الجزائر

أحمد بن معمر البجائي


الشيخ سيدي أحمد بن معمر الولي الكامل و الليث الفاضل من زار بجاية و لم يزره لم يذهب بشيء منها و العياذ بالله تعالى و إن لم يكن كذلك في نفس الأمر غير أن أسباب الحرمان كثيرة فالحذر الحذر و الأدب توجهت لزيارة رجال النخلة المدفونين في مسجد الخميس أعني السوق، وكذا من في قبره السوق نفعا الله بهم.
قد سمعت ممن يوثق به أن بعض الناس من بجاية وصل إلى عمراوة فصار يستغيث بالصالحين فيما أصابه فأتاه بعض الأولياء فقال له: ألا رجعت إلى بجاية فاستغثت برجال النخلة فمن استغاث بهم يغث بإذن الله تعالى.
و بعد توجهت بوجهي إلى المدفونين في جبال الخليفة بعد ما زرت سيدي الصديق و سيدي عبد الحق الفجيجي و لم يثبت عندي شيء في حقهما نعم أهل بجاية يعظمونها غاية التعظيم إلا ما سمعت عن بعض طلبة بجاية من أن الشيخ عبد الحق هذا هو الذي قتله السلطان ظلما و عدوانا و سبب ذلك أن بعض الزنادقة كان يتعبد في الظاهر في الموضع المسمى بمضيق فلما اشتهر أمره صار الناس يأتونه أفواجا فمكر به و العياذ بالله تعالى فكان من أمره أن كل امرأة لا تلد في بجاية تأتيه و يختلي فتلد ولدا فامتنع الشيخ من ذلك و قال: هذا ممنوع شرعا فرجع هو و زوجته و كانت امرأة السلطان قد فعل بها ما فعل قبل في النساء و لما رجع الشيخ عبد الحق نادى بالويل على الرجل و قال: إنه زنديق و نبه على فعله الخسيس، و افتضح أمر الرجل وأصابت السلطان المعرة العظيمة، فطلب سيدي عبد الحق على مقالته فقتله، و جعل رأسه عند باب المدينة، وإنما فعل امتثالا لقوله عليه الصلاة والسلام "إذا رأى العالم منكرا و لم يغيره فعليه لعنة الله" نعم بقي رأس الشيخ هناك مدة غير أنه إذا جاء البواب عند الغروب و يقول الباب: ليدخل من كان خارجا يقول الرأس: لم يبق إلا عبد الحق الذي مات على الحق بلسان فصيح سمعه الناس كلهم، فعند ذلك رأوا الشيء عيانا و ظهر الحق وزهق الباطل و رفعوه و عظموه و جعلوا روضة على قبره، وقد قيل فيه: إنه ولد الشيخ سيدي المظلوم المدفون عند الحلق، قيل: إنه مظلوم في قتل ولده هذا.
و بعد توجهت لزيارة من في الجبل و قد قيل: إن فيه اثني عشر ألف قطب و إنه ينيح بالحلة في الجنة كما ينيح البعير بحمله و كان توجهي على القنطرة التي عند الباب إذا سمعت أيضا من بعض الصالحين أنه يقول: من وقف على تلك القنطرة و توجه للجبل فسأل الله شيئا أعطاه إياه.
و بعد ذلك دخلت بجاية وزرت الشيخ سيدي الصوفي و لم أحفظ من آمره شيئا إلا أن أهل بجاية يعظمونه غاية التعظيم و أنه من أهل التصريف في بجاية نفعنا الله به آمين.
و بعده زرت خلوة الشيخ سيدي أبي مدين الغوث، وقد زرت قبره و الحمد الله في العباد في تلمسان أرض الجدار وزرت معه الشيخ سيدي السنوسي و الإمام بن زكري و العقبانيين و الإمام ابن مرزوق و ولدي الإمام و هؤلاء كلهم مؤلفون نفعنا الله بجميعهم و أبو مدين كان في القرن السادس في بجاية حتى سعى به بعض الشياطين من الحساد إلى أمير مراكش فبعث إليه فلما سمع أهل بجاية عز أمره عليهم و أرادوا الخروج عن طاعته و قال خليفة بجاية: لا تذهب فإني أخرج عن طاعته من أجلك فقال: أذهب والله غير أن الناس لا يرونني و لا أراهم و ذهب فلما قرب تلمسان أشار بموته فقال احملوني على بغلة، فالموضع الذي تبرك فيه فذلك قبري فبركت في العباد و دفن فيه صار رحمة لأهل تلمسان و مزارة نفعنا الله به و كان أصحابه كثيرين منهم الشيخ أبو محمد الصالح الدكالي فإنه ذات يوم أتى الشيخ أبا مدين فقال له: أردت الفقر إلى الله، أما ترى واحد يبلغني فقال: لم أر لك مثل الشيخ عبد القادر في بغداد، فذهب إليه فلما وصله قال: أردت الفقر إلى الله فأدخله الخلوة، فمكث أربعة وعشرين يوما، فدخل عليه الشيخ عبد القادر، فقال: ما أردت؟ فقال له هو: هذا كله أعرفه من الكتاب و السنة فقال: ما تريد؟ فقال: أريد أن تدخل يد قلبك لقلبي قال: فنظر في نظره فامتحق قلبي حينه، ثم قال: انظر الكعبة فنظرت الطائفين بها، ثم قال لي: انظر إلى المغرب فنظرت شيخي في المغرب، ثم أنه قال لي: أتريد مكة أم المغرب؟ فقلت شيخي في المغرب، فقال لي: في خطوة أو كما جئت؟ قلت: كما جئت فأغناني بتلك النظرة دنيا و أخرى أنفق فيهما، ثم أن أبا محمد قيل أنه قدم بلادنا و استقر عند أمير وادي أقبوا و هو وادي بجاية فرغب فيه السلطان فزوجه بنته، فولد معها ولدا فمكث غير بعيد و قال: دعني أرفع ولدي فإنه ستظهر شمس في القرن التاسع في بني عيدل تغيب النجوم كلها معها. فمنعه السلطان منه. و ذهب و تركه، نعم قيل: إن أولاده هم أولاد سيدي محمد صالح الآن عندنا و الله أعلم.
و قد قيل: إنه هو الذي طلع بدايته عمود السواري في الإسكندرية حيث قال لهم: أين يبيت الغريب؟ فقال البواب له استهزاء به: في عمودي السواري فبات فيه و هو لا يمكن عادة المبيت نفعنا الله به و أما الشيخ عبد القادر فكان في القرن الخامس، أخذ منه خمسين سنة و أخذ من السادس تسعة و أربعين سنة.
ثم بعد زيارة خلوته توجهت لزيارة خلوة الشيخ أبي محمد المرجاني المعلوم الذي ينقل كلامه صاحب "المدخل" و يعتمد عليه و لا يشك أحد في ولايته، و قال ابن عرفة قادحا: أثقل شيء علي قولهم قيل لي أو على قال: فلا أقبله و لو من المرجاني المقطوع بولايته اهـ. فقد جزم بولايته.
قلت: نقل كلامه هذا الشيخ زروق ورده بقوله الثقل ليس بحجة و قوله أيضا المرجاني المقطوع بولايته فإن أراد القطع بحسب الكرامات فثم من هو أظهر منه كرامة، و إن أراد ذلك بحسب نفس الأمر فلم يقطع لأحد الآن بذلك إلا بعد دخول أهل الجنة الجنة.
ثم توجهت لزيارة خلوة الشيخ عبد القادر و خلوة سيدي أبي العباس السبتي الكائنين في برج اللؤلؤة و قبر سيدي عبد القادر فمعلوم في بغداد أفاض الله علينا من بحر أنوارهما، و زرت الجامع الأعظم القديم القريب من تلك الخلوة، و من البرج المذكور الذي كان فيه تسعون مفتيا، أي في الجامع الأعظم و كان كل واحد لا يعرف أبا علي المسيلي أي ناحية كان.
ثم بعد ذلك توجهت إلى الشيخ عبد الحق الإشبيلي و يقال له اليماني، و يقال له: البجائي أيضا، و هو الذي ألف العقبة و قبره خارج باب المرسى القديم طريق أبي زكرياء الزواوي و كان رضي الله تعالى عنه لوذعيا فاضلا كريما لا نظير له و كانت تأتيه أمته مرارا في يوم واحد لمجلس درسه تطلبه دراهم فلم يخيبها قط ثم قال بعض تلامذته: هذا شيء كثير يا شيخ فقال له: أستحي أن تجمع في ثلاثة شينات: شيخ و شحيح و اشبيلي اهـ. و أيضا كانت رخامة عند قبره فيها تاريخ موته فأتى بعض النصارى فرفعها، فلما وصل بها إلى بلده تشاءم بها وردها بنفسه إلى قبره نفعنا الله به أمين.
ثم زرت من دفن في تلك المقبرة و قد دفن فيها أيضا قرب السور الشيخ عبد الحق بن ربيعة، ذكره صاحب "عنوان الدراية" بما سحرك قلب الناظر إليه، و قد قيل: إن في تلك المقبرة الغافقي.
ثم توجهت لزيارة الشيخ أبي زكرياء يحي الزواوي و قد كان في القرن السادس و قبره مشهور قال صاحب "عنوان الدرية ما نصه: أربعة قبور يستجاب الدعاء عندها قبر معروف ببغداد و قبر أبي مروان في بونة، أي عنابة و قبر أبي زكرياء يحي الزواوي الذي هو هذا و قبر أبي مدين في تلمسان، و قد زرت و الحمد الله الثلاثة، بلغني الله إلى الرابعة، و هو قبر معروف بجاه من ذكرته من الأربعة أمين.
و من أوصافه رضي الله عنه أنه كان لا يأكل إلا السمك، فيصطاد بنفسه طلبا للحلال و كان كثير التردد على المساجد يتعبد فيها بنواحي بجاية، وكان رحمه الله له مجلسان في العلم مجلس في الحديث و مجلس في التفسير إلا أن التفسير يقرأه بعد صلاة الجمعة على المنبر لكثرة الناس و ازدحامهم عليه إلى يوم موته، وكان يكرر قوله تعالى:{عفا الله عما سلف و من عاد فينتقم الله منه} ففهم أكثر الحاضرين أن الشيخ يموت و كان رحمه الله سخي الدمعة يبكي و يبكي أكثر الحاضرين معه إلى أن قربت صلاة العصر و ذهبت لزاويته. قرب الجامع فسمع له من المسجد حركة اغتيال. ثم رجع إلى صلاة العصر، فلما فرغ منها رجع إلى زاويته. فمات بعد صلاة العصر من يوم الجمعة، و دفن صبيحة السبت و خرج الناس لدفنه، و خرج أمير بجاية، و قد انكسر كذا و كذا نعشا تحته رحمة و رغبة فيه، و هو حسناوي من بني عيسى، و بلدهم بقرب الجزائر، و دفن معه الولي الكبير ابن عربي غير الحاتمي و غير الحافظ، وإنما هو رجل على صورة البله يلعب بقصبة.
و أما الشيخ سيدي المليع فلم أحفظ من أمره شيئا إلا أن أهل بجاية يعظمونه غاية التعظيم و يعدونه من أهل التصريف و كذا سيدي عيسى، و جده سيدي علي البكائي إلا أن جده و الله أعلم قد ذكر صاحب "عنوان الدراية" في طبقاته أن له زاوية عظيمة الخ ما ذكره ، و الله أعلم.
و أما الشيخ سيدي علي المسيلي فقد كان حجة في بجاية و تولى القضاء فيها، و الدعاء مستجاب عند قبره و يسمى أبا حامد الصغير.
و من تآليفه "التذكرة و النبراس في الرد على منكر القياس" و قد رأيت الشيخ عبد الباقي يقول: "قال صاحب النبراس"، و هو من أواخر القرن السادس.
و من أهل القرن التاسع أيضا الشيخ سيدي التواتي و هو و لي صالح كبير الشأن عالم على الإطلاق و له مؤلفات كما كنا نسمع و هو عند أهل بجاية من أهل التصريف، وقد سمعنا أن فتواه لا ترد إلى توزر و طلبة إلى أن الآن و خدام في الجبل و غيره، نفعنا الله تعالى به اهـ. ورتيلاني

سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)