الجزائر

أسر ثورية تقاضي صاحب محجرة بأعالي جبل بوزقزة أفرادها معتصمون منذ 24 يوما لاسترجاع أراضيهم



أسر ثورية تقاضي صاحب محجرة بأعالي جبل بوزقزة                                    أفرادها معتصمون منذ 24 يوما لاسترجاع أراضيهم
وزارة الداخلية تطالب البلدية بتحقيق ميداني وقاضي التحقيق يستفسر مديرية مسح الأراضي
يروون ماضي المنطقة على أطلال ما تبقى من منازل أجدادهم، عساهم يجدون فيها ما يوفر لهم العزاء، بعدما تحولت إلى مجمعات صناعية غابت فيها معالم الحياة الخضراء. فشيوخ عائلة شايب الذين عادوا بذاكرتهم إلى خمسينيات القرن الماضي، عندما قام المستعمر الفرنسي بتحويل قراهم إلى مناطق محرمة وأرغمهم على هجر أراضيهم، يرفضون اليوم نشاط محجرة، يؤكدون أنها استحوذت على مساحات واسعة من أراضيهم، أفقدتها الخصوبة وحولتها إلى أراضٍ بور.
صعدنا إلى أعالي جبل بوزفزة لتغطية اعتصام أحفاد عائلة شايب الذين شرعوا في حركتهم منذ 24 يوما، احتجاجا على نشاط المحجرة المتواجدة بالمنطقة والتي تعود إلى مؤسسة ''سي.جي.أم.أس.جي''، حيث أكدوا ل''الخبر'' أن قطعة الأرض التي استغلها مديرها داودي موسى لوضع الورشات والمعدات الخاصة بمقلع الكلس، تدخل ضمن نطاق ملكيتهم التي توارثوها أبا عن جد، مشددين على أنهم لن يسمحوا للعمال باستئناف عملهم إلى حين فصل الجهات المختصة في الموضوع.
تاريخ يعود إلى سنة 1600
تبقى خيوط قضية عائلة شايب مع مؤسسة ''سي.جي.أم.أس.جي'' متشابكة، في ظل تمسك كل طرف بملكيته للأرض وأحقيته في استغلالها وفق الوثائق القانونية التي يحوزون عليها.
وحسب أول رئيس لبلدية الخروبة، شايب محمد، الذي تسلم عهدته من سنة 1985 إلى غاية 1990، فإن ملكية الأرض تعود لعائلته التي تضم أزيد من 200 فرد وعائلات أخرى عمّرت بالمنطقة منذ سنة 1600، موضحا بأن مسير المؤسسة استولى على أزيد من 42 هكتارا من أملاكهم ويقوم باستغلالها منذ سنة 2010، مستدلا بعدة وثائق إدارية على غرار العقد المورث المؤرخ في 7 فيفري 1908، والعقد الرسمي الذي يعود للشيخ المرحوم شايب امحمد بن أحمد المؤرخ في 20 جويلية 1907 ووثيقة الفريضة مؤرخة في 17 أفريل .2011
رفض تأجير أو شراء الأراضي
وأوضح محدثنا بأن مسير المؤسسة، داودي موسى، التقى بأعيان العائلة سنة 2010، وعرض عليهم كراء الأرض أو شرائها لتمكينه من استغلال المساحة لإقامة الورشات التابعة للمحجرة، إلا أن هؤلاء رفضوا وفضلوا التمسك بأراضيهم بعد شروعهم في طلب الدعم من مديرية الفلاحة لتوسيع نشاطهم الفلاحي الذي اقتصر بعد العشرية السوداء على زراعة الكروم والعناية بأشجار الزيتون، في حين كانت أراضيهم قبل تلك الفترة فلاحية بامتياز وتنتج القمح والشعير ومختلف أنواع الخضر والفواكه، وفضاء هاما لتربية المواشي لتغطية طلب السوق المحلية بمنطقة الأربعطاش وما جاورها، بعدما استفادوا آنذاك من إعانات من طرف وزارة الفلاحة في 1971 وإعانات لغرس الأشجار في 1972، وأضاف أن ممتلكات آبائهم في هذه المنطقة الساحرة، تقدّر ب257 هكتار كمساحة إجمالية، استغل مالك المحجرة أزيد من 42 هكتارا منها.
القضاء لمنع نشاط المحجرة
وقد باشرت عائلة شايب وفروعها رفع دعوى قضائية ضد هذه المؤسسة وطالبت بإخلاء قطعة الأرض التي تستغلها، وأسفرت المحاكمة عن صدور حكم بمحكمة بودواو، يقضي بتعيين خبير عقاري معتمد للقيام بدراسة الوثائق الرسمية لكل طرف وإجراء معاينة ميدانية لقطعة الأرض محل النزاع، مع إجراء مسح دقيق لها وتحديد مساحتها وحدودها. وأكد أفراد العائلة أن مصالح أملاك الدولة لم توضح لهم بالتفصيل حدود القطعة الأرضية التي منحت للمؤسسة من أجل استغلالها، بعد ترددهم على مصالحها للاستفسار. وتساءل هؤلاء عن سبب عدم استئناف الخبير العقاري المكلف بمعاينة الأرضية من طرف المحكمة، عمله في تحديد ملكية الطرفين منذ مارس المنصرم.
تآكل مساحات الرعي وتهديم الإسطبلات
وأفاد شايب محمد بأن نشاط المحجرة أدى إلى تقلص مساحات الرعي وتلف المئات من أشجار الزيتون، وأزيد من 50 شجرة تين وحقول العنب المتواجدة بالمنطقة، وهو ما يجعل ''الجريمة المرتكبة''، يقول محمد، ''تعادل جرائم المستعمر''، على اعتبار أن أصحاب الأراضي أسسوا حياتهم من جديد في المنطقة بعد خروج المستعمر، حيث شيّدوا منازل جديدة واسطبلات لتربية الماشية والدواجن، إلا أن العشرية السوداء أجبرتهم على مغادرتها مجددا، بعد الخراب الذي ألحقته الجماعات الإرهابية بمنازلهم، فاستأنف ''نشاط المحجرة''، بعدما قام صاحب المؤسسة بهدم الاسطبلات، ناهيك عن عمليات البحث عن الماء التي شرع فيها عمال المحجرة، دون إذن من مالكي الأرض من عائلات شايب وأبرار.
طمس معالم زاوية سيدي امحمد شايب الذراع
أما شايب عثمان، فقد جزم ل''الخبر'' بأنه لم يكن مستعدا لترك أرضه في 1992 لولا قساوة الأوضاع، بسبب تضييق الجماعات الإرهابية الخناق على السكان وسلبهم أملاكهم، في الوقت الذي كان الرعي والفلاحة نشاطهم الوحيد الذي يسترزقون منه، ليسترسل قريبه محمد بأن العشرية السوداء وما تبعها من نزوح للعائلات، جعل قراهم تتحول إلى منطقة عسكرية، حيث نصبت بعض القواعد في المنازل القديمة للسكان، فيما شيّدت إحدى الثكنات على محيط المقبرة، ما جعل مرور العائلات لزيارة قبور موتاهم لا يتم إلا بإذن من الجيش في المنطقة، مشيرا إلى أن صاحب المؤسسة استغل هذه الوضعية، فشرع في جرف مساحات معتبرة من مقبرة العائلة المسماة ''مقبرة سيدي امحمد شايب الذراع''، لفتح طريق تستعمله الشاحنات في العبور لتحميل الحجارة. وفي هذا الصدد، أوضح محمد بأن صاحب المؤسسة اتخذ الوضع مبررا لتوسيع مشغل المحجرة، داخل المقبرة التي دفن بها أجدادهم بحوالي هكتارا. وأضاف أفراد العائلة، أن نشاط المحجرة طمس معالم زاوية سيدي امحمد شايب الذراع.
مقرات الشهيد علي خوجة والمجاهدين في خبر كان
ويروي شايب الطاهر، 78 سنة، أن المنطقة كانت تأوي مقرات يجتمع بها أعضاء حزب جبهة التحرير الوطني، لوضع المخططات وتنظيم العمليات ضد الاستعمار.
وقال إن المنطقة قدمت 25 شهيدا 18 منهم من عائلة شايب، بعدما قصفت قوات الاستعمار الفرنسي القرى المتواجدة بسفح جبل بوزفزة، بعد معركة طاحنة مع كتيبة الكومندوس علي خوجة، التي سخر خلالها المستعمر أزيد من 30 ألف عسكري لتمشيط جبل بوزفزة في 1958، تم إثره اكتشاف مخبأ سري يضم 25 مجاهدا بمغارة ''يفري''، حيث استشهدوا جميعا في غارة لطائرات المستعمر. وأوضح بأن علي خوجة كان يتردد على المنطقة ويقيم فيها لمدة تزيد على 5 أشهر في بعض الأحيان، وهو ما دفع بالمستعمر إلى إعلانها منطقة محرمة وتشديد الحصار على العائلة، لتقوم بنفي جديه شايب عبد العزيز وشايب يحي من أرضهم، ما جعل أزيد من 70 ألف مجاهد في المنطقة يستميتون لاستعادة حقوقهم.
شايب العربي الذي ولد بغار الميزاب الذي كان يحتمي به المجاهدون سنة 1955، أكد أنه اقتيد مع والدته إلى السجن فور ولادته وظل به إلى غاية خروجها سنة 1959، وعاش بعد الاستقلال في أرضه إلى غاية العشرية الحمراء، ليضطر بعدها إلى النزوح نحو المدينة.
الديناميت تلحق أضرارا بمقام الشهيد
واستنكر كبار العائلة عملية التخريب التي تعرض لها مقام الشهيد الذي تم إنجازه سنة 1987، عرفانا بالمجهودات الكبيرة التي بذلها مجاهدو المنطقة خلال ثورة التحرير، واتهموا المؤسسة باستمرارها في إلحاق الضرر بهذا المعلم الذي دفن به أزيد من 25 شهيدا، جراء الهزات العنيفة التي تحدثها تفجيرات ''الديناميت'' لتكسير صخور جبل بوزفزة، وقالوا إن موقع المحجرة توسط المدخل المؤدي إلى باقي أراضيهم، وحرمهم من زيارة مقابر ذويهم حتى في المناسبات الوطنية، خاصة أن مقام الشهيد يضم أزيد من 18 شهيدا من عائلة ''شايب''.
الكلس يحوّل الأراضي الخصبة إلى بور
وبغض النظر عن الخلاف القائم بين صاحب المؤسسة والعائلات، يقول تيكيالين علي إن السلطات المعنية من مديرية أملاك الدولة ومديرية مسح الأراضي، مطالبة بإنجاز تحقيقات ميدانية للكشف عن ملكية الأرض التي أقيمت فوقها المحجرة والسعي للحفاظ على الثروة النباتية وحماية المقابر، خاصة أن ورشات الأشغال توسّعت على حساب الطبيعة الخلابة والمعالم التاريخية التي تزخر بها المنطقة، وألحقت ضررا كبيرا بمنبع الماء الطبيعي الذي يقع بسفح الجبل، والذي تحول بفعل أشغال المحجرة إلى مجرد حوض تستفيد المؤسسة من مياهه في أشغالها، مؤكدين أنه كان مصدرا هاما لتزودهم بالمياه والقيام بعمليات السقي لأشجارهم ومزروعاتهم.
ووفق تيكيالين يقع جبل بوزفزة بعد بلدية قدارة في الجهة الجنوبية الغربية لولاية بومرداس، التابعة حاليا لبلدية الخروبة، حيث يبعد جبل بوزفزة عن عاصمة الولاية بحوالي25 كيلومترا، كما يوجد في المنطقة سد قدارة الذي يعتبر من أهم السدود عبر الوطن. وقدارة أو خضارة، كما كانت تسمى أو أُطلق عليها، كون أصل التسمية أمازيغيا (أزفزاو) والذي اشتق منه اسم بوزفزة، وهو الجبل الأخضر المائل إلى الزرقة.
وزارة الداخلية تطالب بفتح تحقيق
من جانبه، كشف رئيس بلدية الخروبة السابق، علي كلاه النمر، عن استلامه مراسلة من طرف مصالح وزارة الداخلية، تحثه على فتح تحقيق ميداني معمّق وإنجاز تقرير يحدد ملكية عائلة شايب ويوضح مدى تورط صاحب المؤسسة من عدمه في التعدي على ملكية العائلة.
وبهذا الخصوص، أكد أنه كلف من جانبه فريقا خاصا من البلدية، للقيام بالتحقيق في القضية، مشيرا إلى أن الانشغال بالعملية الانتخابية عطّل نوعا ما سير التحقيق الذي ستظهر نتائجه بعد شهر، عقب الانتهاء من التحقيقات الميدانية.
من جهته، أكد حمادي رشيد، مدير مكتب بمديرية مسح الأراضي، أن المديرية قامت بعملية مسح لأراضي البلدية، في إطار البرنامج العام الذي سطرته، والذي يدخل في نطاق المسح الخاص ببلدية قدارة. وأوضح محدثنا بأن مصالح المديرية بلّغت بالإشكال القائم بين عائلة شايب ومسير مؤسسة ''سي.جي.أم.أس.جي''، داودي موسى، وتم إثرها فتح تحقيقات حول القضية، حيث تم تعيين خبراء في الميدان، تنتظر اللجنة المكونة من قاضٍ عقاري وخبراء عقاريين ومحضر قضائي تلقي نتائج بحوثهم الميدانية، للنظر في إمكانية حل القضية أو تحويلها إلى القضاء للفصل فيها.
وأضاف المتحدث أن المديرية استقبلت قاضي التحقيق الذي استفسر، من جهته، عن حقيقة النزاع، مشيرا إلى أن ملكية الأراضي ستُعرف بعد الحصول على نتائج المسح الجاري حاليا.
وذهب نائب مدير أملاك الدولة ببومرداس، في تصريح ل''الخبر''، إلى أن مديرية أملاك الدولة لا تسلم قرارات استفادة، وعليه يتم منح عقد الامتياز وفقا للقرار الصادر عن وزارة الطاقة والمناجم الذي يرخص للمعني الشروع في نشاطه بجبل بوزفزة، مؤكدا أن المديرية شرعت في التحقيق العقاري للملكية وأن القضية ستتضح بناء على نتائجه.
مسيّر المحجرة: نحوز كل الوثائق ونعمل في إطار القانون
بالمقابل، نفى مسير مؤسسة ''سي.جي.أم.أس.جي''، داودي موسى، اتهامات عائلة شايب، وأكد أن المؤسسة تقوم بأشغالها بناء على وثائق قانونية تسلمتها من طرف وزارة الطاقة والمناجم ومديرية أملاك الدولة في الولاية منذ 2007، موضحا، في تصريح ل''الخبر''، بأن المؤسسة متابعة من طرف 3 عائلات أخرى غير عائلة شايب، وهو ما يطرح العديد من علامات الاستفهام، حسبه، ''عن سبب ادعاء كل هذه العائلات بأن الأرض التي يستغلها ملك لها''.
وقال داودي إن المؤسسة تعمل بناء على عقد إيجار وفقا للقرار الصادر من طرف وزارة الطاقة والمناجم رقم 322 المؤرخ في 27 جويلية 2004، والذي يتعلق بمنح المؤسسة ذات الشخص الوحيد والمسؤولية المحدودة، ترخيصا بالاستكشاف المنجمي لمكمن الكلس في جبل بوزفزة على مساحة تقدر ب156 هكتار، بالإضافة إلى السند المنجمي للاستغلال الذي تحوز عليه المؤسسة منذ 2 أكتوبر 2007، الذي يحمل رقم PM 2831، الذي خصص 135 هكتار للاستغلال، حيث تم إثرها تعيين خبير عقاري من طرف وزارة الطاقة والذي حدد إحداثيات المساحة الممنوحة للمؤسسة، وصدر بعد ذلك طلب التخصيص الصادر عن الوكالة الوطنية للممتلكات المنجمية رقم 1395/09 المؤرخ في 03 /12/2009، لقطعة أرض تعود ملكيتها للدولة بموجب الأمر رقم 66/102 المؤرخ في 06/05/1966، وعقد الإيجار رقم 08/ 2010 خصصت إثره قطعة أرض للورشات والمعدات.
وكشف المتحدث أنه قدم طلبا لمديرية مسح الأراضي، من أجل تحديد ملكية العائلات المطالبة بأراضيها، مشيرا إلى أن الإجراءات الإدارية تتطلب بعض الوقت.
كما أفاد بأن القرار الصادر عن القسم العقاري بمحكمة بودواو والقاضي بتعيين خبير، لم ينفذ بعد، مطالبا بتعويض مؤسسته عن الخسائر التي لحقت بها بعد منع أزيد من 73 عاملا في المحجرة من العمل منذ 4 نوفمبر المنصرم، وطالب مديرية أملاك الدولة في بومرداس بالفصل في الموضوع.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)