الجزائر

أخصائيون يؤكدون للنصر: هكذا نشخص صعوبات التعلّم عند التلاميذ وهذه هي الحلول


تواجه فئة من التلاميذ صعوبات في التعلّم والقراءة والنطق أحيانا، و غالبا ما يُغفل المعلمون والأولياء المشكل و يعرضون التلميذ لضغط كبير، بسبب مقارنته بأقرانه بشكل دائم، دون إدراك حقيقة أن الطفل يواجه مشكلة في الفهم والتركيز واستيعاب الكلمات والمفردات والدروس، كما يظهر عليه التشتت في سن مبكرة ويعاني من الشرود والاندفاعية والعدوانية في بعض الأحيان، فضلا عن كتابة الأحرف والأرقام بشكل مقلوب، لدرجة أن هناك من يعتقد بأن التلميذ يعاني من تأخر عقلي.رميساء جبيل
تواصلت النصر، مع مختصين في علم النفس التربوي وفي أمراض اللغة والتواصل، لتشخيص مثل هذه الحالات، والكشف عن مسبباتها والعوامل المؤدية للإصابة بصعوبات التعلّم والقراءة، وكيفية علاجها والتعامل معها.
مصطلح واعد أدرج في عدة اختصاصات
قالت الأخصائية النفسانية التربوية صبرينة بوراوي، إن صعوبات التعلم من الموضوعات المستحدثة في مجال التربية الخاصة، التي شهدت نموا متسارعا واهتماما متزايدا، بعدما كان التلميذ سابقا، لا يشخص بشكل صحيح و يُستبعد أو يتسرب من المدرسة لأنه لا يجيد القراءة أو الكتابة، مضيفة، أنه مع تطور العلوم ارتقت التشخيصات العلاجية، فأضحى هناك تشخيص مبكر لصعوبات التعلم، مع دراسة المشكلة ووضع حلول لها، بالاعتماد على علوم النفس والتربية والأعصاب وطب الأطفال.
وقد أدرج حسبها، تخصص التربية الخاصة على مستوى كلية النفس والعلوم التربوية والأرطفونية، من أجل دراسة حالات ذوي الاحتياجات الخاصة، بمن فيهم من يعانون صعوبات في التعلم، ما يدل حسبها على ارتفاع الوعي في المجتمع، مؤكدة أن قلق الوالدين على طفلهم يظهر في سنواته الأولى، بعد ملاحظة عدة مشاكل سواء في طريقة إمساكه بالأشياء أو كثرة الحركة أثناء اللعب أو السير، وعدم تجاوبه مع ما يدور حوله من أحداث، و الاندفاعية ونقص الانتباه والتركيز و الاتكالية، كما يجد أستاذ المدرسة صعوبة في التعامل معه، وإيصال المعلومات وتفسير الظواهر له وفقا لخياله وطريقة تفكيره، ناهيك عن كونه مثيرا للشغب داخل الصف، ويعتدي على زملائه ويضايقهم.
يسهل اكتشافهم بالملاحظة المباشرة
و أوضحت المتحدثة، أنه أصبح من السهل اكتشاف المشكل بالملاحظة المباشرة وإدراك اختلاف المصاب عن أقرانه من خلال سلوكياته وتصرفاته التي تخرج عن إرادته، بسبب عجزه عن التعلم والربط، لوجود خلل ما أو صعوبة في مجال الإدراك والوصل بين ما يراه وما يصل لفكره، لهذا نجده بحاجة لمن يقوم بدور الربط ويُساعده على التخطي والوصول إلى مرحلة الفهم والاستيعاب.
وحسبها، فإن لدى طفل صعوبات التعلم اضطرابا في واحدة أو أكثر من العمليات النفسية الأساسية، التي تتضمن فهم واستيعاب واستخدام اللغة المكتوبة والمنطوقة، بسبب اضطراب في الاستماع أو التفكير أو الكلام أو القراءة أو الكتابة، بما في ذلك الإملاء والخط والتعبير والحساب، وهذا يرجع لأسباب تتعلق بالإعاقة العقلية و السمعية والبصرية وغيرها، وحتى بظروف التعلم والرعاية الأسرية.
صعوبات تتحكم فيها عوامل جينية وعضوية وكيميائية
وتظهر صعوبات التعلم والقراءة والتواصل، لدى الطفل حسب بوراوي، لعوامل جينية أو وراثية، وحتى عضوية وبيولوجية، وتُظهر نتائج دراسات الباحثين أن التكوينات العصبية بالمخ من العوامل المتحكمة في عملية التعلم، مشيرة إلى أن اضطرابات الجهاز العصبي المركزي الموسومة بالخلل الوظيفي البسيط للمخ تُؤدِّي إلى خلل أو اضطراب في وظائف الجهاز العصبي المركزي لدى الطفل فيعاني فشلا في معالجة المعلومات وتجهيزها،واعتلال الوظائف النفسية والإدراكية والمعرفية واللغوية والحركية والدراسية، فتظهر صعوبات التعلم زيادة على إصابات المخ المكتسبة التي تحدث أثناء الولادة أو قبلها بفترات قصيرة لاستخدام الأدوات الطبية، أو بفعل نقص الأكسجين وهي نقطة أساسية تستفسر عنها الأمهات، فقد تسبب ارتجاج الدماغ أو التهاب الدماغ أو الحصبة.
مدة العلاج و ظروف كل حالة
وتابعت النفسانية، بأن صعوبات التعلم لدى الأطفال تختلف من حالة لأخرى فهناك الحالة البسيطة التي قد تعالج في حصتين، والحالة المعقدة التي يتطلب علاجها سنوات، وما يتحكم في فترة العلاج هي درجة الصعوبة التعلمية، والتي تتحدد وفق درجة إصابة المخ ونوعها والمنطقة المصابة ومدى نمو المنطقة المصابة.
كما يوجد سبب آخر، على حد قول صبرينة، يتمثل في العوامل الكيميائية الحيوية، التي تنشأ عن خلل أو عدم توازن غير معروف في النواحي الكيميائية، لهذا يلجأ الأخصائيون أثناء رحلة العلاج لاستخدام أدوية تساعد الطفل، إلى جانب العوامل البيئية وسوء التغذية، ونقص الاستقبال البيئي في مرحلة النمو الجيني في رحم الأم ومرحلة ما قبل الولادة، والوضع البيئي الغير مناسب في وقت الميلاد أو وجود عيب خلقي في الجهاز العصبي المركزي، أو التعرض لحوادث وإصابات، وكذلك نقص الرعاية العلاجية المناسبة، مع المعاناة من عجز ما في الحواس الخمسة، وصعوبة في التعلم من بعض أفراد العائلة، وقصور في نمو المهارات اللغوية، زيادة إلى العوامل التربوية المتعلقة بالمدرسة وصعوبة المناهج، وانخفاض مهارات الأستاذ التعليمية والتواصلية مع التلاميذ.
الكشف المبكر يرسم خريطة العلاج
وتنصح بوراوي، الأولياء بالكشف المبكر فهو إجراء تربوي يحدِّد نوع الإصابة في مرحلة الطفولة المبكرِّة، و يعين الجوانب الغير متطورة ونواحي القصور عند الطفل، مع تحديد الخصائص العقلية والمعرفية، خصوصا وأن لديه قصورا في الانتباه والتنسيق الحسي واضطرابات واضحة في العمليات العقلية المعرفية مثل الإدراك والانتباه والذاكرة، مع العجز في تحويل وتشفير وتخزين المعلومات وتبني أنماط معالجة المعلومات، كما قد يعاني من ضعف في تقدير الذات وانعدام الدافعية نحو الإنجاز، وانخفاض مستوى الطموح وضعف في تقدير السلوك ومهارات التواصل.
ويتميز المصاب كذلك، بمجموعة من الخصائص الاجتماعية، متمثلة في انخفاض الذكاء الاجتماعي ومهارات الاتصال اللفظي والغير لفظي، وضعف الثقة بالنفس وصعوبة في اكتساب أصدقاء جدد، مع سوء التوافق الاجتماعي ورفض الأقران لهم، أما من الناحية التعليمية، فلديه انخفاض في معدل التحصيل الدراسي وضعف في الفهم والقراءة الشفوية، وصعوبة في التهجئة و التحليل الصوتي للكلمات الجديدة، وعكس الحروف والكلمات والمقاطع عند القراءة، في حين يعكس الحروف والأرقام عند الكتابة، مع ضعف في معدل وسرعة القراءة ومحدودية مهارة الحساب ونقص الانتباه والتشتت والشرود.
العلاج تشاركي بين الأخصائي والأسرة والمدرسة
وفور ملاحظة خلل ما، يتوجب على الأولياء والمربين حسب المتحدثة، التوجه نحو مختص نفساني عيادي، أو مختص في تصحيح النطق والتعبير اللغوي، أو مختص نفساني تربوي أو مختص في التربية الخاصة، أو طبيب الأعصاب حيث تستخدم عدة مقاييس لمعرفة قدرة الطفل على التذكر والمحادثة وفهم معاني الكلمات واتباع التعليمات، وإجراء اختبار اللغة والمفردات والقواعد وسرد القصص وبناء الأفكار، والنظر أيضا للمعرفة العامة من خلال إدراك الوقت والمكان والعلاقات ومعرفة الاتجاهات، ومدى التناسق الحركي العام والتوازن والدقة في استخدام اليدين عن طريق الكتابة. وقد يخضع لاختبار اجتماعي وتشخيصي لمعرفة مدى تعاونه وهل هو منظم ومسؤول ومنجز لواجباته أم لا، ليتم بعدها وضع خطة فردية تربوية تعالج صعوبات التعلم المشخصة، التي يتشارك فيها الأولياء والمعلمون أيضا.
اختبارات دقيقة لتحديد نوع الصعوبة
من جهتها، قالت الأخصائية الأرطفونية المختصة في أمراض اللغة والتواصل، ليندة ملول، إنه يتوجب على الأولياء الانتباه لوجود مشاكل لدى الطفل في الاستيعاب والانتباه والتركيز وصعوبة في الكتابة والقراءة والتواصل والحساب، وأن يطلبوا مساعدة نفساني أو أرطفوني لعلاج الحالة، عبر إخضاع التلميذ لاختبار بسيط بغية تحديد المستوى، وعند التأكد من وجود صعوبة ما في الفهم وتنفيذ التعليمات البسيطة، يوجه نحو النفساني ليطبق معه اختبارات الذكاء مثل « كولومبيا»، لتحدد بعدها الحصص والجلسات اللازمة.
قلب للحروف والأرقام وتغيير في الكلمات
وأوضحت المتحدثة، أن من يعاني صعوبات في التعلم والقراءة، يكتب الكلمات بالمقلوب، ولا يفرق بين الأحرف والأٍرقام المتشابهة، مثل « 3 و8» و» رز» أو «ص س» وغير ذلك، كما يحذف ويغير في الجملة فعلى سبيل المثال بدلا من أن يقول « يأكل الولد التفاحة» يردد « يأكل يأكل تفاحة»، فجل تعابيره بها خلل ما، وهي من العلامات الموجودة عند أطفال اضطراب التعلم المحدد والمتعارف عليه بصعوبات التعلم، حسب الدليل التشخيصي « دي سي أم 5».
والطفل الذي يعاني من صعوبات التعلم حسب الأخصائية، هو طبيعي جدا وليس لديه أي اضطراب ولا يعاني من مشاكل سمعية أو بصرية، فقط يعاني نقصا في بعض المهارات الأساسية، ما يؤدي إلى تأخره في الدراسة والفهم والإدراك والاستيعاب والتركيز في بعض المواد كالحساب والقراءة والكتابة، ويعرف بشروده وقلة انتباهه، ويفضل حل المشاكل البسيطة، ولديه مشكل في تنفيذ الأوامر المركبة، كأن يُطلب منه القيام بإحضار شيئين من مكانين مختلفين، ففي الغالب سينسى ما قيل له، ولا يفرق بين الاتجاهات.
ويُكتشف الطفل الذي يعاني من اضطرابات التعلم حسب المتحدثة، قبل المرحلة الأكاديمية، تقريبا عند سن الرابعة، مع انطلاق عملية تعليمه، فيلاحظ أنه لا يفرق بين الاتجاهات والألوان والأشكال والأرقام، ويتم التأكد من الأمر في سن السابعة أو الثامنة، نظرا لشكاوى الأستاذ الذي قد يرغب في فصله عن القسم أو المدرسة اعتقادا أنه يعاني تأخرا عقليا، وهي مفاهيم جد خاطئة حسبها.
وأرجعت الأرطفونية أسباب الإصابة، إلى وجود خلل في خلايا المخ، مع إمكانية تناول الأم أثناء الحمل لكثير من الأدوية، و عوامل وراثية أيضا، مع احتمالية تعرض الطفل لضربات على الرأس أثناء الولادة، فيُؤثر ذلك على النمو الطبيعي للدماغ، وتؤثر الإصابة على الانتباه والذاكرة والتركيز والاستيعاب، فيصبح لديه صعوبات نمائية.
وأفادت ملول، أن عملية العلاج تكون بعد التأكد أولا من أن الطفل لا يعاني مشاكل في الحواس، التي تمنعه من التعلم كأقرانه، وفي حالة التأكد من صعوبات التعلم يُوجه إلى أخصائي نفساني أو أرطوفوني، وكلما كان العلاج أبكر كانت النتائج أفضل، مع وجوب المتابعة المستمرة لتفادي ظهور مشاكل سلوكية غريبة كونه يقارن نفسه مع زملائه، خصوصا في حال تلقى انتقادات من الأولياء والأساتذة، لهذا يجب تفادي انتقاده ومقارنته والعمل على تحفيزه وتشجيعه دائما، وتجنب الضرب والصراخ والعدوانية في التعامل معه.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)