كنا قد ذكرنا أنّ أهل أنكاد من ذوي عبيد الله من المعقل. والمعقل من أوفر قبائل العرب، وكان دخولهم إلى بلاد المغرب العربي مع الهلاليين في عدد قليل، يقال أنهم لم يبلغوا المائتين، وإنما كثروا بمن اجتمع إليهم من القبائل من غير نسبهم. فإن فيهم من مسلم وسعيد من رياح، والعمور من الأثبج، والشظة من كرفة، والمهاية من عياض، والشعراء من حصين، والصبّاح من الأخضر، وكلّهم من بني هلال. وفيهم من فزارة ومن أشجع أحياء كبيرة، وفيهم من بني سليم وغيرهم. قام هؤلاء المعقل في القفار وتفردوا في البيداء فنموا نموا لا كفاء له. وكانوا مجاورين لبني عامر بن زغبة في مواطنهم بقبلة تلمسان، وينتهون إلى المحيط الأطلسي من ناحية الغرب. وهم ثلاثة أجذام كبيرة: ذوي عبيد الله، وذوي منصور، وذوي حسان.
فذوي عبيد الله موضوع حديثنا هم المجاورون لبني عامر، فمواطنهم ما بين تلمسان إلى وجدة إلى مصب وادي ملوية في البحر ومنبعث وادي صا من القبلة. وتنتهي رحلتهم في القفار إلى قصور توات وتمنطيت، وتسابيت وتيكورارين. حالفوا بني زيان، وعسكروا معهم في حروبهم، ولمّا لحق دولتهم الهرم، وطنوا التلول، وتملكوا وجدة وندرومة وبني يزناسن ومديونة وبني سنوس إقطاعا من السلطان، إلى ما كان لهم عليها قبل من الأتاوات والوضائع، فصار معظم جبايتها لهم، وضربوا على بلاد هنين بالساحل ضريبة الإجازة منها إلى تلمسان، فلا يسير ما بينهما مسافر أيام حلولهم بساحتها إلا بإجازتهم، وعلى ضريبة يؤدونها إليهم.
كانوا بطنان: الهداج والخراج، فالهداج من ولد الهداج بن مهدي بن محمد بن عبيد الله، وأما الخراج فمن ولد خراج بن مطرف بن عبيد الله. وللخراج بطون كثيرة، فمنهم: الجعاونة من جَعوان بن خراج، والغُسَل من غاسَل بن خراج، والمطارفة من مُطرف بن خراج، والعثامنة من عثمان بن خراج، ومعهم المهاية من عياض.
وكانت رياسة الخراج في العثامنة منهم في أولاد عبد الملك بن فرج بن علي بن أبي الريش بن نهار بن عثمان بن خراج، لأولاد عيسى بن عبد الملك ويعقوب بن عبد الملك ويغمور بن عبد الملك. وكان يعقوب بن يغمور شيخهم لعهد السلطان أبي الحسن، ثم خلفه ابنه طلحة، ثم أخوه منصور بن يعقوب، ثم ابنه رحو. وكانت رئاستهم لعهد ابن خلدون منقسمة بين رحو بن منصور هذا، وطلحة بن يعقوب المذكور آنفا. وطلحة هذا هو الذي أشار إليه الحافظ محمد أبي راس الناصري المعسكري في مخطوطه "عجائب الأسفار ولطائف الأخبار" حين قال: "وذوي عبيد الله مجاورون لبني عامر من الغرب وكانت لهم الإتاوة على وجدة وندرومة وبني زناسن وبني سنوس وهم بطنان الهداج والخراج وكان منهم شيخ كبير على جميعهم عظيم الشأن يقال له طلحة فلذا يقال لأهل أنكاد الآن طلحة...مات في أواخر القرن الثامن".
فأهل أنكاد من ذوي عبيد الله، وكثروا بمن اجتمع إليهم من القبائل من غير نسبهم كرياح والأثبج وعياض وإخوانهم ذوي منصور ومن بني سليم وغيرهم، فعمّروا التل والصحراء، وانقسموا إلى أنقاد الشراقة في الجزائر، وأنكاد الغرابة في المغرب، وأنقسم أنكاد الجزائر إلى أنكاد التل، وأنكاد الصحراء. ومن أنكاد التل: أولاد رياح، وذوي يحيى في سبدو، والجويدات والأعشاش وأولاد ملوك وأولاد منصور في مغنية. فذوي يحيى والجويدات من الخراج من ذوي عبيد الله، وأولاد منصور من ذوي منصور من المعقل، وأولاد رياح من رياح، وأولاد ملوك من بني عامر، والأعشاش من بني سليم، والله أعلم.
ــــــــــــ
المصادر:
تاريخ ابن خلدون، المجلد 6، من الصفحة72 إلى الصفحة 76.
مخطوط عجائب الأسفار ولطائف الأخبار للحافظ محمد أبي راس الناصري المعسكري.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 11/05/2022
مضاف من طرف : patrimoinealgerie
المصدر : facebook.com/orobeteldjazair/