الجزائر

أعوان «نات كوم»: نرفع الأثقال ونجازى بالشتائم



أعوان «نات كوم»: نرفع الأثقال ونجازى بالشتائم
ككل عام ومنذ دخول شهر رمضان الفضيل، يتجند حوالي 6 آلاف عون نظافة، تابعين لمؤسسة «نات كوم» وذلك لتكثيف عملهم تزامنا مع ارتفاع ومضاعفة حجم القمامة التي نلقيها بالتوازي مع زيادة نسبة الاستهلاك خلال رمضان للعائلة الجزائرية، إذ يتحمل عمال «نات كوم» هذا العبء الكبير المرمي على عاتقهم من تنظيف أحياء وأزقة العاصمة ليلا ونهارا، فمع كل هذه المشقة والعمل المجهد خلال صيامهم تزداد معاناتهم بسبب تصرفات بعض الجزائريين غير اللائقة وغير المسؤولة من خلال معاملتهم بوقاحة، كونهم يقومون بعمل لايزال محتقرا في نظر العديد من الجزائريين. وقصد رصد معاناة عمال «نات كوم» للنظافة، نزلت «البلاد» إلى أحياء ديدوش للوقوف على الصعاب والمشاق التي يلقوها هم وزملائهم في جمع ورفع قمامة حوالي خمسة ملايين نسمة بالعاصمة في شهر رمضان، والمعاملة التي يلقوها من قبل المواطنين أثناء تأديتهم عملهم الشريف، فأول من التقينا من عمال «نات كوم» كان الشاب (عمر) الذي حدثنا عن مشقة المصاعب التي يلقوها أثناء تأديتهم عملهم اليومي في تنظيف الشوارع وأزقة الأسواق التي تعتبرا نقاطا سوداء، خصوصا الأسواق الفوضوية، إذ يقول عمر «نحن نقوم ببذل مجهود كبير في تنظيف القمامة والنفايات التي نجدها بالشارع، إلا أن المواطنين لا يحترمون أوقات رمي القمامات ولا حتى المكان المخصص لها ففي بعض الأحيان نمر على عمارة لإزالة القمامة ليأتي بعدها السكان ويلقوا من خلفنا بقماماتهم في ذات المكان ليضيع جهدنا سدا وكأننا لم نقم برفع النفايات». وعن معاملات المواطنين معهم، أكد المتحدث أن بعض الناس يحترمونهم في العمل ويجلبون لهم الماء، إذ يلاقوا استحسانا كبيرا من المواطنين كتقدير لقيمة عملهم. أما البعض الآخر من المواطنين فلا يلقوا منهم احتراما، بل يتجاوز الأمر ذلك ليسمعوا كلاما قبيحا وغير أخلاقي من بعض السكان، على غرار ما يحدث أحيانا بأحياء كبومعطي وبوبصيلة وباب الواد التي قال لنا عمر إن احد الخبازين بها قام بتوبيخ عمال نات كوم منذ ثلاثة أيام وأمرهم بعدم ركن شاحنة القمامة أمام الرصيف المقابل لمحله أثناء مرورهم به، متدخلا في شؤون وسير عملهم، حيث تدخل بعض العقلاء من سكان باب الواد، مهدئين الأمور قبل أن تتفاقم، لكن صاحب المخبرة أصر على عدم ركن الشاحنة أمام محله، متهما إياهم بطرد الزبائن جراء انتشار الروائح الكريهة المنبعثة من شاحنتهم، متجاهلا أن تلك الروائح ناجمة عن قمامته المرمية بالرصيف والتي نصحهم بعض السكان بعدم التقاطها كجزاء له عن تدخله في عمل الآخرين واحتقارهم. كما تساءل المتحدث عن سبب تدخل بعض المواطنين في أوقات عملهم وكأنهم مسؤولين عنهم واعتبر أن ذلك راجع لعدم تنظيم الناس لأوقات إخراجهم القمامة وأماكن وضعها ما يجعلها تتراكم بشكل كبير أحيانا، وأرجع ذلك إلى إهمال الناس وعدم مبالاتهم وليس تقصيرا من عمال النظافة في أدائهم لعملهم. أما عمي مولود، عون نظافة بمؤسسة «نات كوم»، فيقول: «نعمل 6 ساعات يوميا من الواحدة وحتى الساعة السابعة مساء ونحن صائمين، فرغم أننا لا نجد كثيرا من القمامة مرمية بشارع ديدوش، إلا أننا نبذل جهدا كبيرا في تنظيفه تحت حرارة شمس لا تقل عن 40 درجة، ما يجعل قوانا الجسمية تخور وتستنفذ ما يزيد من شدة عطشنا ويقلل من قدرة تحملنا لمشقة العمل ونحن صائمين»، وأضاف المتحدث أن زملاءهم الذين يقومون بمناوبتهم في العمل ساعة بعد الإفطار يجدون مشقة كبيرة في جمع القمامة والنفايات التي تغزو شوارع العاصمة متراكمة في شكل جبال كبيرة من القمامات المنتشرة في كل مكان وكل زاوية، حيث يصبح المواطن الجزائري بعد الإفطار غير مبال بمكان رمي قمامته ولا وقت إخراجها فهمه الوحيد هو التخلص منها وعدم تركها بالمنزل غير مكترث لحال وظروف أعوان النظافة الذين يبقون يجرون وراء جمع التقاط قمامة المواطن كمن يلعب لعبة القط والفار، محاولين تنظيف كل أزقة وأحياء العاصمة من كل النفايات التي يلقيها المواطنون مهما كان حجمها وثقلها حتى ساعات متأخرة من الليل.
لو قمنا بإضراب ثلاثة أيام لغرقت العاصمة في القمامة
أما الشاب (مصطفى. ح) فيحكي لنا عن معاناته اليومية وراء كسب لقمة العيش في عمله المضني وفي مأواه إذ يقول: «أعمل بمؤسسة «نات كوم» منذ حوالي أربع سنوات وأؤكد لك أن هذه المؤسسة من أسوأ المؤسسات في الجزائر، إذ لا توفر لنا النقل ونضطر للانتقال إلى مقر العمل عبر الحافلات بمصاريفنا الخاصة. كما أنها لا تحفظ لنا لا هي ولا نقابتنا حقوقنا من الزيادة في الأجور كباقي العمال الجزائريين في الوظيف العمومي، إذ لا يتجاوز راتبي الشهري 18000 ألف دينار جزائري» وأشار المتحدث إلى أنه يكفل عائلته التي تركها وراءه بولاية الجلفة من أجل كسب لقمة العيش (المرة) ومساعدة والده على مصاريف البيت اليومية، كما تساءل في ذات الوقت مستغربا : «كيف لهذا الراتب المتدني أن يكفيني أنا حتى أوفر البعض منه مصاريف أخرى لعائلتي»، وأضاف المتحدث الذي كان يلبس حذاءه العادي أن مؤسسة «نات كوم» لا توفر لهم لباس العمل الذي يوزع عليهم -حسبه- سوى مرة واحدة في السنة والمتمثل في بذلة وحذاء حتى وإن تمزقت واهترئت بدلاتهم وأحذيتهم التي لم لا تصلح لأكثر من شهرين إذ لا تقدم لهم بدلات وأحذية أخرى، حيث يجد العمال أنفسهم مجبرين على العمل بأحذيتهم الشخصية حيث لفت انتباهنا عدم وضع مصطفى لقفاز يحفظ له يديه من أوساخ وقاذورات القمامة التي يلتقطها كل يوم، ولما سألناه عن سبب ذلك قال لنا إن مؤسسة نات كوم توفر لهم قفازا واحدا كل عام وما إن يتمزق حتى يضطروا لشراء قفازات أخرى على حسابهم والتي لا تصلح للعمل لأكثر من أسبوع أو أسبوعين حسب طبيعة عملهم اليدوي، وعند طرحنا عليه سؤالا عن معرفته مدى خطورة رفعهم للقمامات ولمسها بأيديهم مباشرة وعن إمكانية حمل تلك القمامات لمواد خطيرة قد تؤدي إلى إصابتهم بأمراض جلدية خطيرة تنتقل إليهم أثناء رفع النفايات قال لنا مصطفى: «في بداية العمل كنا نتوخى الحذر ونعير اهتماما لسلامتنا الصحية بوضع قفازات تحفظ لنا أيدينا من الأوساخ ومخاطر الأمراض التي قد تنتقل إلينا عبرها إلا أنه بعد ملاحظتنا ظهور بعض التقرحات على أيدينا رغم وضعنا لتلك القفازات الرديئة النوعية مما أدى إلى إصابة العديد منا بأمراض جلدية على غرار الحساسية و«الاغزيما» ورماد العينين، إذ بتنا بعدها لا نعير اهتماما لوضع القفازات خصوصا مع زيادة متاعب العمل الذي نقوم به» رغم أن تلك الأمراض الجلدية كلفتهم أموالا باهظة في شراء الأدوية لعلاجها لكن دون جدوى، كونهم لا يزالون يزاولون نفس العمل وعن المعاملة التي يلقوها من قبل المواطنين قال المتحدث إن بعض المواطنين يتصرفون معهم بوقاحة، إذ ما إن يروهم يأمروهم بصوت عال برفع القمامة من الأرض والتقاطها من كل مكان ضانين أنفسهم أسياد (معاليم) عليهم، ما أدى في كثير من الأحيان إلى وقوع مشادات وملاسنات بينهم وبين المواطنين الذين لا يحترمون عملهم ويحتقرونهم كونهم يعملون على خدمة كل المجتمع بتنظيف أزقة وأحياء أولئك المواطنين الذين يعملون على إغراقها كل يوم بأطنان من القمامة والنفايات.
وتساءل المتحدث عن مصير احياء وشوارع العاصمة لو قام عمال النظافة نات كوم بشن إضراب عن العمل لثلاثة أيام فقط، فأكيد أن المشهد سيكون كارثيا مشوها لجمال وجه العاصمة إلى فوضى من القمامة والأوساخ المنتشرة في كل صوب وحدب وسط المواطنين الذين سيبقون متفرجين مكتوفين الأيدي لا محالة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)