحالة المدنية، وأصل الدراسة رسالة ماستر قدمت بجامعة أم البواقي تحت اشراف الدكتور توفيق بن زردة، من إنجاز الطالبتين (دلال دقيش، أحلام عاشوري)، تناولت الطالبتين في هذه الدراسة المونوغرافية منظومة الألقاب العائلية في دوار أولاد ناصر ودوار أولاد جحيش بالريف الشرقي القسنطيني.
14/- قانون الحالة المدنية 1882، محصلة تفكيك ممنهج لبنى المجتمع الجزائري، وهي دراسة تدخل ضمن الآثار والتداعيات المخلفة جراء تطبيق قانون الحالة المدنية، قدمها الدكتور جمال ورتي (جامعة سوق أهراس)، تعمق فيها أكثر في المكاتب العربية ودورها في تجسيد وترسيخ قانون الحالة المدنية في المجتمع الجزائري عامة وقبيلة الحنانشة بشكل خاص.
15/- أثر الألقاب السيئة على نفسية الطفل- دراسة ميدانية بولاية أم البواقي، وهي ورقة بحثية تدخل ضمن علم النفس، تقدمت بها الدكتورة عامر نورة (جامعة أم البواقي)، عالجت فيها التداعيات السلبية التي خلفها قانون الحالة المدنية على نفسية الأسر والعائلات الجزائرية بعد الاستقلال، وخصوصا فئة الأطفال من خلال الألقاب المشينة، وهي دراسة ميدانية أخذت خلالها عينات بولاية أم البواقي، وهي دراسة قيمة جدا وجب تعميمها على باقي الولايات الجزائرية لما فيها من تقييم الأثر السلبي في نفسية التلاميذ، وعقدة الألقاب المشينة أمام زملائهم بالمدرسة، وهي العقدة التي يمكن أن تحطم مسيرة التلميذ وتجبره على مغادرة مقاعد الدراسة مبكرا.
16/- التصورات الاجتماعية للألقاب في المجتمع الجزائري، للدكتورة فضال نادية أستاذة علم النفس (جامعة أم البواقي)، وعلى عكس الدراسة الأولى التي ناقشت الآثار السلبية لقانون الحالة المدنية لدى فئة الأطفال بولاية أم البواقي، فإن هذه الدراسة أخذت عينات من جامعة أم البواقي (بين طلبة وأساتذة)، وهي عبارة عن تحدي ثقافة النسب وشجرة العائلة لدى النخب، ومدى التأثر بالألقاب المشينة في الحياة العلمية والمهنية.
17/- مفوضو الأحوال المدنية في الجزائر خلال الفترة الاستعمارية، للباحث رياض شروانة (جامعة السوربون)، وهي دراسة قدمها باللغة الفرنسية، تطرق فيها للأشخاص المفوضين من الإدارة الفرنسية للإشراف على تطبيق قانون الحالة المدنية سنة 1882م على أرض الواقع، وقد أخذ أنموذج المحافظ (جان موريس بواث)، والذي أشرف على عملية تسجيل الألقاب بالريف القسنطيني، والمعايير والوسائل التي اعتمدت عليها الإدارة الفرنسية في هذه العملية.
-
* قدمنا مختصرا من هذا الكتاب الرائع، والذي يجب أن يكون في مكتبة كل طالب وباحث في التاريخ الحديث والمعاصر بالجامعة الجزائرية.
* هي نسخة خاصة جدا وصلتني، ولمن يريد الاطلاع على الكتاب سيطرح قريبا للتحميل في صيغته الإلكترونية عبر موقع جامعة أم البواقي.
* كل الشكر والتقدير للزميل والصديق الدكتور توفيق بن زردة الذي أشرف على إخراج هذا العمل القيم، والذي سيقدم إضافة معتبرة للبحث التاريخي بالجامعة الجزائرية، ويكون مدخلا وتمهيدا لبحوث ودراسات أكاديمية مستقبلية تناقش موضوع الألقاب العائلية بمختلف المدن والولايات الجزائرية.


ان مثل هذه الدراسات والبحوث كحبل نتمسك به في صحراء متحركة غلبت فيها المديات على الروحانيات وباعدت فيه ماضينا عن حاضرنا رغم انه سر وجودنا وإستمرارنا فشكرا لكل هؤلاء الذين يجعلوننا نتمتع بهذا الاختصاص نجوب بين طيات أسرار تستفزنا لنحلها فنحس بنشوة التاريخ
فريدة قاسمي - طالبة - أم البواقي - الجزائر

22/02/2023 - 551684

Commentaires

سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)