الجزائر

أساتذة في علم الإجتماع يقيّمون واقعهكاد المعلمأن يكون رسولا..




من منا  لا يعرف أو لا يحفظ هذه الكلمات المقتطفة من قصيدة شعرية لأمير الشعراء أحمد شوقي، التي قال فيها: ''قم للمعلم وفّه التبجيلا... كاد المعلم أن يكون رسولا''. هذه العبارة أصبحت بمثابة الشعار الذي يُرفع لتقديس الدور الذي يقوم به المعلم وإبراز مدى أهميته في تربية وتنوير النشء، ولأن المناسبة التي نحتفل بها اليوم هي اليوم العربي للمعلم المصادف لـ25 فيفري من كل سنة،أبى إلا أن نتحدث عن واقع هذا الأخير في مجتمعنا الجزائري، وإلى أي مدى ما يزال المعلم مبجلا ومحترما.
في البداية، تحدثت ''المساء'' مع أستاذة في علم الاجتماع بجامعة الجزائر ببوزريعة '',''2ن. عائشة'' التي قالت: ''إن المعلم لا يزال يحظى بالاحترام في المجتمع، خصوصا لدى المسنين الذين عرفوا قيمة المعلم  فاحترموه، وظلت مكانته مقدسة في قلوبهم، لاسيما أن هذا الأخير يتمتع عن غيره بخصوصية التربية وتنوير الأجيال بما لديه من مكتسبات علمية تجعل منه قدوة، غير أننا نشهد اليوم ـ وللأسف الشديدـ زوال القيمة المعنوية للمعلم، إذ لم يعد يُنظر إليه على أنه مصدرعلم، وإنما وسيلة لاكتساب بعض  العلامات بغية الظفر بشهادة، وبالتالي النجاح فقط.
من جهة أخرى، جاء على لسان محدثتنا: ''إن مهنة المعلم اليوم لم يعد مرغوبا فيها من قبل الفئة الذكورية، وهو ما يفسر تواجد أعداد كبير من النسوة في مختلف الأطوار التربوية، لأنه ببساطة لم تعد هذه المهنة ذات قيمة، بحكم أن شباب اليوم يتطلعون للمناصب التي تحوي على دخل مادي كبير، وفي المقابل ينصحون المرأة بتولي هذا المنصب كونه يتناسب وطبيعتها الفطرية في التربية، ولأنها الأنسب من حيث المواعيد التي تحفظ لها التوازن بين التعليم والبيت''.
ولعل ما جعل مهنة التعليم مفرغة من محتواها ومسلوبة الهبة، -تضيف المتحدثة- طريقة تعامل الإدارة مع المعلم في حد ذاته، والذي زاد الطينة بلة، فعندما نسمع مثلا أن تلميذا اِعتدى ضربا على معلمه، دون أن تتخذ الإدارة أي إجراء في حقه، في حين وقفنا على بعض الأحداث التي وقعت فيما مضى لتلاميذ شتموا معلميهم، فتعرضوا للإقصاء والحرمان من التعلم بالمؤسسات التربوية، ومن خلال المقارنة بين الموقفين، نلمس الأسباب وراء تراجع وتدني قيمة المعلم في المجتمع.
بحوث تدرس إمكانية الاستغناء على مهنة المعلم.
يعتقد ياسين مشة، أستاذ في علم الاجتماع بجامعة الجزائر'' ,''2 أن المستجدات التي طرأت على الساحة العالمية في إطار الألفية الثالثة، جعلت مكانة المعلم تتراجع، لأن الوظيفة التربوية في حد ذاتها تراجعت. وعند تشخيص الأسباب التي أدت إلى فقدان المعلم لقيمته ومكانته بالمجتمع، قال الأستاذ ياسين؛ إنها راجعة لعدة عوامل؛ منها وجود وسائط جديدة تمكّن طالب العلم من تلقي المعلومة دون الحاجة إلى معلم، ما يعني التوجه نحو الاستغناء عن دور المعلم، والأكثر من هذا، فإن هناك بعض الدراسات بالدول الأوروبية، تطرقت إلى إشكالية التعليم في غياب المعلم، وبحكم أن المجتمع الجزائري يتأثر ويؤثر، فالأكيد أن هذا يعد من العوامل التي أضعفت دور المعلم وأفقدته أهميته ومكانته.
أما إذا تحدثنا عن أهمية المعلم وقيمته من وجهة نظر اقتصادية -يضيف محدثنا- فنلاحظ أن سوق العمل اليوم لا يوفر مناصب شغل كبيرة، وبالتالي نلاحظ من عملية انتقاء الأشخاص الذين يلتحقون بالمدرسة العليا للأساتذة، أن أغلبهم يسجلون ليس حبا في مهنة التعليم أو من أجل إيصال رسالة ما، وإنما بحثا عن استغلال العقود القائمة بين وزارة التربية ووزارة التعليم العالي، لأنه وببساطة يحوز المتخرجون على ضمانات  عمل، ما يجعلنا نجزم أن الغرض من تولي هذا المنصب هو الحصول على عمل وليس التعليم في حد ذاته، وكنتيجة، نجد أن المعلم عندما يبدأ مشواره التعليمي، فإنه يسعى وراء المكسب المادي وليس الرسالة التربوية، ما يقودنا للحديث عن عدم مراعاة الجوانب النفسية، السيكولوجية والاجتماعية عند التوظيف، الأمر الذي زاد من تدني قيمة المعلم. وما الدروس التدعيمية التي بات ينتهجها المعلمون اليوم إلا دليلا على ذلك.
''من أجل هذا، أعتقد أن قيمة المعلم في تراجع، ما دام هذا الأخير يفكر مليا في كيفية تكوين نفسه، وتلبية متطلباته من مسكن، والرفع من مستواه المعيشي، وهو مطلب مشروع بالنظر إلى الواقع المعاش، غير أن الأمر انعكس سلبا عليه، بحكم أنه أساء ربما -عن غير قصد- لهذه المهنة التي إن عدنا بها إلى العقود الماضية وتحديدا لسنوات السبعينات، نجد أن المعلم كان همه الوحيد كيفية إعداد جيل متعلم، متخلق يستفيد منه المجتمع''، يقول محدث ''المساء''.
مكانة المعلم يحددها طالب العلم.
إن تراجع دور المعلم في المجتمع الجزائري اليوم، مرده تراجع دور الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية، حيث نلمس، يقول مرشدي شريف، أستاذ في علم النفس بجامعة الجزائر''''2 ببوزريعة: ''تحول دور الأسرة من دور تربوي إلى دور اقتصادي، وعلى الرغم من أن المعلم ما يزال يتمتع ببعض الاحترام لدى البعض، غير أن البعض الآخر بات يؤلف نكتا عن الأستاذ ومهنته، هذه النكت تعكس في حقيقة الأمر دلالات اجتماعية ونفسية، تكشف ما آل إليه واقع المعلم للأسف الشديد، هذا بعدما كان شخصا يُقتدى به، باعتباره حاملا لرسالة نبيلة ومنبرا للعلم، غير أنني ـ يضيف المتحدث ـ على يقين من أن المعلم سيسترجع مكانته الاجتماعية بالنظر إلى المجهودات التي تبذلها بعض مؤسسات التربية؛ كالأسرة والمساجد من خلال دعوتها لاحترام وتقدير هذا الأخير، وعلى الأساتذة والمعلمين أن يثبتوا أنفسهم أيضا من خلال تحسين علاقتهم مع تلاميذهم وطلابهم، أقول هذا من منطلق دراسة أقوم بها حاليا، وظهر لي من خلالها لحد الآن، أن من بين عوامل تنامي ظاهرة العنف بين التلميذ والمعلم، والتي ساهمت في تدهور قيمة المعلم ومكانته، هي الطرق الإستفزازية التي يعتمدها بعض المعلمين، والتي تؤدي إلى إثارة التلميذ الذي في كثير من الأحيان يمر بمراحل مراهقة يحتاج فيها للكثير من التفهم والتواصل، وهو الأمر الذي يغض بعض المعلمين عنه الطرف، ما يفتح في المقابل المجال عليهم واسعا للإساءة وفقد الإحترام من طرف تلميذه الذي يردّ على بعض الممارسات بكثير من العدوانية.
لذا أعتقد أن مكانة المعلم اليوم تأخذ من نظرة التلميذ إليه، لذا ينبغي للمعلم أن يحسن التعامل مع طلبته، سواء في طريقة تقديمه للمادة العلمية أو من خلال طريقة تعامله معهم، من أجل هذا، أضن أنه من الأجدر على المعلمين والأساتذة أن يكونوا مُلمّين ببعض أبجديات علم النفس التي تسهل عليهم عملية التواصل، وبالتالي يَرْقون  إلى مرتبة المعلم الذي قال عنه الشاعر؛ إنه كاد أن يكون رسولا، ولْيُحسن تبليغ رسالته النبيلة.



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)