الجزائر

''أنا وبعدي الطوفان''


 المتتبع للساحة السياسية الوطنية، منذ فجر الاستقلال، يلاحظ حتما حقيقة مرة بطعم العلقم، اشتهر بها الناشط السياسي في الجزائر منذ البدايات الأولى لنظام الحزب الواحد، وهي أن النضال يجمّد بين موعدين انتخابيين، ثم ينبعث فجأة في المقابر التي يطلق عليها جزافا اسم مقرات الأحزاب بمناسبة إعداد قوائم الترشيحات للانتخابات التشريعية أو المحلية.
ومنذ فجر الاستقلال يعاد على مشاهدنا الفيلم المكسيكي الطويل والممل نفسه.. مجموعات متوحشة تضم أصحاب المصالح المادية الدونية واللاهثين وراء الحصانة، يتكتلون لخوض رالي الكراسي، قبل أن تتفجر الخلافات والصراعات التي عادة ما تنتهي بخروج عدد معتبر من هؤلاء لمعارضة مؤقتة، بسبب أسماء وردت وأخرى أقصيت.. طبعا المعارضة هنا ليست موجهة ضد السلطة، ولكن ضد القيادات التي أعدت القوائم وأعلنتها.
والحال أنه وبعد مرور أكثر من نصف قرن من الاستقلال، يقترح علينا المشهد السياسي الكئيب نفس السيناريو، فـ النيران الصديقة تطلق على الأحزاب بمجرد الإعلان عن القوائم الخاصة بالترشيح لتشريعيات العاشر من ماي القادم. وفي مقدمة الضحايا الأفالان وحزب عبد الله جاب الله.
وتحت عناوين من قبيل أترشح أنا وبعدي الطوفان و لتذهب أحزابنا إلى الجحيم ، راحت أسراب الطيور الجارحة والمهاجرة تتنكر لأبسط قواعد الانضباط الحزبي، فما يفيد الانضباط داخل أحزاب لا تنقلك إلى محطة البرلمان، التي تبدأ منها حياة الرفاه والفخفخة والنفوذ.
الأكيد أنه بعد 50 سنة فشلت كل الأحزاب بالرغم من استنزاف أموال بالملايير، لم تنجح في لعب دور المدارس التي تلقن ألف باء التربية السياسية وأصول ومبادئ النضال المتمدن والمتحضر والمنضبط، وهي لذلك تدفع اليوم الثمن غاليا.. ثمن النشاط المناسباتي وترك الحبل على الغارب لسلطة تقف على سطح شرفة تتفرج على التمثيلية الهزلية وتضحك بملء فيها، فكلما قصُر عمر استقرار الأحزاب كلما طال عمرها، وكلما زاد عدد الانتهازيين داخل تلك الأحزاب، كلما زادت حظوظ بقائها.

zerfaouikhabar@yahoo.fr


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)